الهجرة والثراء السريع.. فخّ "سماسرة الموت" لاصطياد الشباب! "تحقيق"

  • 98
أرشيفية

 

الثراء السريع.. طُعم "سماسرة الموت" لاصطياد الشباب

100 ألف مهاجر يدخلون أوروبا منذ بداية العام.. وإيطاليا تستضيف 85% منهم

عضو "الدفاع والأمن القومي": قانون الهجرة غير الشرعية ليس كافيًا لمنعها

 أستاذ علم اجتماع: تحقيق العدالة وتحسين الأجور.. أهم الحلول

 

الهروب من الفقر هدفهم حتى وإن كان الملجأ إلى موتٍ محققٍ بعبور أمواج الخطر المتلاطمة، غير أن أحلام الخلاص من الأحوال المعيشية المتردية والثراء التي ينسجها استغلال سمامرة الموت، تغري الشباب؛ آملين النجاح كما نجح البعض، وإن كانوا قلة بالنسبة لأعداد الأرواح الزاهقة يوميًا غرقًا في بحار الهجرة غير الشرعية.

وفي السنوات الأخيرة ازداد عدد المهاجرين إلى إيطاليا عن طريق مصر، وتحديدًا في عام 2016، تشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن ما يعادل 10٪‏ من جميع الوافدين إلى إيطاليا باستخدام طريق البحر المتوسط ​​ غادروا من مصر بينما 90٪‏ قد عبروا من خلال ليبيا.

ودخل أكثر من 100 ألف مهاجر أراضي الاتحاد الأوروبي عبر مياه البحر المتوسط منذ بداية العام الجاري، حسب معطيات منظمة الهجرة العالمية، واستضافت إيطاليا 85% منهم، الأمر الذي أعاد مسألة الهجرة غير الشرعية إلى المربع الأول في الأجندة الأوروبية.

وأعلنت المفوضة الأوروبية –في بيان لها- عن أنها أعدت خطة عمل جديدة تهدف إلى وضع حد للهجرة غير الشرعية؛ حيث طرحت جملة من الإجراءات الواجب اتخاذها بشكل عاجل للحيلولة دون استمرار تفاقم أكبر أزمة هجرة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك تخصيص أكثر من 80 مليون يورو لتنشيط عدد من المشاريع المشتركة بين إيطاليا وليبيا؛ وذلك بغية تخفيف موجة الهجرة، وتوفير الآلية المناسبة لإعادة المهاجرين بشكل آمن.

وأطلقت وكالة الأمم المتحدة للهجرة "المنظمة الدولية للهجرة"، في مصر بالتعاون مع اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر حملة تحت شعار "توعية المهاجرين" تهدف لتوعية المهاجرين المحتملين بمخاطر الهجرة غير النظامية عبر الصحراء والبحر المتوسط، وتوضح المخاطر الحقيقية من خلال عدة مقاطع فيديو للمهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا بعد تعرضهم للإساءة من قبل المهربين وأحيانا المتاجرين على طول الطريق.

من جهتها، قالت الدكتورة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج، إن قضية مكافحة الهجرة غير الشرعية تأتي على رأس أولويات الوزارة، موضحة أن هناك خطة استراتيجية طويلة المدى تم وضعها للتصدي لهذه القضية، ومحاصرة تداعياتها من خلال حملة كبرى لنشر التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، خاصة بين الشباب.

وأوضحت الوزيرة في بيان لها: أن الحملة تستهدف التركيز على المحافظات والقرى التي تمثل المناطق الأكثر طردًا للشباب، الذين يمثلون النسبة الأكبر في جرائم وعمليات الهجرة غير الشرعية، مؤكدة أن الحملة تشتمل على لقاءات تلفزيونية، وأفلام تسجيلية، وإعلانات توضح أثر تلك الهجرة ومخاطرها على الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى نشر أعداد كبيرة من لافتات التوعية في أماكن التجمعات مع التركيز على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال اللواء أحمد العوضي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، إن القانون الذي أقره البرلمان بدور الانعقاد الأول حد بشكلٍ ما من الهجرة غير الشرعية، لكنه ليس كافيًا وحده في منعها مطلقًا، خاصة عند الشباب الذين يبحثون عن مصدر للرزق وأحلام وردية في الغنى والثروة، وفي نهاية المطاف يموتون غرقًا.

وأكد العوضي لـ "الفتح"، أنه ليس هناك أي قانون يمكنه إنهاء الهجرة غير الشرعية ما دامت أسبابها قائمة، خاصة البطالة وعدم وجود فرص عمل لدى الشباب الذي يحاول –وإن كانت فرص النجاح قليلة مع احتمال الموت– إيجاد عمل بالخارج.

وأشار إلى أنه إذا أرادت الدول الأوروبية التي تعاني من مأساة الهجرة غير الشرعية أن تقضي عليها، فلابد أن تتعاون مع الدول المصدرة لها، ومن بينها مصر، وتقوم بعمل تنمية في تلك الدول تتيح فرص عمل للشباب؛ مما يثنيه عن التفكير في الهجرة غير الشرعية التي قد تكلفه حياته، وكذلك الدول الإفريقية التي تعاني من الفقر وانعدام فرص العمل بها وتكون مصر بالنسبة لها دولة معبر؛ وبالتالي تمنعهم من اللجوء للبحر.

وبشأن دور البرلمان في مكافحة الهجرة غير الشرعية، شدد عضو "الدفاع والأمن القومي"، على أن دوره ليس قاصرًا على إقرار القانون، وإنما على النواب توجيه الشباب من خلال المؤتمرات والندوات بمخاطر الهجرة غير الشرعية في دوائرهم، وبخاصة المناطق التي تكثر فيها الهجرة غير الشرعية مثل محافظة كفر الشيخ والمحافظات الساحلية وجنوب مصر.

في حين قالت الدكتور إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية: "لا يمكن الحديث عن مكافحة وعلاج الهجرة غير الشرعية بدون إيجاد بدائل حقيقية وواقعية لتحسين الظروف المعيشية، وتوفير فرص العمل للشباب الذي يرغب في تلك الهجرة القاتلة"، مطالبة الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية، وليس من خلال التصريحات الإعلامية البعيدة عن الواقع.

وأكدت "عز الدين" في تصريحات خاصة لـ "الفتح"، أن هناك تضاربًا كبيرًا بين ما يصدر عن الجهات التنفيذية من تصريحات إعلامية وما يتم تنفيذه بالفعل من تلك التصريحات؛ مما يفقد الثقة بشكل كبير في حديث الحكومة عن إصلاح الأحوال المعيشية، وتوفير فرص العمل؛ لذلك نجد استمرار الهجرة غير الشرعية رغم إعلانات الحكومة المتكررة عن وجود الوظائف الشاغرة.

وشددت على أنه لا بد أن تتفق مدخلات التعليم مع مخرجاته مع احتياجات سوق العمل، مؤكدة أنه دون تحقيق كل ما سبق فلن يكون هناك قضاء على الهجرة غير الشرعية؛ لأن الشخص الذي يرغب في الهجرة غير الشرعية يهرب من الظروف المعيشية المتردية والصعبة، فحتى إن كانت المخاطرة كبيرة، فيقول: "إن ظللت سأموت من الجوع"؛ لذلك يغامر بالفرصة القليلة؛ أملًا في النجاح كالنماذج التي يراها ممن نجحوا في السفر وتحسين أحوالهم المعيشية بالعمل في الخارج.

وأوضحت أستاذ علم الاجتماع أن التحذيرات وحدها لن تمنع الشباب من الهجرة غير الشرعية، فمخاطر الهجرة وحوادثها تشغل حيزًا كبيرًا من الإعلام (المرئي، والمسموع، والمقروء) يوميًا، ومع ذلك تستمر وتقع حوادث يومية يذهب فيها الشباب ضحايا للبحث عن لقمة العيش، لافتة إلى أنه ليس المطلوب فقط توفير فرص عمل، بل كذلك توفير دخل مناسب من تلك الفرص يمكن من خلاله مواجهة الغلاء الفاحش الذي يزيد بشكل مستمر.

وأشارت إلى أن أحد أسباب عزوف الشباب عن كلام المؤسسات وعن الوظائف التي يتم الإعلان عنها يتمثل في التضارب الموجود بين المؤسسات المختلفة، وأن كل وزارة تريد الصعود على حساب وزارة أخرى، وتضارب الاختصاصات فيما بينهم، موضحة أنه من المفترض أن تكون مصلحة البلد فوق كل اعتبار وهي الأساس، إلا أنه ليست كل المؤسسات تفعل ذلك.

بدورها، أكدت السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار في البشر، أن اللجنة تقوم بجولات في محافظات الجمهورية بهدف نشر الوعي بمخاطر الهجرة غير الشرعية بين الشباب في إطار مسئوليتها الوطنية لحمايتهم من تلك الظاهرة، وتبصيرهم بوجود قانون يجرمها وتشريع يتعامل معها ويستأصلها من جذورها، الذي يعد الأول من نوعه على المستوى العربي؛ حيث نص على إنشاء اللجنة، وتأسيس صندوق لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وحماية المهاجرين والشهود.

وأوضحت "جبر" في بيان لها، أن أحلام الشباب ورغبتهم في الهجرة إلى بلد آخر بطريقة غير شرعية لا تعدو كونها مجرد أحلام تحت الوسادة، مشيرة إلى أن اللجنة من خلال عملها على نشر التوعية تعمل على حماية أرواح المصريين من التعرض لمخاطر هذه التجربة غير محمودة العواقب؛ ونتيجة لظروف المنطقة المحيطة بمصر، فقد جَعلَنا هذا نخشى من تفاقم هذه المشكلة في المرحلة المقبلة بسبب الأوضاع في الدول المجاورة.

وأضافت رئيس "التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية"، أن للتوعية دورًا مهمًا جدًا في عملية المواجهة التي تعتمد على عدة أضلاع رئيسية هي: التشريع وإنفاذ القانون ومعاقبة المجرمين، التوعية والاعتماد على دور الإعلام والإعلاميين المتنامي في المجتمع، وكذلك دور المنظمات الأهلية، لافتة إلى أن العنصر الثالث هو التنمية ويتمثل في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وتشجيع الشباب عليها وتعريفهم بأهميتها.