من تراث الدعوة

  • 170
فضيلة الدكتور محمد اسماعيل المقدم

"من تراث الدعوة" فضيلة الدكتور محمد إسماعيل المقدم:

المستقبل للإسلام (1)

طرح المستشرق الإنكليزي المعاصر " استبن " سؤالًا يقول فيه: هل يمكن أن نقع يومًا تحت وطأة الخطر الإسلامي؟، ثم أراد أن يأتي ببعض الأجوبة ، فقال : أجل، إنهم اليوم دعاة متفرقون، لا نرى عزمًا أكيدًا لدى كبارهم يحملهم على التضحية، ولا نرى عند ذوي الرأي والوجاهة فيهم أنهم يستطيعون الجلوس معًا جلسة جدية يتحدثون فيها عن مشاكلهم فضلًا عن أن يتكلموا عن حلها، ففي طوال ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن من تاريخ الإسلام يصعب أن نشير إلى حالة واحدة اجتمع فيها ممثلون من جميع أقطار العالم الإسلامي ليتشاورا في مشاكل تعنيهم جميعًا، وليقروا اتباع طريق واحد في العمل. يقول : إن المسلمين قد يستمرون مدة طويلة من الزمن في هذا التفرق والتشرذم، لكن ينبغي أن لا نبالغ في تقدير طول هذه المدة؛ لأن هناك ظاهرة كثيرًا ما يهملها الباحثون في حركات المجتمع الإسلامي مهما كان نوعها، وهي أنها تنضج بسرعة مدهشة، حتى إن وجودها - كما أشار الأستاذ لاسنيون أحد المستشرقين الفرنسيين- يندر أن يخطر على بال أحد قبل أن يندلع لهيبها ويروع العالم ، والمسألة الكبرى هي مسألة الزعامة ، فحينما يجد الإسلام صلاح الدين الجديد رجلًا يجمع بين الحنكة السياسية العظيمة وبين شعور برسالته الدينية يبلغ أعماق نفسه فإن ما عدا ذلك ينحل من تلقاء نفسه. اهـ أما الأمريكي جورج تتسون فيقول في كتاب الشرق الأوسط في مؤلفات الأمريكيين : إن المآثر التي قامت بها الشعوب التي تتكلم اللغة العربية بين القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر كانت عظيمة لدرجة تخمل أجسامنا ، وإن شعوب الشرق الأوسط سبق لها أن قادت العالم في مرحلتين طول ألفي عام على الأقل قبل أيام اليونان ، وفي العصور الوسطى لمدة أربعة قرون ، وليس ثمة ما يمنع تلك الشعوب من أن تقود العالم مرة ثالثة في المستقبل القريب أو البعيد. اهـ ويقول أستاذ فرنسي لطلابه إبان الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية -والذي حكى هذه القصة طالب عربي كان يتلقى العلم عليه في ذلك الوقت- ، قال لمن يريد أن يربيهم للمستقبل من أبناء بلاده منبهًا إياهم ومعزيًا أولاد بلاده الفرنسيين عن الاحتلال الألماني : إن الخطر الذي داهمهم من الألمان ليس هو الذي يخافه عليهم وعلى مستقبلهم ، وإنما الخطر الجدير بالخوف هو ما يمكن أن تأتي به هذه الشعوب التي تربض خلف البحر الأبيض المتوسط ؛ لأن خطرها هو الذي يهز الكيان ويزلزل الأركان. ا هـ قال هذا والعرب والمسلمون في أشد حالات الضعف.

ويقول لورن استرون : لقد كنا نخوف بشعوب مختلفة ، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبررًا لمثل هذا الخوف ، لقد كنا نخوف من قبل بالخطر اليهودي والخطر الأطلس باليابان وتزاعمها على الصين ، وبالخطر البلشفي ، إلا أن هذا التخوف كله ما وجدناه كما تخيلناه؛ لأننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد ، ثم رأينا أن البلاشفة حلفاء لنا أثناء الحرب العالمية الثانية ، أما الشعوب الصفراء فإن هناك دولًا ديمقراطية كبرى تتكفل بمقاومتها ، ولكن الخطر الحقيقي كامن في المسلمين ، وفي قدرتهم على التوسع والإخضاع ، وفي الحيوية المدهشة العنيفة التي يمتلكونها ، ألا إنهم السد الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي. اهـ وهذا سلا زار يصرح في حديث له فيقول : الخطر الحقيقي هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون من تغيير نظام العالم. فقيل له : إنهم في شغل عن أن يفكروا في هذا لخلافاتهم ونزاعاتهم ، فقال : إني أخشى أن يخرج من بينهم من يوجه خلافهم إلينا. ا هـ وللحديث بقية