إن وعد الله حق

  • 205

سؤال اليوم ما هو الوعد الحق؟

وردت الآية فى عشر مواضع فى القرآن الكريم، جميعها فى السور المكية التى دأبت على عرض حقائق الإيمان والعقيدة، تجدها مقرونة تارة بالأمر بالصبر، وتارة بالتذكير بالآخرة، وأخرى بتقرير أن خلق الله وملكه وسع السموات والأرض، وتحمل العديد منها التحذير من استجابة لضغوط شياطين الإنس والجن من المرجفين، وترشد إلى الاستعانة بالتسبيح والمداومة عليه بالعشى والإبكار.

بالفعل قد تتزلزل بعض النفوس أمام ما تواجه من خطوب ومحن، وقد يؤثر الإرجاف والاتهامات الباطلة على الثبات والقدرة على إدراك حقيقة سير الحياة، وقد يداخل النفس أن تستجيب ولو مؤقتا لأهل الباطل من باب الإنحناء للعاصفة، وربما وقع فى النفوس أن خلقا ما يملك نفعا أو ضرا، أو يملك موتا أو حياة أو نشورا، ربما كان بيده أن يقدم أو يؤخر، ولعله يقبض أو يبسط، تختلج فى دواخلنا هذه الوساوس، فيضعف البعض أمامها، ويثبت البعض الآخر، فالذى يضعف يهوى به ضعفه إلى بيع الآخرة بالدنيا، ويكذب فعليا بالوعد الحق، وعد الرجوع إلى الله فى يوم القيامة، بعد زوال الدنيا بكل كذبها وإبهارها وتدليسها وضبابها، لتعرض الحقائق لا تخفى منها خافية، وليدرك خيبة الصفقة، وبوار المآل.

أما من صدق بالوعد الحق، فلا يستخفنه الذين لا يوقنون، ولا يغره الغَرور وأتباعه الذين لا يعلمون، تذرع بالصبر والثبات واليقين بموعود الله، واستعان بالصبر والصلاة، وتسلح بالذكر والتسبيح والتفكر فى معانى الوعد الحق، فآتاه الله بصيرة تنفذ عبر ضباب الدنيا، وتخترق حجب الظواهر الكاذبة والمشتبهات، أحسن تقدير الـقُوَى، وأنزل كل خلق منازلهم، أنزلهم منازلهم التى يستحقون، منازلهم الحقيقية فى العجز والفقر والعوز والاحتياج، منازل المربوبين المدبَّـرين، منازل الضعف والفاقة، فالأمر ليس لهم، وما يقع من وقائع ليست بتدبيرهم. قال تعالى: ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ )( آل عمران : 154 )، نعم، أمر الدنيا كله لله، ما يلقاه أهل الإيمان من غربة وإخراج، وسجن ومطاردة وتضييق فى الأرزاق، بل ما يلقوه من قتل وتنكيل وتعذيب، كل ما يواجهون من كذب وافتراء وتدليس، وطعن فى الأعراض، وتشويه للـسِّير والسلوكيات، كل ما يلقاه الشرفاء القائمون بحق الله ودعوته، الداعون لإقامة شرعه ومنهاجه، تسلط السفلة وتجبر الفجرة، حكم الطواغيت، تيتم الأطفال وترمل النساء، ودموع الأمهات والآباء، ضربات العصى والسياط والهروات، سحب الغاز وطلقات الرصاص، نعم، نعم، كلها من أمر الله، فلا تحزن ولاتبتئس بما كانوا يفعلون.

إنها معالم الطريق، معالم طريق الوعد الحق، ما وضعها الله خذلانا للمؤمنين ولا كرها لهم، بل وضعها لاختبار تصديقهم بوعده الحق، قال تعالى: ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ( آل عمران : 140)، ووضعها كذلك مكرا بالمكذبين بالوعد الحق، واستدراجا لهم، وإمعانا فى فى استحقاقهم لعذابه، يوم الوعد الحق، قال تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) ( النور : 24-25 )