آداب الحوار النفسية

  • 251

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده, هناك آداب تتعلق بنفسية المحاور وشخصيتة، وهناك ظروف نفسية قد تطرأ على الحوار فتؤثر فيه تاثيراً سلبياً، فينبغى مراعاة ذلك: أولا- تهيئة الجو المناسب للحوار؛ فلابد من الابتعاد عن الأجواء الجماعية والغوغائيين, لأن الحق قد يضيع فى مثل هذه الأجواء, كما ينبغى اختيار المكان الهادئ وإتاحة الزمن الكافى, كما ينبغى مراعاة الظرف النفسى والاجتماعى للطرف الآخر, ومن الوسائل فى تهيئة الجو المناسب للحوار:

1ـ التعارف بين الطرفين.

2ـ طرح اسئلة فى غير موضوع الحوار لتهيئة نفسية الطرف الآخر، مثل ما فعل المأمون مع عبد العزيز المكى فى كتاب الحيدة.

3- التقديم للحوار بكلمات مناسبة ومقدمات لطيفة.

ثانيا- الإخلاص وصدق النية؛ لابد من توفر الإخلاص لله وحسن النيه وسلامة القصد فى الحوار والمناظرة, وأن يبتعد المناظر عن قصد الرياء والسمعه, والانتصار للنفس وانتزاع الإعجاب والثناء. ومن دلائل الإخلاص لله والتجرد لطالب الحق أن يفرح المحاور إذا ظهر الصواب على لسان مخالفة, كما قال الإمام الشافعى, رحمة الله: ما ناظرت أحداً إلا تمنيت لو أن الله أظهر الحق على لسانه, ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الأراء والأفكار ومالك الحق ليست مِلكاً لواحد أو طائفة, والصواب ليس حكراً على واحد بعينه.

ثالثا- الإنصاف والعدل؛ من المبادئ الأساسية فى الحوار: العدل والإنصاف، ومن تمام الإنصاف قبول الحق من الخصم والتفريق بين الفكرة وقائلها, وأن يبدى المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدله الجيدة.

رابعا- التواضع وحسن الخلق؛ إن التزام الأدب وحسن الخلق عموماً, والتواضع على وجه الخصوص له دور كبير فى اقناع الطرف الأخر وقبوله للحق وإذعانه للصواب, فكل من يرى من محاوره توقيراً وتواضعاً ويلمس خلقاً كريماً ويسمع كلاماً طيباً, فإنه لا يملك إلا أن يحترم محاوره ويفتح قلبه لاستماع رأيه, وفى الحديث: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" ومما ينافى التواضع, العجب والغرور والكبر.

خامسا الحلم والصبر: يجب على المحاور أن يكون صبوراً حليماً, لا يغضب لأتفه الأسباب, ولا ينفر لأدنى أمر, فقد أمر سبحانه نبيه بأخذ العفو وإعذار الناس وترك الإغلاظ عليهم فقال تعالى "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" والصفح والعفو أبلغ من كظم الغيظ ورد الغضب، لأن العفو ترك المؤاخذه, وطهارة القلب والسماحه عن المسيء, وأعظم من ذلك وأكبر هو دفع السيئه بالحسنه ومقابلة فحش الكلام بلينه, والشدة بالرفق.

سادسا- الرحمة والشفقة؛ إن المحاور المسلم المخلص الصادق يحرص على ظهور الحق، ويشفق على خصمه الذى يناظرة من الضلال, ويخاف عليه من الإعراض والمكابرة والتولى عن الحق, فالرحمة والشفقة أدب مهم جدا فى الحوار, فلا يكون الحوار فرصة للكيد والانتقام أو وسيلة لتنفيس الأحقاد, وطريقة لإظهار الغل والحسد, ونشر العداوة والبغضاء, قال تعالى "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".

سابعا- العزة والثبات على الحق؛ إن المحاور المسلم يستمد قوته من قوة الدين وعظمة الإيمان, فلا يجوز أن يؤدى الحوار بالمسلم إلى الذله والمهانه, والعزة الإيمانية ليست عنادا يستكبر على الحق, وليست طغيانا وبغيا, وإنما هى خضوع لله وخشوع وخشيه وتقوى, ومراقبه لله سبحانه.

ثامنا- حسن الاستماع؛ لابد للمحاور الناجح أن يتقن فن الاستماع, فكما أن للكلام فناً وأدباً, فكذلك الاستماع, وليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكلام دون محاوره, ففرق بين الحوار الذى فيه تبادل الآراء وبين الاستماع إلى خطبة.

تاسعاً- الاحترام والمحبه على رغم الخلاف؛ الخلاف أمر واقع لا محاله, ولكن لا يجوز أن يؤدى الخلاف بين المتناظرين الصادقين فى طلب الحق إلى تباغض وتقاطع وتهاجر أو تشاحن وتدابر, فأخوَّة الدين وصفاء القلوب وطهارة النفوس فوق الخلافات الجزئية والمسائل الفرعية واختلاف وجهات النظر, نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يؤلف بين قلوب المسلمين.