لا تنقضوا الغزل

  • 175
رمضان

دخلنا جميعًا أشرف سباق (سباق التقى) في رمضان فمِنَّا مَن صام وآمن واحتسب, ومِنَّا مَن قام وآمن واحتسب, ومنا مَن أدرك ليلة القدر فقامها وآمن واحتسب, ومِنَّا مَن كان رأس ماله في رمضان تلاوة القرآن وتدبر آياته والتخلق به وآمن واحتسب, ومنا مَن كانت عدته في رمضان للوصول إلى رضا الرحمن الصلة والبر في أيام رمضان ولياليه, فكان مقصد اليتامى والمساكين والأرامل والمعوزين, يقضي حوائجهم ويمسح دمعهم وقد آمن واحتسب, ومنا مَن كان جامعا لكل خير, قاصدًا لكل بر نافذًا مِن كل باب, ومنا مَن تولوا وأعينهم تفيض مِن الدمع لم يجدوا قوةً تعين على صوم, فهم مرضى, ولم يجدوا طاقة تمكن مِن قيام, فهم زمْنَى, تكاد تتفطر قلوبهم أنهم ليسوا مع جموع الصائمين, ولم يصحبوا وفود القائمين النازحين إلى المساجد مِن كل حدبٍ وصوب, تفيض أعينهم مِن الدمع رغم أنهم أدوا فدية الصوم, وقاموا على فرشهم قدر الطوق, لكنهم حنُّوا إلى عطش الصوم, ولهيب الجوع, وحنُّوا إلى أماكنهم للقيام في الصف.

وأولئك نبشرهم بقول النبى صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحا مقيما". رواه البخارى.

وليس مِنَّا مَن ادَّعى الكمال في العمل، ولكننا سرنا على درب الطائعين، وتعلقنا بسمت الصالحين، ولبسنا ثياب الراجين الطامعين في المغفرة, وإن كنا مقصرين مفرِّطين, ولكننا نقول: يا رب؛ ماجئناك مُدِّلين ولامستكبرين ولا للمعصية محبين عامدين، نقول: يا رب؛ جئنا ببضاعة مزجاة فأوفِ لنا الكيل, فأنت إلهنا إله كريم، مَقصِد المقصرين المذنبين، لا ترد أكُفَّ المتضرعين السائلين صفرًا خائبين, ولا تطردهم عن بابك خزايا ولا محزونين ..

وعلى كلٍّ فقد انتهى رمضان وأقفل أسخى العروض لدخول الجنة، وأتانا العيد؛ فمنا مَن خرج مِن رمضان وقد حصَّل التقوى؛ فهي الغرض مِن الصوم، وفارق العصيان، وأُعتق مِن النيران، وخرج بقلب رشيد، وعزم على الطاعة حديد، فهنيئًا له بالقبول .. اللهم اجعلنا منهم, فقد نسجوا ثوب تقواهم في رمضان سُداه صوم عن بعض الحلال وعن كل الحرام, ولُحمتُهُ قيام في الصفوف لله وتقلبٌ في الراكعين الساجدين, فإن كنــــــــــــت منهم قد احكمت النسيج ولبست ثوبًا مِن التقوى جديد, فإياك إياك ثم إياك مِن نقض الغزل, فتعود بعد رمضان لِتَحُلَّ ثوبَ التقى, وتعيده أنكاثًا بعدما أتقنت نسجَهُ وأحسنت حبكَهُ في رمضان, فقد حذرنا الله أن نكون كحمقاء قريش (ريطة بنت عامر) كانت تغزل ثوبها مع جواريها مِن الصبح إلى الظهر حتى إذا أحكمته وحسَّنته أمرت جواريها بنقضه مِن جديد أنكاثًا مِن الظهر إلى العصر، فيعود خيطًا كما كان, ﴿ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها مِن بعد قوة أنكاثًا﴾ (النحل: 92) فما أشبه مَن تحمَّل مشقة الصوم والقيام بالليل حتى تتهيأ له مكارم الأخلاق وممدوح الصفات وخلال التقى, ثم ينقض ذلك بالمعاصى بعد رمضان!! ويبدأ معاصيه فى يوم العيد؟

فأقول لنفسي وللصائمين القائمين: حافظوا على غنيمتكم وتمسكوا بدرتكم (التقوى) فباعدوا بينكم وبين أنفاس المعاصى، وزاحموا غيركم في تحصيل الطاعات, ألم يكن هذا لك حال في رمضان؟ فإياك من الانتكاس .. واعلم أن الشيطان يقعد لك بكل صراط ليُنحيك عن رضا الرحمن .. فلا تغفل عنه، وتمسك بهذه الآيات؛ ففيها النجاة بإذن الله ﴿وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميعٌ عليم .

إن الذين اتقوا إذا مسَّهم طائفٌ مِن الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ (الأعراف: 200، 201).