17 عامًا على انتفاضة الأقصى.. ومازال الكفاح الفلسطيني متواصلًا

  • 175
أرشيفية

أثبتت بسالة المقدسيين وصدق نضالهم وكشفت زيف المتاجرين بالقضية

عطلت المشروع الصهيوني لتهويد القدس والاستيلاء على المسجد الأقصى



قبل أسبوع وتحديدًا في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي، ودون ضجيج، ودون أن يشعر أحد، حلت الذكرى السابعة عشر لانتفاضة الأقصى؛ تلك الانتفاضة التي أعادت الوعي للأمة العربية والإسلامية ونبهتها إلى خطورة ما يحدث في فلسطين المحتلة من ممارسات إجرامية يقوم بها الاحتلال في حق البشر والحجر؛ وأعادت توجيه الضوء إلى معاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتحولت إلى نقطة لتأريخ الكفاح الفلسطيني ضد الإرهاب الصهيوني الفاجر، وصدرت حرجا بالغا لسلطات الاحتلال ومن يساندها في الغرب، كما أنها -انتفاضة الأقصى- أحيت آمال الشعوب العربية في تحرير فلسطين أو -على الاقل- في إبقاء جذوة المقاومة موقدة لا تنطفئ ما دام هناك شعب يحمل بين جنباته قلبا ينبض بالحرية والكرامة.


كفاح متواصل


في السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، وقبل يومين من حلول الذكرى السابعة عشر لانتفاضة الاقصى، فوجئ العدو الصهيوني بعملية مقاومة جديدة انتهت بمقتل 3 صهاينة وإصابة رابع، بينهم أفراد من حرس الحدود الصهيوني، بعد أن أطلق فلسطيني النار عليهم في مستوطنة "طهار أدار" في الضفة الغربية، قبل أن يقضي بدوره برصاص قوات الاحتلال.



ويبلغ منفذ العملية من العمر 37 عاماً، وهو متزوج وأب لأربعة أبناء، ويحمل تصريح عمل داخل الكيان الصهيوني، وهذا يعني أنه لا يعاني من البطالة والإحباط حسبما يحلو للبعض في تبرير العمليات البطولية التي يقوم بها فلسطينيون، ويؤكد أن دوافعه للقيام بهذه العملية هي غيرة وثورة على أوضاع لم يعد يتقبلها أي حر في ظل انتهاكات يومية من المستوطنين، مدعومة من سلطات الاحتلال، للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والعربية، ما يعبر عن امتداد لانتفاضة الأقصى.


 

ولكن ما الذي أدى لانتفاض المقدسيين وأهالي الضفة الغربية ضد سلطات الاحتلال في عام 2000؟ وهل مازالت أسباب الثورة الشعبية ماثلة أم أنها تغيرت بتغير الظرف الدولي الإقليمي والداخلي؟



للإجابة عن هذه الأسئلة لابد من العودة إلى المقدمات التي أدت إلى اندلاع انتفاضة الأقصى، والنتائج التي آلت إليها، على صعيد القضية الفلسطينية ككل وقضية تهويد القدس وإعلان السيادة الصهيونية على المسجد الأقصى بشكل خاص.



الشرارة


مع نهاية عام 1999 ساد شعور عام بالإحباط لدى الفلسطينيين لانتهاء الفترة المقررة لتطبيق الحل النهائي بحسب إتفاقيات أوسلو بسبب مماطلة الاحتلال وجمود المفاوضات بعد مؤتمر قمة كامب ديفيد 2، وحاول الصهاينة بدعم أمريكي فرض تسوية بعيداً عن القرارات الدولية (242,338,194)، تقضي بسيادة فلسطينية على المسجد الأقصى "فوق الارض"، مع التسليم بالسيادة اليهودية على المسجد "تحت الأرض" ما يعني شرعنة الحفريات الصهيونية تحت المسجد الأسير والعبث في أساساته، وبالتالي تسهيل أو تبرير عملية هدمه مع أول هزة أرضية خفيفة، تمهيدا لبناء ما يسمى هيكل سليمان مكانه، إلا أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رفض التسليم بهذه التسوية، وفور عودته إلى رام الله تم حصاره في مبنى المقاطعة.


 

وفي 28 سبتمبر 2000، قام الإرهابي الصهيوني الأسبق أرئيل شارون باقتحام المسجد الأقصى، وتجول في ساحاته، تحت حماية قوات الاحتلال وبموافقة من إيهود باراك، رئيس الوزراء الاسرائيلي حينئذ؛ وصرح شارون بأن الحرم القدسي سيبقى منطقة صهيونية، مما أثار استفزاز المصلين الفلسطينيين فاندلعت المواجهات بين المصليين وجنود الاحتلال في ساحات المسجد الأقصى فسقط 7 شهداء وجُرح 250 وأُصيب 13 جندي صهيوني.



وكانت هذه بداية أعمال الانتفاضة التي استمرت لأكثر من خمس سنوات قبل أن تتوقف فعلياً في فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ والذي جمع الرئيس الفلسطيني المنتخب حديثاً محمود عباس ورئيس الوزراء الصهيوني أرئيل شارون، وتميزت هذه الانتفاضة مقارنة بسابقتها بكثرة المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والجيش الصهيوني، راح ضحيتها 4412 فلسطينيا و48322 جريحا، وكان من بين نتائجها أن تكبد الصهاينة 1069 قتيلا و4500 جريحا من جيش الاحتلال والمستوطنين، الذين يمثلون رأس الحربة في أي انتهاكات صهيونية للأراضي والمقدسات العربية، هذا بالإضافة إلى إعطاب 50 دبابة من نوع ميركافا وتدمير عدد كبير من عربات الجيب العسكرية والمدرعات الإسرائيلية، وخلالها -الانتفاضة- تعرضت الضفة الغربية ومناطق بقطاع غزة لعدّة اجتياحات إسرائيلية منها ما أسماه الصهاينة بـ عملية الدرع الواقي، وأمطار الصيف، والرصاص المصبوب.


 

نتائج انتفاضة الأقصى فلسطينيًا


ومن المفارقات أن الانتفاضة الأولى التي انطلقت في التاسع من ديسمبر عام 1987 في غزة قادت إلى سلسلة اتفاقات السلام التي بدأت في أوسلو وانتهت عام 1993 بتوقيع اتفاق المبادئ، أما انتفاضة الأقصى فقادت إلى ما يقرب من دفن لعملية السلام وإظهار الرفض الشعبي الفلسطيني لها، ولعل هذا أهم نتائج هذه الانتفاضة، لتقضي تماما من الناحية الشعبية على كل مآلات اتفاق أوسلو، فلم يعد الفلسطينيون يتحدثون عن "عملية السلام" بل اقتصر الحديث عن قرار 242 الذي يطالب بانسحاب الكيان الصهيوني عن الأراضي التي احتلتها في حرب 1967. كما لوحظ ولأول مرة ارتفاع حدة الخطاب الرسمي الفلسطيني والذي برز في تصريحات الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات خصوصا في لحظات تأبين المناضلين، فكان يدعو إلى مواصلة الكفاح المسلح وتحمل التضحيات لنيل الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني.


       


كما نتج عن هذه الانتفاضة اختراع أول صاروخ فلسطيني في غزة من نوع (القسام)، وطورت الفصائل وصنعت صواريخ كثيرة (قدس 4) التابع للجهاد الإسلامي، و(صمود) التابع للجبهة الشعبيية، وقامت "كتائب شهداء الأقصى" في قطاع غزة بصناعة صاروخ (أقصى 103)، وقامت كتائب "المقاومة الشعبية" بصناعة صاروخ (ناصر)، الأمر الذي أرعب الكيان الصهيوني، وأدى إلى العدوان على غزة لإيقاف هذه الصواريخ دون جدوى.


    


نتائجها على الصهاينة


أدت انتفاضة الأقصى إلى انعدام الأمن في الشارع الصهيوني بسبب العمليات الاستشهادية، وتم ضرب السياحة في دولة الاحتلال بسبب العمليات الاستشهادية واغتيال وزير السياحة الصهيوني (زئيفي) على يد أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وإلحاق عدد من القتلى الصهاينة بسبب اجتياحات المدن الفلسطينية والاشتباكات مع رجال المقاومة وكثرة العمليات، ومقتل قائد وحدة الكوماندوز الصهيوني في معركة مخيم جنين، وتحطيم مقولة الجيش الذي لايقهر في معركة مخيم جنين الذي قتل فيها 58 جنديا صهيونيًا وجرح 142، بالاضافة إلى ضرب اقتصاد المستوطنات.




عربيًا ودوليًا


تفاعل الشارع العربي مع الانتفاضة لدرجة أن دولا مثل دول الخليج خرجت فيها مظاهرات لتأييد الانتفاضة، وهو ما أحرج الأنظمة العربية التي عقدت قمة طارئة في القاهرة وخرجت ببيان فيه دعم وإعطاء صبغة شرعية أعمق لانتفاضة الأقصى، وبالمثل تحرك الشارع الإسلامي في مظاهرات حاشدة ودفع نحو تسمية مؤتمر الدوحة الإسلامي المنعقد في نوفمبر بقمة الأقصى، وخرج بيان القمة ناقما على الكيان الصهيوني وناقدا لأول مرة الموقف الأمريكي المساند للقمع الصهيوني.


كما عادت من جديد الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية ونشط مكتب المقاطعة العربية وعقد اجتماعا في العاصمة السورية دمشق وإن لم يسفر الاجتماع عن كثير يذكر. كما عاد شعر المقاومة وامتلأت الفضائيات العربية بمواد غزيرة عن الانتفاضة.


كما خرج المجتمع الدولي عن صمته وأدان الاعتداءات الصهيونية واستخدام القوة العسكرية، وصدرت العديد من القرارات والمقترحات الدولية التي تعتبر وثائق إدانة للجانب الصهيوني.


تعطيل المشروع الصهيوني


أما أهم نتائجها على الإطلاق فهو تعطيل عملية تهويد القدس وإعلان السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وهي المحاولات التي تجددت في عام 2015، ومازالت مستمرة حتى الآن في ظل مقاومة مقدسية باسلة، كما إنها أثبتت زيف الشعارات التي يرددها بعض حركات المقاومة ودول إقليمية اعتادت التجارة بالقضية الفلسطينية دون تحرك فعلي.