فكر قبل أن تفعل

  • 148

تحدث له مشكلة فتراه منفعلا يتخذ قرارات مصيرية في حمأة غضبه ثم يهدأ بعد كارثة, فيندم .. تأتيه فرصة عمل ذات عائد وفير فيوافق فرحا دون معرفة حكم هذا المال الذي سيكتسبه ثم يعرف أن فيه مخالفة شرعية, فيأثم .. يتقدم لها شاب فيبهرها مركزه الاجتماعي وشقته الواسعة فلا تنظر إلى أخلاق ولا تدين ثم يغلق عليهما باب واحد متزوجَين فتكتشف ما كانت تناسته, فتصرخ .. يُعجب بإمكاناته وقدراته فيدخل في مواجهة غير محسوبة العواقب فيصاب ويؤذى ثم يعيد حساباته فيتألم .

لكل واحد من هؤلاء ولأمثالهم ممن تحركهم مشاعرهم وانفعالاتهم غضبا أو فرحا أو طمعا أو عُجْبا أقول: فكر قبل أن تفعل!

إن الكلمة التي تخرجها وأنت غضبان لن تستطيع أن تعيدها لفمك مرة أخرى, ولن تحل الأزمة بل قد تزيدها, لذا تريث قبل أن تتكلم. وها هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لك: "لا تغضب".

إن الإثم الذي يقع عليك بسبب ممارستك لعمل ما - به مخالفة لأمر ربك - ليدرَّ عليك ما تفرح به من مال وهو حرام سيعود عليك بالوبال؛ لذا اسأل قبل أن تعمل. ودونك عتاب النبي صلى الله عليه وسلم :"هلّا سألوا إذ لم يعلموا, فإنما شفاء العيِّ [الجهل] السؤال".

إن الحياة التي ستعيشينها مع زوجك ليست يوما أو يومين والمستوى الاجتماعي والمناصب مهم لكن هناك ما هو أهم: دينه وخلقه؛ فانتبهي قبل أن تقرري. وليكن حاديكِ قول ربك جل جلاله "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.."

إن الشجاعة والإقدام أمر جميل لكنه بدون تفكير أو تقدير للأمور يصير تهورا, وقد يكون الإحجام والامتناع هو عين الشجاعة. اسمع لقول حبيبك صلى الله عليه وسلم :"ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"

وما أجمل ما قال المتنبي رحمه الله مبينا أهمية الرأي والتفكير قبل الفعل والتنفيذ, وأنه لولا هذا لصارت أقل الحيوانات أقرب في المنزلة والشرف من الإنسان, يقول:

الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة *** بلغت من العلياء كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه *** بالرأي, قبل تطاعن الأقران

لولا العقول لكان أدنى ضيغم *** أدنى إلى شرف من الإنسان


حُكِي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لقي يوما أحد كبار دهاة العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقال له يا عمرو، ما بلغ دهاؤك؟ قال: والله ما دخلت مدخلا إلا أحسنت الخروج منه، فقال له معاوية: لستَ بداهية، أما أنا والله لا أدخل مدخلا أحتاج أن أخرج منه.
وما كان له ذلك إلا أنه يـفكر قبل أن يفعل..


فإن أنت لم تفكر قبل أن تفعل فسيكون حالك كمن قيل له: "يداك أوكتا وفوك نفخ" أتعرفه؟!


حكوا أن شابين ذهبا في رحلة بحرية وأخذ كل واحد منهما قِربَة ليسبح بها, فنفخها وربط فمها كي لا يخرج الهواء منها, فلما كانا في وسط الماء إذا برباط فم قربة أحدهم ينفلت, والهواء يفرغ منها شيئا فشيئا, فأخذ يستغيث بصاحبه, فقال له صاحبه: "يداك أوكتا [ربطت] وفوك نفخ".


فصار مثلا يضرب لمن يدخل الأمر دون أن يحكم رأيه ويأخذ أهبته ويحسب عواقبه, وقديما قالوا: "ما ضرك أحد إلا بمساعدتك".
إخوتاه! وفقكم الله لما فيه رضاه, ورزقكم حسن التفكير قبل الإمضاء, وإلى اللقاء