بين الثورة والانقلاب!

  • 161

الناظر إلى أدلة الشرع الحنيف يجد أن الله َ - سبحانه وتعالى - لم يأمرنا بتأييد كلّ ما يُسمَّى ( ثورة ) ، كذلك لم يأمرنا بمصادمة كلّ ما يُسمى ( انقلاب ) ، بل أمرنا الله تعالى بالنظر - بعين الحكمة والبصيرة - إلى عواقب الأمور واعتبار المآلات ونتائج الأفعال والتصرفات ..

ولذلك نجدُ أنَّ أهل العلم - من السلف والخلف - عندما تكلموا على ضوابط الخروج على الحكام ، ذكروا أن من شروط الجواز ( القدرة على خلع الحاكم ) و ( ألا يتسبب الخروج عليه في حدوث مفسدة أكبر من مفسدة بقاءه ) ..

فمثلا : لو كانت هناك ثورة ما في مكان ما لسبب ما ، ولكنها ستتسبب في أن يلي أمر البلاد حاكمٌ " أشد طغيانا أو أشد كفرًا " من الحاكم الأول ، وتكون المفاسد التي كانت فيها البلاد أهون من المفاسد والشرور التي يفعلها الحاكم الجديد ؛ فتأييد تلك الثورة - عندئذ - والمشاركة فيها = جريمة كبرى تُعاقب بسببها أجيال تلوَ أجيال ..

ولو كان الصدام مع انقلاب ما، في بلد ما ، سيؤدي إلى مزيد دماء وظلم ويؤدي إلى مزيد بطش وانتهاك للأعراض والحرمات ومفاسد أكبر من مفاسد الانقلاب نفسه ؛ فعندئذ تكون مصادمة الانقلاب " جريمة كبرى " - أيضا - في حق البلاد والعباد ويكون الواجب - حينئذ- هو الصبر على الظلم حتى لا تُستأصل الطائفة المؤمنة التي تحمل همّ العمل للإسلام ، وحتى يتم بناء الشخصية المسلمة وإيجاد القاعدة المؤمنة التي تحمل همّ الدعوة إلى الله ونشر الدين بين الناس .

قد يقول بعض الإخوة : وماذا نفعل بالآيات التي حثت على الجهاد ورغبت فيه ، كقوله تعالى : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) وقوله تعالى : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) ..... وغيرها من الآيات الشريفة ؟

نقول لك : أخي الحبيب ( لا تخلط بين أحكام جهاد الكفار والمشركين ) ، وأحكام الخروج على الحاكم - مسلما كان أو كافرًا - ، فهذا باب وذلك بابٌ آخر ، وكلٌّ له أحكامه وضوابطه ، حتى الجهاد ذاته لم يشرعه الله للنبي صلى الله عليه وسلم منذ بدء الدعوة والرسالة بل مرّ الجهاد بمراحل متعددة فيما يعرف عند أهل العلم بمراحل تشريع الجهاد .

فقد أ ُمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في باديء الأمر بالعفو والصفح وكفّ اليد عن المُشركين قال تعالى : " أَلَمْ تر إِلَى الَّذِينَ قيلَ لَهمْ كُفُّوا أيْدِيكُمْ وأقيمُوا الصَّلاة ..."

ثم أذن الله لهم في القتال دون أن يفرضه عليهم كما قال تعالى في سورة الحج : " أذن للذين يُقاتَلُون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير "

ثم فرض الله تعالى عليهم قتال من قاتلهم - فقط - فقال تعالى : " فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السَّلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً "

ثم انتهت مراحل تشريع الجهاد بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بقتال المشركين كافة ونزلت آية المسايفة وآيات سورة التوبة وقول الله تعالى : " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " ،

وأحكام الجهاد تختلف باختلاف حال المسلمين - قوة وضعفا - على مر الأزمان والعصور ومن بلد إلى بلد ، وعلى أيٍّ : ثمة فروق كبيرة بينها وبين أحكام الخروج على الحكام والخلط بينهما غالبا ما يؤدي إلى الاستطالة في سفك دماء المُسلمين بغير حق ..

والله من وراء القصد ،
نعم المولى ونعم النصير ,,