قراءة في تجارب العنف المصرية بعد الثورة وتوابعها

  • 130
أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، وعلي آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
من المقرر لدى علماء السياسة أن الدولة هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في احتكار العنف واستعمال القوة، وهذا الحق قد تصالح أفراد المجتمع على أن يتنازلوا عنه لصالح هذه الجهة المسماة "الدولة"، ولكن شريطة أن تحقق الدولة مصالح هذه الجماعة وتستخدم هذه القوة استخداما صحيحا؛ وإلا تحولت الدولة إلى صورة الدولة المستبدة أو ما يسمونها "الدولة البوليسية"، وهى تلك الصورة التي تسرف فيها الدولة في استخدام هذا الحق، أو أن تستعمل القوة والقهر بما يخالف العرف والقانون والدستور.

وعليه فيحرم على المواطنين امتلاك السلاح أو استخدامه، والأخطر منه أن تمتلكه جماعة أو حزب أو طائفة وإلا صار هناك ما يسمى بـ"الحرب الأهلية" التي تهدد وجود الدولة، وغالبا ما تنتهي بتقسيمها وتفتيتها.

هذه المقدمة البديهية مهمة وعاجلة لكل من انتوى استخدام العنف، أو تجهز وتهيأ لذلك؛ لأن العنف سلوك عدواني يعطى للدولة الحق في أن تمنعه أو تُوقفه بشتى الوسائل والطرق تحت عنوان "حماية الفرد والمجتمع والدولة".

ورغم أن هذه ثوابت لا تقبل الجدل إلا أن الحالة الثورية في مصر ساهمت في خلخلة عدد من الثوابت التي يقرها الجميع تحت دعوى "الزخم الثوري"؛ فأدت هذه الحالة الضبابية إلى حدوث عدد كبير من الشذوذات عن القاعدة الأصلية، وساهمت في إحداث خروقات كثيرة لعدد من المسلمات المنطقية. وقد استوعب النظام الحاكم هذه الفوضى بدرجة من الدرجات وفى وقت من الأوقات تمريرا للحالة الثورية وإيثارا لعدم الاصطدام بها وبشبابها.

وما أعتقده - ويعتقده أيضا كثير من العقلاء- أن هذه الفترة قد انتهت وكان لابد لها أن تنتهي؛ لأن استمرار وجودها يعنى استمرار لمسلسل الفوضى ورخاوة الدولة وهشاشة نظامها.

ويبدو أن المشكلة الآن تتمثل في وجود عدد من الشباب المغيب الذي يصر على أن يعيش حالة قد انتهى وقتها، والأخطر من ذلك أنه قد فقد وسائلها وآلياتها، هذا الشباب غالبا ما تحركه قيادة تقبع في مكان ما هي وحدها من تحدد متى تكون المواجهة وكيف تكون، وتحدد كم من الدماء لابد أن تسيل حتى تحقق هي ما تريد، وتحدد كم من المعتقلين لابد أن يُسجنوا حتى يستطيعوا تدويل القضية، وتحدد كم من الصور المؤلمة التي لابد من التقاطها لجذب عدد أكبر من المتعاطفين!! هذه هي الحقيقة التي شهد بها الواقع وقررها قيادات الإخوان في "رابعة" عندما كتبوا على ظهور الشباب "مشروع شهيد"، وعندما خاطبوا العالم أن لديهم 100 ألف شهيد جاهزون للمواجهة؛ وبالتالي فهذه القيادات – في تقديري – يعرفون جيدا ما يفعلونه ويدركون جيدا نتائجها وتوابعها، وقد نُصحوا كثيرا ولكن لا حياة لمن تنادى؛ لذا فليس أمامنا الآن سوى تحصين الشباب الإسلامي عموما - السلفي منهم وغير السلفي - لأننا لا نحب أن نستيقظ يوما من الأيام على مذبحة جديدة ومأساة إضافية تخصم من رصيد التيار الإسلامي وتلوث تاريخه، وتحرمه من أعز ما يملك – وهم الشباب – حيث تفنى طاقته الإبداعية وتبدد قوته الكامنة وتراق دماؤه هدرا بلا ثمن، نسأل الله أن يحفظ شباب المسلمين من كل سوء!

وفيما يلي عرض سريع لبعض نماذج العنف التي تمت ممارستها في مصر بعد الثورة سواء كانت من التيار الإسلامي أو من غيره؛ والغرض المقصود من ذكر هذه النماذج هو النظر في النتيجة والمآل، وهل حققت هذه التجارب أيا من أهدافها، أم انتهى أمرها إلى الضياع والدمار؟!

1- الاشتراكيون الثوريون:

تزعم الماركسية أن مراحل بناء الدولة الشيوعية وفق منظورها المنحرف لا بد أن يمر خلال خمس مراحل ابتداء من المرحلة البدائية وهى "الشيوعية الأولى"، ثم مرحلة المجتمعات الزراعية، ثم مرحلة الإقطاع، فمرحلة الرأسمالية وهى مرحلة الصراع بين طبقة العمال (البروليتاريا) وبين الطبقة المالكة لرؤوس الأموال (البرجوازية)، وانتهاء بالمرحلة الخامسة وهى "مرحلة الشيوعية العليا" التي تحكم فيها طبقة البروليتاريا بعدما تنجح في إسقاط الدولة، وتمارس ديكتاتورية تحطم المجتمع الرأسمالي لتبدأ على أنقاضها الدولة الاشتراكية.

هذا الدجل ما كان أحد يتصور أن يتبناه أو ينادى به أحد، إلا أننا بعد الثورة وجدنا مجموعة من الشباب تسمى نفسها "الاشتراكيون الثوريون" أو "الأناركيون"، وهى تعنى "اللا حكومة"، وخلاصة فكرتهم (أنهم جماعة من الفوضويين ليس لهم مبادئ تجمعهم ولا فلسفة تحكمهم، فضلا عن أن يكون لهم دين يضبطهم ويقوم سلوكهم)، هذه الفوضى وهذا الدمار يراه الاشتراكيون الثوريون أحد أهم خطوات البناء، وعليه فهم يحاربون أي صورة من صور النظام؛ فهم يخرجون على القانون ويحاربون الجيش والشرطة ويسعون لإسقاط الحكومة، ومنتهى غايتهم من ذلك أن يصلوا بالمجتمع إلى حالة (الفوضوية التامة) التي لا يكون فيها لا سلطة ولا حكومة ولا نظام سياسي، ويُترك الناس على حريتهم ووفق طبيعتهم.

وبالتالي فهم يتخذون من العنف والتخريب والدمار مسلكا طبيعيا لهم، وغالبا ما يقومون باستغلال فترات التوتر والقلق التي تمر بالمجتمعات ليتخذوها فرصة لتنفيذ مخططاتهم التخريبية؛ لكي يتحينوا أية مناسبة ليسقطوا فيها الدولة.

وقد بث الاشتراكيون الثوريون في أعقاب الثورة فيديو على شبكة الإنترنت يظهر فيه أحد قيادات الحركة ويدعى "سامح نجيب" وهو يشرح خطة إسقاط مصر ومؤسساتها التي على رأسها إسقاط الجيش، ثم تكلم بشيء أكثر من الصراحة وقال: "لابد من إحداث انقسام داخل الجيش حتى نتمكن من إسقاطه"، وتورطت الحركة بعدها في عدد من أعمال العنف والتخريب، إلا أن الصراحة الزائدة التي تحدثوا بها عن أنفسهم كانت كفيلة برفضهم شعبيا، ثم محاصرتهم قضائيا عن طريق القضايا والبلاغات الموجهة ضدهم؛ فلم يدم أمرهم طويلا بحمد الله واختفوا من على الساحة تماما.

2- البلاك بلوك:

وتعنى "الكتلة السوداء" ويعد هذا المظهر أحد تكتيكات المظاهرات العنيفة التي يبدو فيها المشاركون في المظاهرة ككتلة سوداء واحدة؛ نظرا لارتدائهم الملابس السوداء مع الأوشحة والأقنعة السوداء، وذلك بهدف إخفاء هوياتهم وعدم التعرف على شخصياتهم، وهو بالمناسبة أسلوب قديم استخدم في أوروبا على يد حركات الاستقلال الأوروبية.

وفى مصر، ظهرت هذه المجموعة في الذكرى الثانية للثورة على أنهم معارضون للحكم الإسلامي، وركزوا نشاطهم في مواجهة الإخوان؛ حيث قاموا بمهاجمة مقرات حزب الحرية والعدالة وعدد من المباني الحكومية، وقاموا بعدد من الأعمال التخريبية وتعطيل حركة المرور وإيقاف خطوط المترو، وقد أعلنت النيابة العامة تحقيقات موسعة بشأن القبض على متهمين بالانتماء لتنظيم "البلاك بلوك"، وذكرت أنها ضبطت بحوزتهم مخططا يستهدف شركات البترول وبعض المواقع الحيوية، وانتهت التحقيقات باعتبار التنظيم "جماعة إرهابية" وأمرت بضبط وإحضار من يثبت انضمامه إليهم، ومن ذلك التاريخ لم يظهر لها أي وجود على الساحة بحمد الله.

3- حازمون:

الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل من الظواهر العجيبة التي شغلت حيزا كبيرا بعد الثورة؛ حيث كان قبل الثورة أحد الدعاة الذين يطلون على الناس من خلال شاشات الفضائيات الإسلامية، وكانت له طريقة مميزة في عرض السيرة النبوية وغيرها من الموضوعات الدعوية، ثم انتقل بعد الثورة إلى صورة المناضل السياسي الثائر وظهر بميدان التحرير وتكلم على المنصات الثورية في الميادين، وظل بهذه الصورة فترة من الزمن، فهو ثائر مستقل ورجل قانون وداعية إسلامي، وليس له أنصار أو متابعون، وظهر في الفضائيات المختلفة وتكلم كلاما حسنا عن الشريعة وعن ردود للشبهات المثارة حولها، ثم فجأة قرر الترشح للرئاسة في وقت لم يكن يتكلم فيه أحد عن ذلك، وصارت إعلانات ترشحه تملأ كل زقاق وحارة في مصر!!.

من ذلك التوقيت ظهرت حملة "لازم حازم" بالإضافة إلى "حازمون"، ومعظمهم من أبناء التيار الإسلامي العام، مع وجود مجموعة أخرى من الشباب الذين أعجبوا بشخصية الأستاذ حازم في لقاءاته الفضائية وحواراته الإعلامية؛ حيث كان يبدو هادئا وقويا في نفس الوقت، وقد فرض الأستاذ حازم نفسه كخيار وحيد على الساحة باعتباره ممثلا عن الثورة، ثم باعتباره خبيرا فريدا في السياسة - رغم أنه لم يسبق له أي نوع من الممارسة السياسية - ثم أخيرا وهى الأخطر أنه سوف يخلص مصر من حكم العسكر الذي دام 60 سنة كاملة، وأنه وفق رؤيته سوف يستمر حكمهم للبلاد إلى ما شاء الله وأنهم - أي قادة الجيش – ذئاب وثعالب تمكر وتدبر لإجهاض الثورة والقضاء عليها!

وانبرى حازم في حملة هجوم شعواء على الجيش وعلى قادته، واتخذ من بعض القنوات الفضائية منصة دائمة للهجوم ولإطلاق الشعارات الحماسية والخطابات الثورية وصلت ذروتها أنه خاطب أعضاء المجلس العسكري بصيغة آمرة لا مجال للتفاوض حولها أن "يركبوا طائراتهم ويرحلوا عن البلاد في مدة لا تتجاوز 48 ساعة؛ وإلا فلا يلومون إلا أنفسهم"!! ثم كانت المطالبة لعموم الناس بالاحتشاد والتظاهر أمام مقر وزارة الدفاع في العباسية بالقاهرة انتظارا لاستسلام المجلس العسكري من تلقاء نفسه؛ وإلا كانت "الأخرى"!! والأخرى هذه لم يحددها حازم بل تركها لأحد شيوخ القاهرة وهو "حسن أبو الأشبال" الذي طالب أمام جموع المحاصرين لمقر وزارة الدفاع أن يتم القبض على أعضاء المجلس العسكري ليتم إعدامهم في ميدان عام!!.

أحداث العباسية:

بعد دعوة الأستاذ حازم لما سماه "الانتفاضة ضد العسكر" أصبحت العباسية تجمعا خصبا لكل تيارات العنف والتطرف، وانضم للمتظاهرين "محمد الظواهري" شقيق الدكتور أيمن الظواهري، وبدا الأمر كأنه بالفعل استعداد لحرب حقيقية وليس مجرد تظاهرة أو فاعلية عادية؛ كان على إثر ذلك أن هاجم مجموعة من أهالي العباسية مع عدد من البلطجية المعتصمين الموجودين هناك ودارت بينهم مقتلة كبيرة وكانت الخسائر في صفوف المعتصمين كبيرة، وفى الجمعة التالية حاول المعتصمون تجاوز الأسلاك الشائكة حول وزارة الدفاع؛ مما جعل الشرطة العسكرية ترد ردا عنيفا أنهت بعده الاعتصام وأخلت الميدان وفرضت حظر التجوال في العباسية وما حولها لمدة ثلاثة أيام، وقد كانت هذه الأحداث الدامية في مطلع مايو 2012، وتكررت عدة حوادث مماثلة من "حازمون" ومن شباب "الإخوان المسلمون" مثل حصار المحكمة الدستورية العليا، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وكذلك الأحداث المؤسفة في محيط مكتب الإرشاد في المرة الأولى والثانية، ثم أحداث مكتب الإرشاد الأخيرة التي اُقتحم على إثرها وتم حرقه مع نجاة من بداخله بصعوبة شديدة. كل هذه حوادث أليمة انتهت بخسارة فادحة للتيار الإسلامي على مستوى التعاطف الشعبي، وكذلك على مستوى الخسائر البشرية والمادية؛ وفى المقابل لم يتحقق منها أي نفع أو مصلحة.

من خلال عرضنا للتجارب السابقة يتبين:

أن العنف دائما أداة للتخريب والدمار ولنشر الفوضى، ولا يمكن أن يكون أبدا طريقا للبناء أو الإصلاح؛ وبالتالي فلا يوجد أحد ينشد لبلاده الخير والاستقرار ويدعم هذا الاتجاه أو يحرض عليه مهما كانت درجة اعتراضه أو رفضه للنظام الحاكم أو للسلطة، وقد أكدت الحوادث المختلفة أن من ينتهجون العنف عادة إما شخص مأجور أو مغيب؛ لأن العقلاء والمخلصين يتورعون عن استعمال الطرق والوسائل التي من شأنها إلحاق الضرر واستجلاب الشرور على أهليهم وأوطانهم.

الانتفاضة الإسلامية المزعومة

انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو قصير بعنوان "انتفاضة الشباب المسلم يوم 28 نوفمبر"، وقد ظهر في الفيديو عدد من الشباب والفتيات ليعطوا للمشاهد مبررات وأسباب هذه الانتفاضة ذكروا منها:

1- الممارسات القمعية التي تمارسها الدولة مع المتظاهرين، وما يستتبع ذلك من دماء ومعتقلين.
2- حملات التشويه والطعن التي يتعرض لها الدين الإسلامي، وذكروا لها أمثلة واقعية وأخرى خيالية ولا تمت للواقع بصلة، ومنها ما يتوجه فيه اللوم إلى الدولة باعتبار أن الفعل المذكور ينسب لها أو لأحد رموزها، أو على الأقل يعتبر توجها عاما لها، ومنها ما لا يعد كذلك أيضا.
3- الممارسات الإعلامية المنحرفة سواء من الناحية الدينية والأخلاقية أو من الناحية المهنية والفنية.
4- بعض الممارسات المرفوضة من جهاز الشرطة، وعدم العدالة في توزيع الموارد.

ثم استخلصوا من خلال ما سبق أن هناك حربا على الدين والإسلام والقيم والأخلاق؛ وبالتالي لابد من عمل انتفاضة عنوانها "انصر دينك .. حرر بلدك"؛ وذلك حتى ننال رضى الله كما يزعمون.

وفى بيان مكتوب تحت عنوان "انتفضي معنا يا أمتنا" ذكروا ما معناه "أن الأمة ما زالت تحت الاحتلال العسكري، وأن هناك مخططات لتقسيم المنطقة ومخططات لتقسيم القدس الشريف، وأنهم كشباب وعوا هذه المؤامرات جيدا، ومن ثمرات هذا الوعي أنهم أعلنوا أولى فعاليات انتفاضة الشباب المسلم في مصر!! وذلك لما يلي:

1- لإعلان هوية مصر الإسلامية.
2- لرفض التبعية للهيمنة الصهيونية والغربية.
3- لإسقاط حكم العسكر.

ولنا مع هذا الكلام العجيب عدد من الوقفات:

1- المدقق في لغة البيان يدرك جيدا مدى رغبة كاتبيه في تجييش حمية وحماس الشباب المسلم - وتحديدا الشباب الملتزم والمنتمى للتيار الإسلامي- لكي يخوض حربا من أجل الدين؛ لأن الإسلام في خطر، وهذه دعوة صريحة للقتل والقتال لمن تأمل، ومعلوم لكل من له أدنى معرفة بالعلوم الشرعية أن هذه اللغة لا تستخدم إلا في ساحة القتال مع الكفار والمحاربين، أما أن تستعير "الجبهة المشئومة" هذه العبارات لكي توظفها في ساحة الصراع السياسي مع خصومها فهذا من التلاعب بالدين والتحريف في معانيه ومقاصده.

2- يتكئ مضمون كل من البيان والفيديو على الانحرافات الدينية والأخلاقية الموجودة في المجتمع، وبعد جمع عدد لا بأس به من هذه الانحرافات يخلصون بنتيجة مفادها "أن هذا النظام ليس نظاما إسلاميا"؛ وبالتالي "فهيا نثور عليه لكي نجعله إسلاميا"، وبالطبع هذه الطريقة بها مغالطات كثيرة وغير أمينة فضلا عن تصادمها مع العقل والمنطق؛ لأنه كون أن المجتمع مليء بالانحرافات سواء أكانت في آحاد أفراده أو في أفراد السلطة فهذا ليس بالجديد، وواجب الدعاة إلى الله أن يجتهدوا في تصحيح أفهام الناس وسلوكياتهم لا أن ينتفضوا عليهم ويعاملونهم معاملة الكفار. أما عن أن السلطة ترضى بهذا الانحراف وتقره، فلدينا تجربة الحكم الإسلامي لمدة عام على يد د. مرسى، ورأينا أنه لم يحرك ساكنا تجاه هذه الانحرافات بل أثنى على أهل الفن وجالسهم وشدد على أهمية دورهم، (بل لقد جاد من عند نفسه فأعطى تراخيص المراقص والكباريهات ثلاثة أضعاف المدة المتعارف عليها، وشارك حزبه في إحياء حفل راقص مع إحدى الراقصات في الغردقة) فأين كان تطبيق الإسلام وقتها إذن؟!

3- بالنسبة لما تتعرض له الدعوة من تضييق بوجه عام سواء كان بسبب نشاط وزارة الأوقاف في ضم المساجد أو منع بعض الرموز من اعتلاء المنابر أو غيرها، ففيه أيضا عدم أمانة في استغلال الحدث، ورغبة غير صادقة في توظيفه وتوجيهه بشكل مختلف؛ لأن هذا النشاط الذي تقوم به الوزارة مبنى على الخطط التي وضعتها جماعة الإخوان للسيطرة التامة على المساجد والمنابر، بل والقنوات الفضائية وكل ما يمت إلى الدين بصلة، والذي يراجع مواد قانون الدعاة الذي كان معدا للاعتماد من جانب مجلس الشورى السابق يعرف أن ما يتم الآن هو الصورة المخففة من القانون الذي كان على وشك التطبيق، أما بالنسبة لمنع الرموز الدعوية من الخطابة فقد بدأت إرهاصاته أيضا في أواخر عهد د. مرسى، وتم منع عدد من الرموز السلفية من الخطابة بزعم عدم وجود تصريح أيضا.

4- بالنسبة للهدف الصريح والجريء لما سموه "إسقاط حكم العسكر"، فمن حقنا أن نطالبهم بالتفسير الحرفي لهذه الكلمة، والإجراءات العملية التي سوف تُتخذ في سبيل ذلك، ثم نسألهم أيضا إذا كانت درجة الوعي لديهم قد وصلت للدرجة التي يدركون بها حجم المخاطر المحيطة بالدولة وبالعالم العربي والإسلامي بشكل عام، ألا يدخل ضمن هذا الوعي إدراك أن هناك مؤامرة لتدمير الجيوش العربية وتفريغها من قوتها؟! أليس إسقاط حكم العسكر هذا يصب في صالح من يدبرون المؤامرات للدول الإسلامية والعربية؟! أليس انهيار الجيش في أي بلد في العالم يعنى انهيار الدولة وضياعها؟! ألا تعلم هذه الجبهة المشئومة أن الجيش المصري من أبناء الشعب المصري وليسوا من المرتزقة مثلا أو المأجورين لكي يستعملوا معهم هذه المصطلحات؟! وعلى فرض أنه جيش من المرتزقة كما كان الحال في ليبيا أو جيش طائفي كما كان الوضع في سوريا، فهل بعدما سقطت هذه الجيوش قامت هناك للتيار الإسلامي أو لغيره قائمة؟!

5- الزج باسم القدس الشريف والمسجد الأقصى محاولة رخيصة لاستنفار حمية الشباب بأي ثمن، وإلا فلو فرضنا أن حكم العسكر في مصر لابد أن يسقط ولابد أن نواجهه، ثم هناك خطر من الجيش الصهيوني المباشر وعلى المسجد الأقصى كما يقولون، لماذا لا تتوجه جهودنا لمحاربة هذا الجيش المحتل؟! لماذا يصر الجهاديون على توجيه رصاصاتهم إلى صدور أبناء الجيش المصري في سيناء، ويتركون أبناء الجيش الصهيوني في سلام وأمان؟!


هذه الأسئلة وغيرها لن تقوم بالرد عليها "الجبهة القطبية" بالطبع، ولكنها أسئلة للعقلاء فقط!!


6- قد نتنزل في المناقشة ونقول: هب أن ما يحكون عنه يتم بهذه الطريقة أو أشد، ولكن من حقي أن أسأل عن الطريق الذي تقدموه لنا بديلا: هل سيساهم في تخفيف بشاعة الأوضاع، أم أنه سيدفع لمزيد من تعقيدها وعنفها؟! هل دخول الإسلاميين في مواجهة مع الدولة سيؤدى إلى إخراج من في السجون، أم سيزج بمزيد من الأبرياء في غياهب المعتقلات؟! هل المواجهة المسلحة التي يتغزل فيها "وجدي غنيم وعاصم عبد الماجد وسلامة عبد القوى" ستعصم الدماء وتحفظها، أم ستسكبها أنهارا لنتداعى بعد ذلك على جرائم الانقلاب ودمويته؟!

الحقيقة أن من يدعوننا إلى هذه الثورة يعرفون جيدا حجم الدماء والخسائر المترتبة على ذلك، ولكنهم يريدون مزيدا من الدماء لتكون وقودا يحترق ليكملون به المسيرة، وسيظل الأمر هكذا حتى يقرر هؤلاء القادة في لحظة زمنية ما "أن قاطرة العنف لابد أن تتوقف، وأن حمامات الدم لابد أن تجف، وأنهم يحبون الحياة كما يحبها باقي البشر" كما صرح بذلك حمزة زوبع على قناة الجزيرة في أعقاب أحد مبادرات الصلح التي كان متوقع لها أن تنجح!!

7- لم يقدم لنا الداعون لهذه الانتفاضة أي تصور عن المستقبل، ولا أي رؤية عن الوضع بعدما ينجحون في إسقاط العسكر وإعادة الشرعية؛ وبالتالي فهم يقودون الجماهير نحو المجهول، وقد يكون من المناسب في هذا المقام استحضار صورة اعتصام رابعة بعدما طال أمده وتحول إلى ما يشبه الجبهة الانفصالية كان السؤال المطروح من الجميع: ماذا لو أقدمت السلطات على فض الاعتصام بالقوة كيف ستتصرفون؟! ولم يمكن لأحد أن يحصل على إجابة مفيدة غير أن هذا مستحيل أن يحدث، وعلى فرض حدوثه فسوف تتورط الدولة في مذبحة بشرية ستؤدى إلى سقوطها تلقائيا!! فهل سيعيد الحدث نفسه وتتكرر المأساة مرة ثانية؟!

العجيب في الأمر أن حزب النور عندما قام بحملة كبيرة تحت عنوان "مصرنا بلا عنف"، وقام بالنزول في الشوارع والطرقات والميادين يمارس واجب النصيحة للشباب ألا يستجيبوا لدعوات العنف، وألا ينخرطوا في أعمال من شأنها إراقة الدماء وتدمير الأوطان؛ إذا بأعضاء جماعة الإخوان يتعرضون لأبناء الحزب فتارة يمزقون ملصقاتهم، وتارة يحرقون الأوراق والبيانات، وتارة يشتبكون مع المنظمين؛ فهل نترجم هذه الأفعال بأن جماعة الإخوان هي الراعي الرسمي لتظاهرات 28 نوفمبر، وأن الجبهة القطبية المطلوب منها فقط أن تجتذب الشباب السلفي الذين سينخدعون بالاسم فينساقوا وراء هذه الدعوات؟! وهل تعد هذه الدعوة وسيلة خبيثة لإجبار الدعوة السلفية على أن تدخل هذا المعترك العفن وتدفع الفاتورة رُغما عنها؟!

من يقرأ بيان جماعة الإخوان الصادر عنها يوم الأحد 23/11/2014 سوف يجد إجابة ذلك بين سطور الكلمات التي تمدح الحراك الثوري وتثمن خطواته.. وإلى الله المشتكى!!