• الرئيسية
  • الأخبار
  • ننشر كلمة "أبو الغيط" في الاجتماع التحضيري للمجلس الاقتصادي بالقمة العربية في الأردن

ننشر كلمة "أبو الغيط" في الاجتماع التحضيري للمجلس الاقتصادي بالقمة العربية في الأردن

  • 92
القمة العربية بالأردن


قال السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة د.ع (28)، اليوم الأحد 22/3/2017، أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية لها مكان الصدارة على أجندة الاهتمامات العربية.

وأضاف أبو الغيط في كلمته:

معالي السيد/ يعرب فلاح القضاة

وزير الصناعة والتجارة والتموين بالمملكة الأردنية الهاشمية – رئاسة القمة العربية في دورتها العادية (28)

أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة، 

يُسعدني أن يلتئم اجتماعنا اليوم في إطار التحضير للقمة العربية في دورتها العادية الثامنة والعشرين. وليس بخافٍ أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية لها مكان الصدارة على أجندة الاهتمامات العربية.. المواطن العربي بشكلٍ عام ما زال يشعر بانعدام الأمن الاقتصادي.. ثقته في المستقبل ضعيفة، وشعوره بضغط الأزمات الاقتصادية يتعاظم انعكاساً للتباطؤ على صعيد الاقتصاد العالمي، ولانخفاض أسعار النفط الذي لن تكون آثاره وتبعاته قاصرة على الدول المُصدرة للنفط وحدها، وإنما ستمتد لأغلب الدول العربية.

والحقُ أن الحكومات العربية جميعاً قد وضعت التنمية الاقتصادية هدفاً أساسياً لها، وغاية منشودة لعملها.. وهناك خططٌ جسورة وطموحة تُخاطب المستقبل، وتستهدف تغيير الهياكل الاقتصادية للدول العربية، وإصلاحها، والانتقال بها من مرحلة الركود والنمو البطيء إلى زيادة الإنتاجية والاقتصاد الموجه للتصدير ذي القيمة المُضافة العالية، فضلاً عن السعي المحمود لتنويع مصادر الثروة واستنفار الطاقات الكامنة في المُجتمعات، وبخاصة في شريحة الشباب ... وهذه الخطط والتوجهات تحمل بين طياتها أملاً حقيقياً للمواطن العربي، ذلك أنها تضع الاقتصادات العربية على أول الطريق السليم ...طريق الإصلاح الشامل الذي يواجه –بجرأة وثقة- جوهر الاختلالات القائمة منذ عقود في البنية الاقتصادية للدول العربية، وأخطرها على الإطلاق القطاع العام المُتضخم ضعيف الانتاجية، والعجز عن جذب الاستثمارات الأجنبية، وتفشي النزعة الاستهلاكية، وضعف منظومة الرعاية الاجتماعية للفئات الأضعف والأكثر فقراً.

والحقيقة أن بُلدان العالم العربي تجد نفسها في سباق مع الزمن .. فلا يغيبُ عنّا أن مُعدلات النمو السكاني في المنطقة كانت من بين الأعلى عالمياً خلال الخمسين عاماً الأخيرة.. والأخطر أن دول المنطقة العربية تمر بطفرة ديموغرافية تجعلها الأكثر شباباً مُقارنة بالمجتمعات الأخرى... فثُلث المواطنين العرب تقع أعمارهم بين 15 و29... وهو ما يُشكل كتلةً ضخمة من السُكان يتجاوز حجمها الـ 100 مليون إنسان .. وهي ليست مجرد كتلة ساكنة أو راكدة، بل هي الأوثق اتصالاً بالعالم، والأكثر تعليماً، والأشد تطلعاً للمستقبل.

ولا تحتاج الحكومات العربية لمُلاحقة هذا النمو السُكاني فحسب، وإنما مطلوبٌ منها أيضاً التجاوب المُستمر مع التطلعات المتزايدة للشباب.

إن النجاحات التي تحققت على مدار العقود الماضية في تحسين مؤشرات التنمية الإنسانية للسُكان ضاعفت من قدر تطلعات الناس وطموحاتهم.. والتقدم في مجال تقنية الاتصال جعل الشباب أكثر وعياً بما يدور في العالم، ومن ثمّ أكثر رغبة في الحصول على المزيد من الفُرص من أجل الترقي وتحقيق الذات..

إن هؤلاء الشباب هم أملُ هذه المنطقة، وطوق نجاتها .. الاستثمار فيهم، وإتاحة الفرص أمامهم يمُثلان التحدي الأكبر أمامنا.. ولا أبالغ إن قُلتُ إننا في حاجة إلى نموذج تنموي جديد يكون على مستوى توقعات الشباب، وبقدر تطلعات الناس... نحتاج إلى منظومة اقتصادية تقود إلى توليد الثروة وتحفيز الابتكار وتفجير ينابيع الابداع والمغامرة.. الشباب العربي ليس خاملاً أو مُستكيناً.. بل هو قادرٌ على الابداع والعمل المُنتج شريطة توفير البيئة الاقتصادية السليمة القائمة على المنافسة وليس الاحتكار.. البيئة التي تُكافئ الإنجاز والابداع وليس التواكل والاعتمادية.. إن تزويد هؤلاء الشباب بالتعليم الجيد والمهارات اللازمة للتعامل مع اقتصاد المعرفة، يقع في القلب من مهام الحكومات العربية..

وبرغم بعض الإنجازات في مجال إتاحة الفُرص التعليمية، خاصة في مراحل التعليم الأساسي، فإن فجوة كبيرة ما زالت تفصل بين المنطقة العربية والمعايير العالمية فيما يتعلق بجودة التعليم.. وثمة فجوة مماثلة بين ما يكتسبه الشباب من مهارات ومعارف، وبين ما يحتاجه سوق العمل... والنتيجة أن المجتمعات العربية تُعاني من بطالة الشباب بصورة ينبغي أن تُشكل مصدر قلق لنا جميعاً.. 29% من الشباب العربي لا يجدون وظائف.. وتُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن بُلدان المنطقة تحتاج إلى خلق نحو 60 مليون وظيفة خلال العقد القادم لكي تستوعب الداخلين الجُدد إلى سوق العمل.. إنه تحدٍ هائل، ولا بديل أمامنا لمواجهته سوى التحرك بجدية على طريق الإصلاح وخلق النموذج التنموي الجديد الذي نصبو إليه.. إن طريق الإصلاح صعبٌ وينطوي على معاناة، ويتطلب صبراً.. إلا أنه يظل الطريق الأقصر والسبيل الأنجع للوصول بمجتمعاتنا إلى بر الأمان الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي..

إنني أشدُ على أيدي الحكومات العربية التي تُباشر خططاً جسورة ومُستدامة وطويلة الأمد من أجل الإصلاح الشامل.. وآمل مُخلصاً أن تُلبي هذه الخطط تطلعات الشعوب وطموحاتها المشروعة في مُستقبل أفضل.

 

السيد الرئيس..

مع الاعتراف بأن الخطط الوطنية تُمثل أساس عملية التنمية في كل دولة عربية، إلا أن التكامل الاقتصادي على الصعيد العربي يُدعم هذه الخطط ويُعززها، بل ويُسهم في ربط المنطقة بصورة أكبر بالاقتصاد العالمي، ويُساعدها في تجاوز الآثار السلبية للنزعات الحمائية التي نُرصد تصاعدها على نطاق عالمي ... وأقول بصراحة إنه برغم كل ما تحقق على مسار الاندماج الإقليمي والتكامل الاقتصادي فإن النتيجة لا زالت أقل بكثير من المأمول.. التجارة البينية العربية لا تتجاوز – في أكثر التقديرات تفاؤلاً- من 8 إلى 10% من مجمل التجارة العربية مع العالم.. المنطقة العربية تُعد من أكثر المناطق في العالم من حيث تشدد السياسات الحمائية وانتشار العوائق غير الجُمركية.. الحركة البينية بين الدول العربية، للأفراد والبضائع ورؤوس الأموال على حد سواء، ما زالت تخضع لقيود كثيرة يُمكن التخفف من معظمها كخطوة أولى لا غنى عنها على طريق التكامل الاقتصادي العربي..

أقول إن الطريق ما زال طويلاً أمامنا، ولكن ذلك لا يدفعنا سوى لمزيد من العمل.. ثقوا تماماً أن ما تقومون به من جهد في مجلسكم الموقر يفتح أبواب الأمل أمام الشعوب العربية التي تنشد مستقبلاً أفضل.. ومعروض أمام اجتماعِنا اليوم الملف الاقتصادي والاجتماعي المرفوع إلى القمة العربية، والذي يشمل عدداً من الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية الهامة التي تُمثّل أولوية في أجندة الاهتمامات العربية ومنها: تطورات منطقة التجارة الحرة العربية الكُبرى والاتحاد الجمركي العربي، بالإضافة إلى الاستراتيجية العربية لتربية الأحياء المائية، والخطة التنفيذية الإطارية للبرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي للمرحلة الثانية، والاتفاقية العربية لتبادل الموارد الوراثية النباتية وتقاسم المنافع الناشئة عن استخدامها، فضلاً َعن دعم اقتصاد المعرفة في الدول العربية، وإنشاء آلية لتنفيذ مبادرة فخامة رئيس جمهورية السودان للاستثمار الزراعي العربي في السودان.

ولا يفوتني التأكيد على حرص الجامعة العربية على  مواكبة الاهتمامات الدولية في مجال التنمية، وفي صدارتها الأهداف السبعة عشر لأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 وغاياتها الفرعية.

 

السيد الرئيس

لا شك أن الأزمات والنزاعات المُسلحة المُتفشية في المنطقة تُشكل ضغطاً كبيرا ًعلى الموارد المطلوب توجيهها للتنمية، وهي تضع على كاهل الدول أعباء استثنائية غير مسبوقة، وتضع بلدان المنطقة كلها في مواجهة استحقاقات صعبة في المستقبل، سواء فيما يتعلق بمسألة اللاجئين، أو إعادة الإعمار، أو تراجع مُعدلات النمو.

إن الدول العربية التي تستضيف اللاجئين الذين فروا من ويلات الحروب تستحق منّا كل الدعم والمُساندة، فهي تضرب المثل الحي على أن العروبة فعلٌ وعمل وليست مُجرد شعار أو كلام .. إن سكان المنطقة العربية يُمثلون 5% من سكان المعمورة، بينما لاجئو العالم العربي يُشكلون 50% من لاجئ العالم .. ولن يداوي جراح العرب سوى العرب.. وسيظل العرب هم الملجأ الأخير لإخوانهم.. إن علينا جميعاً أن نشعر بالمسئولية الجماعية إزاء هذه الأزمة الخطيرة التي تُهدد مُستقبلنا المُشترك.. هناك 2.8 مليون طفل سوري في سن الدراسة لا يرتادون المدارس.. وآخر ما نرغب فيه هو أن ينشأ في ربوعنا جيلٌ ضائع بلا ذنب اقترفه، ليصبح فريسة سهلة في المستقبل القريب للجماعات المتطرفة ودعاوى العُنف والإجرام..

وأخيراً وليس آخراً...أقول إن كل جهود التنمية العربية لن تؤتي ثمارها إن لم تُصاحبها صحوة فكرية ونهضة ثقافية... الفكر المتطرف هو العدو الأول للتنمية في منطقتنا... إنه سوسٌ ينخر في بنيان المُجتمعات، وينشر الفرقة بين مكوناتها، ويحول بين الشعوب وبين اللحاق بعصرها.. لقد ثبت بالتجربة أن المسافة بين الفكر المتطرف وممارسة العُنف أقصر مما نظن.. ومواجهة هذا الفكر، بالثقافة المُنفتحة والتعليم العصري الذي يُعزز قيم التسامح والمواطنة، هي ما يقطع الطريق على انتشار العُنف ويُجفف المنابع التي يتغذى عليها الإرهاب..ويتعين أن تكون هذه المواجهة عربية شاملة، وأن تقوم على استراتيجيات مُشتركة وتنسيق مُستمر بين الدول والحكومات، ليس فقط على الصعيد الأمني والعسكري، وإنما أيضا في مجالات التعليم والإعلام والعمل الاجتماعي..

إن التطرف وليد اليأس والكراهية وظلام العقل.. فليكن عملنا في هذا المجلس طاقة نور وفلاح وعمل من أجل المُستقبل..

شكـــــراً لكـــــــــم".