فضل المحرم وعاشوراء

  • 163

تبدأ السنة الهجرية الجديدة بشهر من الأشهر الحرم التي ينبغي على المسلم أن يزيد فيها من تعظيم الحرمات واتقاء الظلم، فقد نصت الآية الكريمة على ذلك حيث قال الله تعالى:"فلا تظلموا فيهن أنفسكم "أي فى الأشهر الحرم وقد أشار الحافظ ابن كثير فى تفسيره إلى أن الشهر الحرام يعظم فيه الذنب وإنما تعظم الأمور عند أهل العقل والفهم بما يعظمه الله تبارك وتعالى. قال قتادة في قوله "فلا تظلمـوا فيهن أنفسكم": إن الظُّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها. ا.هـ.

فضل صيام المحرم

فى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم". يشير القاري فى شرح هذا الحديث إلى أن الظاهر أن المراد استحباب صيام جميع شهر المحرّم، ولكن قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهراً كاملاً قطّ غير رمضان، ولذلك من العلماء من حمل الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله. وقد أشار النووي فى شرح مسلم أنه قد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان، ولعلّه لم ينزل إليه وحي بفضل المحرّم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه.

فضل صوم عاشوراء

وقال ابن قدامة : عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم . ..لما روى عند الترمذي عن ابنُ عبّاس، قال : "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم" . فى صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : "ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان " ومعنى "يتحرى" أي : يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

صيام عاشوراء يكفر الصغائر أم الكبائر؟

قال الإمام النووي فى المجموع: يكفر كل الذنوب الصغائر، وتقديره يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر . ثم قال رحمه الله : صوم يوم عرفة كفّارة سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه… كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت له به درجات وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر. وفى صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء

روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع". قال : فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع.
ويجوز صيام يوم عاشوراء يوماً واحداً فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني مع العاشر) ولقد أشار إلى ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله فى الفتاوى الكبرى حيث قال:"صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة ولا يكره إفراده بالصوم .. " وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب : أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلّما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب.

الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء

أشار النووي رحمه الله إلى الحِكَم من استحباب صوم تاسوعاء مع عاشوراء وذكر منها:
أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر .
الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون.
الثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التّاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر. انتهى.

وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله في عاشوراء: " لئن عشتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع ".
وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع": ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يُشعر بعض روايات مسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من شهر المحرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه‏"‏‏.‏ وفي حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه‏.‏ وسئل عن فضل صيامه فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله‏"‏‏.‏ إلا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بعد ذلك بمخالفة اليهود بأن يصام العاشر ويوماً قبله وهو التاسع، أو يوماً بعده وهو الحادي عشر‏.‏

هل كان عاشوراء قبل أن يفرض رمضان واجباً أم مستحباً؟

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوي: "اختلف العلماء: هل كان صوم ذلك اليوم واجباً أو مستحباً؟ على قولين مشهورين، أصحهما أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه من يصومه استحباباً، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة بصيامه، بل كان يقول (هذا يوم عاشوراء يكفر سنة، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين). ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وبلغه أنّ اليهود يتخذونه عيداً، قال: "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع"؛ ليخالف اليهود ولا يشابههم في اتخاذه عيداً".