لن نكسر الوعاء!

  • 231
بقلم- صفية محمود

لن نكسر الوعاء!

 بقلم:- صفية محمود


لأن الشيء بالشيء يذكر، فقد درسنا في الاقتصاد قانون "جريشام" (أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول) وانظر لحالك عندما يكون معك جنيه متهالك وآخر جديد برونقه، يسر الناظر واللامس؛ فقل لي بربك أيهما تستعمله أولًا؟ ولكن أتدري دافعك في هذه المسألة؟ إنه الضن بالجديد واكتنازه اعترافًا بقيمته والتعامل بالأقل قيمة. 

وإن كان قانون "توماس جريشام" هذا صادقًا لحدٍ كبير فإن لغةً رديئة  تتصدر اليوم الساحة، وقد أزاحت أخرى جيدة!

إنها العامية الرديئة تطرد الفصحى من التداول، وتَرك الحديث بالفصحى -للأسف- ليس ضنًا بها واكتنازها إكرامًا لها، وإنما من باب استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

إن انتشار اللغة العامية -بل والسوقية- وتصدرها على الساحة يعتبر تنازلًا كبيرًا جدًا منا كورثةٍ لكتاب إلهي مبهر لكل العصور رسمًا وحرفًا ومعنىِ، وهذا الفعل منا أشبه ما يكون بنهج قوم نبي الله موسى -عليه السلام- حين ملُّوا المنَّ والسلوى الذي هو إكرام لهم من المولى، واشتهوا العدس والبصل ورديئ القثاء والثوم، والعجب أن يُشتهى الرديئ! ولكنه الشيطان الماهر وتزيينه الفاجر ليسوغ للعاقل مخالفة الحقيقة بعد النصوع والرضا بالدون رغم السفول.

هجرنا لغتنا والخوف أن تنشأ أجيال تحتاج مترجمًا لمعاني الفصحى بعد طغيان العامية التي صار لها أدب وشعر ومحافل، ياللعجب.. أيترك عذب النهر ونظمأ لماء البِرَك؟  

ومما يزيد الطين بلة أن يتعدى الزهد للحروف فتكون عامية بحروف أجنبية أو أمشاجًا خليطًا! كمن يشري حشفًا بسوء كيل، فصار عندنا "فرانكو" في الخط، ومن لا يجيده موصوم بالجهل والتخلف الحضاري.. ياللعار!! 

وسرى الأمر بشدة بين الشباب! وضموا ذلك لعجمة اللسان، ويا ويحه عندهم من يقول شكرًا، فقد آتى نكرًا، فلم يقل "ثانكيو" أو "ميرسيه".  ولغتنا تقال فيها المراثي.

ورحم الله عمر بن الخطاب، فقد قال: "تعلموا العربية، فإن العربية من الدين"، ومما يؤثر أن "اللغة وعاء الدين"، فيا ترى لو كُسر الوعاء فما حال ما فيه؟

والعجب أن ترى كسره على أيدينا  ليهنأ أعادينا.. فهلا عودة ونزوع عن تلك الهزائم النفسية، ولنحفظ هذا الوعاء!