"اتفاقية ستوكهولم" تقضي على التوازن البيئي جنوب مصر

  • 550
ارشيفية

تعد بحيرة ناصر في جنوب مصر من أكبر وأضخم البحيرات الصناعية في العالم، حيث تكونت عقب إقامة السد العالي في ستينيات القرن الماضي.
وبجانب أن هذه البحيرة تعد أهم الكنوز التي أهدتها الطبيعة لمصر، فأصبحت كذلك محمية طبيعية لبعض الحيوانات التي تعيش على ضفاف نهر النيل، ومنها "التماسيح" التي وجدت في البحيرة بيئة خصبة للتعايش والتكاثر.


و أصبحت "التماسيح" خطرًا يهدد التوازن البيئي في "بحيرة ناصر"، بسبب اعتماد هذه التماسيح على الأسماك في البحيرة كمصدر وحيد لغذائها وعدم تنوع مصادر غذائها على حيوانات عاشبة، مما يؤدي إلى تهالك الثروة السمكية في " بحيرة ناصر".


"الفتح" تواصلت مع عدد من المختصين في شئون البيئة والمحميات الطبيعية، ومسئولين سابقين وباحثين في دراسة حيوانات المحميات الطبيعية للوقوف على أبعاد مشكلة تكاثر أعداد "التماسيح" ببحيرة ناصر، وخطورتها على توازن النظام البيئي في البحيرة ، وعلى الثروة السمكية، وكيفية الاستفادة من هذه التماسيح في بعض الصناعات التي تلاقي رواجًا دوليًّا.


قال المهندس محمود رشاد، الباحث بهيئة المحميات الطبيعية، إنه كان من أهم النتائج المترتبة على بناء السد العالي توفير محمية طبيعية لتماسيح النيل التي وجدت البيئة الخصبة لتكاثرها دون وجود عدو طبيعي لها، مما قد يتسبب في الإخلال بالنظام البيئي في بحيرة ناصر نظرًا لما تلتهمه التماسيح من أطنان من الأسماك في البحيرة والتي لا يتم الاستفادة منها في تدعيم سوق الثروة السمكية في مصر.


وأضاف رشاد، أن وجود التماسيح بهذه الأعداد الهائلة سيسبب في إلحاق أضرار كبيرة بقطاع السياحة البيئية والصيادين في بحيرة ناصر.


قال المهندس محمود الدفناوي، نائب مديرعام المحميات الطبيعية الأسبق، إن هناك تقارير متفاوتة حول أعداد التماسيح في بحيرة ناصر، مشيرا إلى أن هناك تقارير ذكرت أن أعداد التماسيح تخطت الـ"90" ألف تمساح في البحيرة كلها.


وأضاف الدفناوي، أنه لا يمكن تحديد أعدادها بنسبة أكيدة، مضيفًا أن أغلب التقارير رجحت أن يكون أعداد التماسيح تجاوزت 90 ألف تمساح، وأن التمساح الواحد يحتاج إلى نحو 6 كيلو أسماك يوميًّا، أي أن هذه التماسيح تلتهم أكثر من 150ألف طن يوميًّا من الأسماك.


يقول أكرم إسماعيل، مستشار رئيس هيئة المحميات الطبيعية الأسبق، إن تماسيح بحيرة ناصر تتغذى على نحو 150 إلى 200ألف طن من الأسماك الموجودة في بحيرة ناصر يوميًّا، دون الاستفادة من هذه الثروة السمكية الضخمة الهائلة في البحيرة أو من جلود هذه التماسيح في المصنوعات الجلدية.


وأضاف إسماعيل، أن مصر مغلة باتفاقية عقيمة هي اتفاقية" ستوكهولم "، التي تحظر وتمنع وتجرم صيد التماسيح، مضيفًا أن هذه الاتفاقية كانت تهدف لتحقيق التوازن البيئي ببحيرة ناصر، إلا أنها جاءت بنتائج عكسية حيث أدى عدم اصطيادها إلى تكاثرها بأعداد مهولة مما قد يتسبب في إحداث خلل في التوازن البيئي والقضاء على الثروة السمكية في بحيرة ناصر.


وأوضح أن اصطياد نسبة معينة من هذه التماسيح مع الحفاظ عليها للتكاثر سيعمل على تحقيق التوازن البيئي في البحيرة والاستفادة من جلود هذه الحيوانات في الصناعات الجلدية التي تعتبر مصدر هام للدخل القومي " لاسيما وأن عددًا كبيرًا من العلماء لا يرون حرجًا في استعمال جلد التمساح بعد دباغته.


علاج المشكلة:


يقول محمد برعي، صياد من أسوان، إن هناك بعض السائحين والدارسين الأجانب يأتون لعمل دراسات علمية على التماسيح النيلية في بحيرة ناصر، خاصة في مواسم تكاثرها ووضع البيض في شهور الصيف.


وأضاف برعي، أن تزايد أعداد التماسيح بهذه الطريقة يشكل خطرًا كبيرًا على أكبر بحيرة صناعية في العالم؛ حيث إن زيادة أعدادها بأكثر من المعدل الطبيعي يؤدي إلى استهلاك الثروة السمكية والقضاء على الأسماك في البحيرة، بجانب تعرض بعض الصيادين والسائحين لبعض هجمات التماسيح الكبيرة.


وطالب الدولة بضرورة إيجاد حلول سريعة لمشكلة التماسيح في بحيرة ناصر أو الاستفادة منها في بعض الصناعات العالمية التي تدر العملات الأجنبية في خزانة الدولة، بجانب أنها ستعمل على توفير فرص عمل وإنشاء مصانع للمنتجات والمصنوعات الجلدية التي تعتمد على جلود التماسيح المتوفرة بالبحيرة، وحماية الثروة السمكية في البحيرة.


مشاكل البحيرة:


قال أكرم مصطفى الماروني، مدير شئون البحيرات الأسبق، منذ تم إنشاء جهاز تنقية بحيرة ناصر لإدارة مواردها "المائية ـ السمكية ـ الزراعية ـ التعدينية ـ السياحية "عام 1974 وحتى الآن لم يحقق الجهاز أهدافه في التنسيق بين الوزارات المعنية لإقامة بنية خدمات للبحيرة.


وأكد الماروني، أنه لم يتم وضع خطط استراتيجية تحقق مكاسب للدولة، ولكن تبددت كنوز البحيرة بين رخاوة يد الدولة في الاهتمام بتنمية بوابة مصر الجنوبية.


وأضاف أنه في عام 1978 انتقلت تبعية هذا الجهاز لوزارة التعمير، ثم لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ثم بحكم محكمة نقل تبعية لهيئة الثروة السمكية ثم المحاجر المحيطة بالبحيرة لمحافظة أسوان، لذا فإن تعدد القرارات وتضاربها أدى إلى إهدار كنز عظيم مثل هذا الكنز.


ونظرا لتدخل وزارة الاستثمار في البحيرة والتي قسمتها لـ6 مناطق سمكية أجرت في مزاد فأصبح هدف المؤجر تحصيل "المال"، وبالتالي جار الصيد على المخزون الاستراتيجي، وفي أوقات تكاثر الأسماك التي يحرم فيها الصيد.


ولفت مدير شئون البحيرات الأسبق، إلى أن إحدى المشاكل الرئيسية التى تواجهها البحيرة، زيادة أعداد التماسيح حتى وصلت إلى80 ألف تمساح، ولا يتم الاستفادة منها بسبب بعض الاتفاقيات التي تحرم اصطيادها.


وتابع: يجب على مصر أن تعمل على تعديل اتفاقية "ستوكهولم "التي تمنع اصطياد التماسيح، وذلك بعد التأكيدات أن تماسيح النيل في مصر ليست معرضة للانقراض، وبعد أن ازدادت أعداد التماسيح بصورة تهدد الثروة السمكية وحياة الصيادين والتوازن البيئي، وبعد أن توحشت، وهو ما يعد ثروة أخرى من استغلال لحوم وشحوم وجلود هذه التماسيح أيضا في المصنوعات الجلدية؛ حيث إن المنتجات الجلدية المصنعة من جلود التماسيح تلقى إقبالا عالميًّا عليها، نظرًا لما تتمع به هذه الصناعات من متانة وقوة وصلابة.


وأضاف أكرم مصطفى الماروني، أنه في حالة اهتمام الدولة بالبحيرة يمكن أن تحقق في أقل من 3 سنوات زيادة الثروة السمكية إلى ما يزيد عن 70 ألف طن سنويًّا، وتنمية السياحة إلى البحيرة، والاهتمام بالتنمية الزراعية على جانبيها، والكشف عن الثروات والخامات المحمولة إليها في طمي النيل.