"المصريين للدراسات" يرصد ارتفاع حالات الانتحار خلال 16 شهرًا الأخيرة

  • 135
أرشيفية

 

"المصريين للدراسات" يرصد ارتفاع الحالات خلال 16 شهرًا الأخيرة

مراقبون: سوء الأوضاع المعيشية عامل رئيس.. ولابد من التكاتف

 

تحقيق – أحمد نصار

 

ستظل ظاهرة الانتحار في مصر تعلن عن نفسها بقوة من حين لآخر، فلا نندهش ألا يمر يوم إلا وهناك حالة انتحار، أو على الأقل محاولات للانتحار؛ ففي تقرير صدر في منتصف العام الماضي عن مركز السموم التابع لجامعة القاهرة أكد أن بلادنا تشهد نحو2400 حالة انتحار باستخدام العقاقير السامة سنويًّا.

 

نماذج من المجتمع 

 

حاولنا بقدر المستطاع رصد أبرز حالات الانتحار التي تكشف إلى مدى وصلت خطورة هذه الظاهرة في مصر، التي تنذر بكارثة اجتماعية، وتتطلب منا جميعًا الوقوف بجدية تجاهها؛ ففي شهر أبريل الماضي شهدت مدينة نجع حمادي بمحافظة سوهاج حادثًا مروعًا، حيث أقدم عاطل بإلقاء طفليه في ترعة نجع حمادي بسوهاج لمروره بضائقة مالية، أعقبتها ضائقة نفسية، ونجليه الأكبر 7 سنوات والأصغر 5 سنوات، وفجأة سيطر الشيطان على عقله ليخبره أنه لن يستطيع الإنفاق على نجليه وعليه التخلص منهما وقد كان.

 

ومن الشواهد الواضحة لظاهرة الانتحار أنها تظهر بشكل قوي في المواسم والمناسبات التي تتطلب ميزانية خاصة، فهذا الزوج الذي اسمه "الشحات. ش" 35 عامًا، نجار مسلح، قبل قدوم رمضان بأسبوع أقدم على الانتحار شنقًا بعدما فشل في توفير احتياجات الشهر الكريم لأسرته .

 

وقبل العيد بثلاثة أيام شهدت محافظة القليوبية وتحديدًا في قرية ميت عاصم حادثًا مؤسفًا، حيث تم الإعلان عن مصرع طفلتين غرقتا في النيل، بعد أن ألقاهما والدهما لعدم استطاعته توفير ملابس العيد.

 

وهذه الخادمة شيماء سمير، 28 سنة، لم تتحمل الضائقة المالية التي انتابتها منذ أسابيع، فراحت تتخلص من حياتها عبر إلقاء نفسها من الطابق السادس، وتم نقلها إلى المستشفى بين الحياة والموت.

 

بالإضافة إلى رفعت عبد الحافظ أحمد، 60 سنة، عامل، قرر الانتحار من خلال رطم رأسه في الحائط حتى فقد الوعى وقد فارق الحياة، وبعد التحريات تبين أنه عاجز عن توفير أدنى درجات المعيشة .

 

وقال أحمد الراعي، شقيق ماجدة محمد الراعي، التي استيقظت باكرًا وحرصت على إيقاظ أطفالها وأوصلتهم حتى باب المدرسة، وعادت لتتناول عقاقير سامة، إنها جهزت هذا الأمر مساء الحادث؛ نظرًا لما تمر به من ديون؛ حيث إنها مطلقة وكانت بائعة خضار، لكنها لم تستطع مواجهة الديون فقررت التخلص من حياتها بالانتحار .

ارتفاع الأسعار.. ومعدلات الانتحار

 

قال الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، إن ظاهرة الانتحار في مصر باتت من أخطر الظواهر التي يشهدها المجتمع في الآونة الأخيرة، مؤكدًا أن ارتفاع الأسعار أحد أهم أسباب وجود الظاهرة بشكل واضح.

وأكد عامر لـ "الفتح"، أن ارتفاع الأسعار يصنع أزمات حقيقية داخل الأسر المصرية خاصة الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ومع ضغوط الحياة يهرب رب الأسرة بالانتحار، مشيرًا إلى أن ارتفاع الأسعار يتسبب في أكثر من 50% من حالات الطلاق في مصر؛ موضحًا أن مصر تشهد متوسط 4 آلاف حالة انتحار سنويًا، 80% منها بسبب ظروف المعيشة.

 وأشار إلى أن مصر خلال الفترة من شهر مارس 2016 حتى يونيه 2017 شهدت 4 آلاف حالة انتحار بسبب الحالة الاقتصادية، مطالبًا الحكومة بضرورة وضع استراتيجية لمواجهة ارتفاع الأسعار وعمل توازن ما بين رواتب المصريين وبين ارتفاع الأسعار .

 

وأضاف رئيس مركز "المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية"، أن ظاهرة الانتحار باتت مرتبطة بشكل أو بآخر بالفترات التي تشهد ارتفاعًا في الأسعار، وأن حالات  الانتحار لم تكن قاصرة على الرجال فقط فهناك أكثر من 2500 محاولة انتحار سنويًا؛ مشيرًا إلى أن 50% من هذه الحالات وقعت بالفعل هروبًا من صعوبات الحياة خاصة من العنوسة، فالشباب في ظل هذا الغلاء يعزف عن فكرة الزواج الأمر الذي يزيد نسب العنوسة في المجتمع وهو ما يدخل الفتيات في حالات اكتئاب قد تؤدي بهم إلى الانتحار.   

 

غياب الوازع الديني

 

من جانبه، يرى عيد البنا، أحد دعاة الأزهر، أن غياب الوازع الديني أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الأشخاص للانتحار، مؤكدًا أن الدين علمنا الصبر وأن مع العسر يسرًا، ومهما زاد العسر فلا بد أن يأتي اليسر؛ وذلك رحمة ربنا بنا، لكن مع غياب الوازع الديني ومع مجرد أي أزمة يمر بها الشخص يفكر في الانتحار .

 

وأكد البنا لـ "الفتح"، أن عددًا لا بأس به يذهب إلى عدد من المشايخ وخطباء المساجد يطالبونهم بمنحهم رخصة للانتحار؛ بسبب ظروفهم المادية الصعبة، مستشهدًا بأن أحد تاجر ذهب لشيخ واعظ يطلب منه الانتحار بسسب كساد بضاعته مما أدى إلى زيادة ديونه.

 

وتطرق إلى تقرير نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية، منذ عدة سنوات حول الانتحار في مصر، وأكثر ما يلفت النظر في التقرير الدهشة التي أبدتها الصحيفة من انتشار ظاهرة الانتحار في بلد الأزهر، وقالت الصحيفة "إن ظاهرة الانتحار باتت خطيرة خاصة في دولة دينها الرسمي الإسلام ويعدها الدين "كفرًا وخروجًا عن الإسلام".

 

وطالب الداعية بضرورة تكاتف الجهات المعنية في مصر لتدشين مبادرة أو حملة تتبناها وسائل الإعلام من أجل تحذير الناس من خطورة الانتحار، وعلى رجال الدين أن يخرجوا في وسائل الإعلام المختلفة ويحذروا من استمرار تزايد هذه الظاهرة الخطير التي باتت واضحة في مجتمعنا.