قلعة "الغزل والنسيج" بشبرا الخيمة تبحث عن طوق الإنقاذ

  • 130
ارشيفية

صناعة الغزل والنسيج بشبرا الخيمة تعد نموذجًا واضحًا على مدى تدهور هذه الصناعة في مصر خلال العقدين الأخيرين، ليتراشق الجميع بوابل من الاتهامات دون أن تصل إلى معرفة المقصر، ومن الواجب عليه أن يتخذ عددًا من الإجراءات الوقائية التي من شأنها حماية هذه الصناعة، لعل أهمها تقنين فوضى استيراد الأقمشة والملابس الجاهزة، وتعاني كل شركات الغزل خسائر كبيرة جراء تقادم الآلات من جانب، وضعف الصناعة من جانب آخر.

منطقة شبرا الخيمة الصناعية كانت تُعَد إحدى قلاع الغزل والنسيج في مصر، شأنها في ذلك شأن مدينة المحلة الكبرى، لكن العقد الأخير أدى إلى غلق مئات المصانع وتصفيتها بسبب عدم قدرتها على المنافسة؛ حيث تقلص عدد المصانع من 1200 مصنع إلى 500 مصنع حاليًا.


أكد عدد من أصحاب مصانع الغزل والنسيج بمنطقة شبرا الخيمة، تدهور جميع إمكانيات تطوير صناعة الغزل والنسيج في المنطقة، وأصبح غلق المصانع وبيع معداتها للخردة أمرًا مألوفًا في المنطقة بعد أن زادت صعوبات البقاء في ظل المنافسة غير العادلة بين المستورد والمهرب وارتفاع أسعار الطاقة والوقود والكهرباء، بالإضافة إلى عدم انتظام الكهرباء وتكرار انقطاعها عن المصانع لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات يوميًّا.


قال محمود الكيلاني، صاحب مصنع غزل، إن الحكومة تخلت عن هذه الصناعة وتركتها وحدها تصارع من أجل البقاء، مطالبًا الدولة بضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات التي من شأنها حماية المنتج الوطني من الانهيار، وضرورة تبني الحكومة مشروع قومي لإحلال وتجديد ماكينات مصانع الغزل والنسيج للقطاعين العام والخاص على السواء؛ من خلال تسهيل القروض المخصصة للقطاع الخاص لشراء معدات جديدة والتعاقد مع عدد من الشركات العالمية لتصنيع الماكينات تقوم بتزويد المصانع بالماكينات الحديثة مقابل تسهيلات في السداد.


قال محمد أحمد معاني، صاحب مصنع غزل، إن السوق المحلي ينهار ويتسع للبضائع الرديئة المستوردة على حساب المنتج الوطني، مؤكدًا أن العديد من المصانع تحولت من نشاط النسيج إلى نشاط الغزل بسبب عدم القدرة على منافسة الملابس والأقمشة المستوردة.


وأشار معاني، إلى أنه كمستثمر خفض إنتاجه بنسبة لا تقل عن 50 % خلال الأعوام التي تلت ثورة يناير، وما صاحبها من انفلات أمني، وتسببت في حدوث انفلات أمني شديد بمنطقة شبرا الخيمة أدى إلى سرقة العديد من المصانع، بالإضافة إلى العشوائية الشديدة التي حدثت في التهريب والاستيراد؛ ما أدى إلى توقف الإنتاج المحلي وتصفية عدد كبير من مصانع المنطقة بشبرا الخيمة.


بدوره، قال خالد عبد الظاهر، صاحب مصنع غزل تم تصفيته، إن السوق لم يساعده على البقاء بسبب المنافسة غير الشريفة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المدخلات في ظل تخلٍّ كامل للحكومة عن مطالبنا؛ فلم أجد حلًّا سوى تصفية المصنع وبيع معداته خردة بعد أن أصبحت عاجزًا عن تلبية مرتبات العمال التي ارتفعت بشكل غير مسبوق، فبعض العمالة يصل أجرهم اليومي إلى 120 جنيهًا.


قال المهندس مصطفى شلبي، نائب رئيس جمعية شبرا الخيمة للغزل والمنسوجات، إن ما تقوم به الحكومة من عقد لقاءات واجتماعات بحجة إنقاذ الصناعة مجرد اجتماعات شكلية ليس إلا، مشيرًا إلى أنها تجتمع مع أصحاب الشركات الخاصة فقط "أصحاب المصالح" وتهمل أصحاب المشكلات الحقيقية.


وأضاف شلبي، أن مشكلة صناعة الغزل في مصر تتمثل في أهمية تطوير الماكينات التي تقادمت ولم يتم تحديثها منذ أكثر من 30 عامًا مضت.


قال عيسى الفقي، عضو مجلس إدارة جمعية الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، إن المطلوب من الدولة مجرد دعم الفلاح بشراء القطن بالسعر العالمي حتى يتم توريده للمغازل، والعمل على تدعيم أعمال مصانع الغزل التي بدأت في التطوير وحمايتها من الغزول المستوردة، موضحًا أن متوسط استهلاك الفرد من الأقمشة سنويًّا يصل إلى نحو 30 مترًا؛ مما يعني إمكانية بيع أقمشة لنحو 80 مليون فرد 2.4مليار متر أقمشة سنويًّا؛ مما ينعش مصانع الغزل وتشغيل العمالة بصورة كبيرة ويحقق النهضة المطلوبة لهذه الصناعة.


وقال محمد عمر، مهندس إنتاج بأحد مصانع شبرا الخيمة، إنه لابد من سرعة حل المشكلات التي تواجه قطاع الصناعات النسجية في مصر بداية من الحد من الاستيراد والتوسع في زراعة القطن قصير التيلة.


وأكد عمر، أن القطاع الخاص يواجه منافسة شرسة بسبب تحمله أعباءً كثيرة، منها ارتفاع تكلفة الفائدة على الاقتراض وزيادة أسعار المواد الخام، موضحًا أن سعر قنطار القطن بدول جنوب شرق آسيا يصل لما يعادل 550 جنيهًا، وهو رقم يقل كثيرًا عن سعره بمصر.


وأوضح المهندس محمد عمر، أن صناعة الغزل والنسيج في مصر تعاني في الوقت الراهن حالة ركود وتدهور، بجانب ضعف حجم الاستثمارات الموجه للقطاع، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى عمليات التهريب الضخمة للمنتجات القادمة من الصين ودول جنوب شرق آسيا.


وتابع: في الوقت الراهن يتعرض أحد آخِر معاقل هذه الصناعة إلى انهيار متوالٍ دون أن يوقف أحد وتيرة هذه الانهيار؛ حيث انخفض عدد المصانع إلى النصف تقريبًا، مع تأكيدات بغلق مصنع كل شهر تقريبًا؛ بسبب عدم القدرة على الاستمرار نتيجة ترك الحكومة أصحاب المصانع فريسة للمستوردين والمهربين على حساب الصناعة الوطنية.


كما أوضح منير فخري عبد النور، وزير الصناعة والتجارة، وأحد المشاركين في اللجنة العليا للقطن المصري، أن الحكومة حريصة على إزالة كل المعوقات التي تواجه قطاع الغزل والنسيج، وتعمل على زيادة قدرته التنافسية، لافتًا إلى أن هذه الصناعة من أعرق الصناعات وأهمها، ويعمل بها أكثر من مليون عامل بمصانع القطاع الخاص والعام.


وأضاف الوزير، أن الحكومة الحالية تهتم بقطاع الغزل والنسيج بشكل كبير لتطوير وإصلاح هذه الصناعة في جميع مراحلها، والعمل على مساعدتها من خلال عدد من الإجراءات، ومنها محاربة عمليات التهريب على المنافذ الحدودية التي كانت تمثل عبئًا ثقيلًا على هذا القطاع، وتحد من قدرته داخل السوق المحلي والتي كان لها تأثيرًا إيجابيًّا على المصانع العاملة داخل السوق المصري خلال الفترة الماضية.


وأكد عبد النور، أنه من الطبيعي أن تنعكس هذه المشكلات بشكل سلبي على أحوال عمال الغزل والنسيج في القطاعين العام والخاص؛ حيث نجد أن أجور عمال هذا القطاع من أدنى مستويات الأجور، كما أن الأوضاع التي يعمل في ظلها عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، من حيث ساعات العمل وعدم توفر عناصر الأمن الصناعي، تعد بالغة الخطورة.


أصدر المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء قرارًا حمل رقم 2126 لسنة 2015، بتشكيل لجنة عليا للقطن برئاسته وعضوية كل من منير فخرى عبد النور وزير الصناعة والتجارة، وأشرف سالمان وزير الاستثمار، والدكتور صلاح هلال وزير الزراعة.


فيما قال محمد صبح الدبش، نقيب عام الفلاحين، إن زراعة القطن في مصر تتعرض منذ عدة عقود للكثير من المشكلات حتى كاد يختفي، موضحًا أن هناك تحذيرات لخبراء الزراعة من اختفاء القطن المصري، فضلًا عن أزمة تكدس القطن في المخازن وتراجع الفلاح عن زراعته بسبب عدم تطوير المحالج والمغازل الموجودة في مصر لتناسب تركيبة القطن المصري.


وأشار دبش، إلى إهمال الدولة لتسويق القطن المصري، وشراء شركات الغزل الأقطان رخيصة الثمن، إضافة إلى تهريب بذرة القطن المصري للخارج، نتج عنه انهيار محصول القطن.


لماذا تدخل صناعة مثل الغزل والنسيج في شبرا الخيمة النفق المظلم بعد أن كانت من الصناعات المزدهرة في مصر؟ وهل تركت الدولة أصحاب المصانع يواجهون الأزمة وحدهم، أم أن أصحاب المصانع هم الذين تركوا الدولة والتزاماتهم تجاهها سعيًا وراء الربح السريع؟


ليبقى السؤال قائمًا: لماذا صناعة الغزل والنسيج في مصر جرح ينزف دائمًا؟