إمام الحرم المكي: لن تصلح أحوال أمتنا إلا بالتوحيد الصحيح

  • 224
أرشيفية

استهل إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور  خالد بن علي الغامدي  في خطبته بعد توصيته المسلمين بتقوى الله مذكراً إياهم بأن عباد الله المتقين لا يخافون من أحداث المستقبل ولاهم يحزنون على ما فاتهم في الماضي لأنهم عرفوا الله حق معرفته فاشتغلوا برضاه سبحانه وبما ينفعهم في حاضرهم ولحظتهم قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ , الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ , لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.(سورة يونس).

وأردف: “أن لله تعالى جنتين، جنة معجَّلة في الدنيا هي وسيلة وطريق إلى الجنَّة الأخرى جنّة عرضها السماوات والأرض في الآخرة، وكثير من الناس خرجوا من الدنيا وهم لم يذوقوا طعم جنة الدنيا المعجلة ولم يعرفوا لها رسماً ولا وسماً، مما كان سبباً لجفاف الأرواح وصدأ القلوب  وتناكر النفوس، واستيلاء أمراض الشهوات والشبهات على العقول والقلوب، إن هذه الجنة المعجلة في الدنيا هي جنة المعرفة بالله والصلة به. تلك المعرفة الحقة الحية النابضة. إنها جنة والله، وأيّ جنة !!!، من ذاقها وتنعُّم بها وارتشف رحيقها لم يبغ عنها حولاً، ولم يطلب غيرها بدلاً، إنها أُنْس المؤمنين  وبهجة الموحدين ولذّة الصادقين، ومهما سعى الناس في طلب اللذة والسعادة والطمأنينة فلن يجدوها على الحقيقة والدوام).

وأضاف قائلا: أمة الإسلام، إن معرفة الله هي باب التوحيد الأعظم، ومنشور الولاية الأقوَمْ، ومن رسخت في قلبه هذه المعرفة وعرف الله بأسمائه وصفاته وربوبيته وأفعاله دخلت قلبه أنوار التوحيد ولابد، فلا يعبد إلا الله ولا يسأل إلا الله، ولا يصرف ألوان العبودية كلها إلا لله وحده، ولن يصل عبد إلى تحقيق التوحيد الخالص إلا بالمعرفة الحقة بالله وهذه هي طريقة القرآن في تقرير توحيد الألوهية أنه يستدل بمعرفة الله وأسمائه وصفاته وربوبيته  على توحيد الألوهية والإلزام به ، كما في قوله: {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}.(سورة الأنعام).


مستطرداً فضيلته: “ألا ليت الدعاة والمصلحين وأرباب الإعلام في وسائل وغيرها يستشعرون فداحة الخطب وحجم الخسارة حينما ينشغلون بأمور جزئية فرعية ويغفلون عن هذا الأصل العظيم الذي به حياة العقول والقلوب واستقامتها وفلاحها، وهو السياج المنيع لكل المجتمع ضد أفكار التطرف والشبهات وأمراض الهوى والشهوات و والله لن تصلح أحوال أمتنا إلا بالتوحيد الصحيح وقوة المعرفة بالله والتعلق به، وما انتكس المنتكسون وتنكبوا طريق الهدى وارتدُّوا على أدبارهم إلا بسبب ضعف المعرفة بالله وهشاشة العلاقة به سبحانه مما كان سبباً لتزلزل القلوب وتغير المبادئ وانسلاخ اليقين من القلوب لأول عارض ولبارق طمع ولشوب غرض ومصلحة”.

وذكر فضيلته “أن تحقيق المعرفة بالله وقوة التعلق به سبحانه وامتلاء القلوب بجلاله وعظمته هو ينبوع التوحيد الصحيح ومادته الكبرى، وكيف لا؟ والله سبحانه هو أحق من ذكر وأعظم من دعي وأكرم من سئل وأرحم من رجي، وأرأف من ملك، نعمائه تترى وآلائه لا تحصى، عنده خزائن كل شيء ينفق كيف يشاء.

ونوّه الغامدي قائلاً: “لا شيء أحلى من الحديث عن الله، ولا خطاب أشهى من أن يكون في مدحة الله، فهو الذي يشفي النفوس ويسعدها ويذهب حزنها وخوفها، فيا لله كم ضاعت منا الأعمار في بنيات الطريق، وكم ذهبت منا الساعات في لهو وقيل وقال، ويا الله ما أشد غفلتنا عن ذكر ربنا ومعرفته، وما أعظم حسرتنا على نقص حظنا من الأنس به والعيش معه سبحانه وما سبقنا السابقون المقربون بكثرة صيام  ولا صلاة ولا صدقة ولكنه بشيء وقَرَ في قلوبهم ورسخ في نفوسهم وهو قوة معرفتهم بربهم وشدة تعلقهم به وحبهم له فذاقوا أطيب وأحلى وأشهى ما في هذه الدنيا حتى إن القلب ليهتزُّ فرحاً بهذا النعيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.(سورة البقرة).


واختتم فضيلته خطبته بقول ابن رجب رحمه الله: (أفضل العلم العلمُ بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتُّل إليه والتوكُّل عليه والصبر عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه).​