رياض الجنة

  • 116

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد :
في هذه الأيام نرى الحرب الشرسة على الإسلام، وعلى ثوابته، وعلى عقيدته ، فرأينا من ينكر عذاب القبر ونعيمه ، ومن يطعن في السنة ، ومن يطعن في البخاري ، ومن يطعن في الصحابة .
هجمة شرسة على الإسلام وثوابته .
وسوف أتناول في هذا المقال ، الرد على منكري عذاب القبر ونعيمه ، تحت عنوان ( رياض الجنة ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعلم أخي أن الله حرم الظلم على نفسه :
عن أَبِى ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ :« إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا » رواه مسلم .
فالله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما فمن أسمائه الحسنى العدل، وقال تعالى في الكتاب المبين : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9] ، فالقبر أول منازل الآخرة، إمّا حفرة من حفر النيران، وإمّا روضة من رياض الجنة ، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ ) رواه الترمذي .
والقبر صندوق العمل وقال سبحانه وتعالى وما ربك بظلم للعبيد .
فهل من المعقول أن إنساناً عاش طائعاً لله مصلياً مخبتاً حاجاً معتمراً متصدقًا قائمًا صائمًا محسننًا ، يستوي في قبره مع إنسان عاش في الحياة الدنيا عاصيًا تاركٍا للصلاة لا يعرف للمسجد بابًا ولا للمسلمين قبلةً، مدمنًا للمخدرات مقترفًا للمعاصي والمنكرات ، فلا يتنعم الأول ولا يعذب الثاني ، هذا من الظلم والله حرم الظلم على نفسه، فهل يستويان ، ساء ما تحكمون .
فلابد أن تعلم أن الله عز وجل قال : { أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36] ، وفى القبر لا يستوي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ولا المسيئين ، وهذا مخالف لقوله جلا في علاه : {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ } .
والقبر أول منازل الآخرة، والله تبار وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا فيجازى العاملين بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يكون القبر روضة من رياض الجنة، وأما الذين فرطوا وضيعوا فالقبر يكون حفرة من حفر النيران لذلك .
يا من اشتغلت بالذات، وأفنيت عمرك بالشهوات، وعصيت ربَّ الأرض والسموات ، سيكون مصيرك في بيت الوحشة والحسرات، بيت وصفه سيد الأولين والآخرين بأنه أفظع المناظر قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه ) حسنه الألباني .
فهو بيت الوحشة ومنزل الضيق والغمة، فيه كرب وحسرات وأهوال مقطعات من ظلمات، وسؤال منكر ونكير، والخلود فيه إلى يوم النشور، فالقبر إما حفرة من حفر النيران، وإما روضة من رياض الجنة .

الأدلة من الكتاب والسنة على عذاب القبر ونعيمه

الأدلة من القرآن
قال تعالى : { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [إبراهيم: 27] وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم :) بأنها نزلت في عذاب القبر) ؛ فعن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- ( إذا أقعد المؤمن في قبره أتى ثم شهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت. نزلت في عذاب القبر) رواه البخاري ومسلم .

وقال تعالى : {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169، 170] .
وهذا النعيم للشهيد في الحياة البرزخية ، أي في القبر .
وقال تعالى : {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا } [نوح: 25] ، يقص القرآن لنا عن قوم نوح فيقول أغرقوا ، والفاء للتعقيب، أي بعد موتهم مباشرة ، في الحياة البرزخية في القبر .
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أن هناك فتنة وعذاباً في القبر وحياة في البرزخ ، كما أن فيه نعيماً وراحة بحسب حال الميت ومن الأدلة على ذلك :-قوله تعالى عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] .
فبيَّن الله تعالى أن آل فرعون يُعرضون على العذاب صباحا ومساء مع أنهم ماتوا ، ومن هذه الآية أثبت العلماء عذاب القبر .
قال ابن كثير : وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى :-{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } تفسير ابن كثير " ( 4 / 82 ) .

الدليل من السنة
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ ) رواه الترمذي .
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ) رواه البخاري ومسلم .
والشاهد من الحديث :- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من عذاب القبر وهو من أدلة إثبات عذاب القبر .
ولم يخالف في إثبات عذاب القبر إلا المعتزلة وطوائف أخرى لا يعبأ بخلافهم .
عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال : ( نعم عذاب القبر ) قالت عائشة رضي الله عنها فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر، زاد غندر عذاب القبر حق . رواه البخاري .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة؛ ,ووجه الاستدلال على إثبات عذاب القبر ونعيمه ظاهرقال شيخ الإسلام - رحمه الله : " وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه ، لمن كان لذلك أهلاً ، وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم عن كيفيته ، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته ، لكونه لا عهد له به في هذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول …"
وقال رحمه الله أيضا:- " بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح مفردة عن البدن.
وقال:- وإثبات الثواب والعقاب في البرزخ ما بين الموت إلى يوم القيامة:-
هذا قول السلف قاطبة وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع.مجموع الفتاوى( 4/282) .

* قال العلامة عبد الرحمن بن جبرين-رحمه الله- : في صدد الحديث عن نواقض الشهادتين إنكار شيء من الأمور الغيبية التي أمر الله بالإيمان بها وأخبر بثبوتها وأحقيتها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : كالملائكة والكتب والرسائل والبعث بعد الموت وحشر الأجساد والجنة والنار، وكذا عذاب القبر ونعيمه ونحو ذلك، فإن من جحد منها شيئا ، فقد كذب الله وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أكبر الطعن في الرسالة وما اشتملت عليه، فهو يخالف ما تستلزمه الشهادتان.
ما جاء في السؤال من أن الميت لا يسمع شيئا من كلام الأحياء : هو حق وصدق .
قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [فاطر: 22] ، وقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] .

* ملحوظة :
وأما حديث مخاطبة النبي لأجساد المشركين يوم بدر فيحمل على حال مخصوصة وهي أن الله أحياهم لنبيهصلى الله عليه وسلم ليخزيهم وليريهم الذلة والصغار :
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال :-" هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ ثم قال :- إنهم الآن يسمعون ما أقول . رواه البخاري .

*عن أبي طلحة قال :- قال عمر :- يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " . رواه البخاري ومسلم
قال قتادة :- أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما . فتح الباري ( 7 / 304 ) .
والشاهد أن أهل القليب اسمعهم الله كلام نبيه صلى الله عليه وسلم لإذلالهم وتصغيرهم ، ولا يصح الاستدلال بالحديث على أن الميت يسمع كل شيء لأنه خاص بأهل القليب ، إلا أن بعض العلماء استثنى من ذلك سماع الميت للسلام ، وهو قول يفتقر إلى الدليل
الصحيح الواضح .

* وهناك قصص من الواقع :
إمرأة رفضت نزول القبر في يوم من الأيام .
* حملت إمرأة في سيارة كاشفة ولم يستطع حملها أكثر من 20 رجل ولما حملوها وقعت منهم على الأرض فذهب إليها ابنها وأراد أن يكشف عن وجهها ، فلما رآها بكى بكاء شديدا فأراد احد المشايخ أن يلحق به ليسأله عن البكاء فلم يستطع فبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر التزم هذا الشاب فالتقى به الشيخ فلم يعرفه الشاب وعرفه الشيخ جيدا وذكره بهذا الموقف وذكر له ما فعل وسأله عن سبب بكاءه قال كانت أمي لا تصلى .
الرجل الذي ذهبوا به إلى المقابر كلما حفروا له حفرة وجدوا فيها ثعبان فذهبوا إلى حفرة أخرى فوجدوا فيها ثعبان فذهبوا إلى بعض العلماء فقصوا عليه الأمر فقال لهم اذهبوا به إلى مكان آخر فوجدوا نفس الثعبان ويقال إن الثعبان التف عليه وحبسه وانزله القبر وسمع الناس صوت يشبه تكسير العظام نسأل الله العفو والعافية
* لمثل هذا فأعدوا
استعداد المسلم لنزول القبر ولا يكون الاستعداد صحيح إلا من خلال إتباع هدى النبي صلى الله عليه وسلم وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم بهذا المعنى في كل صلاة قبل التسليمتين يستعيذ بالله من عذاب القبر
لمثل هذا فأعدوا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصح الأمة للاستعداد لدخول القبر فقال صلى الله عليه وسلم :"أَكْثِرُوا مِنْ ذكر هادم اللَّذَّاتِ" رواه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
لمثل هذا فأعدوا
فكان من هدى النبي صلى الله عليه وسلم فى الأدعية المأثورة عنه يوميا في أذكار الصباح والمساء يقول :
«أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول فِي دبر الصَّلَاة : أعوذ بك من [ الْكفْر ] والفقر وَعَذَاب الْقَبْر» رواه أبو داود والترمذي والنسائي .
وفى النهاية مهما طال الليل لابد من ظهور الفجر ومهما طال العمر لابد من دخول القبر والقبر صندوق العمل إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران .
اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حفر النيران .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .