الرئيس اليمني يظهر في عدن ليستعيد شرعيته ويقلب الطاولة على الحوثيين

  • 98
هادي منصور

عودة "هادي" المفاجئة تحظى بترحيب واسع إقليميا ودوليا.. والصمت يخيم على طهران
هل يهرب الحوثيون إلى الأمام ويهاجمون محافظات الجنوب ويخسرون حلفاء الأمس؟

فما بين فبراير 2012 عندما تنحى علي عبد الله صالح عن الحكم لصالح نائبه عبد ربه منصور هادي بعد حراك شعبي بدأ في العام 2011، وبين فبراير 2015 عندما "عاد" هادي إلى السلطة، توجد تفاصيل كثيرة تدعو للتدبر والتحليل.
في 25 فبراير 2012 تسلم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مقاليد السلطة في البلاد من سلفه علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد لما يقرب من 35 عام كانت مرشحة للزيادة لولا اندلاع "ثورة الشباب اليمنية" التي تحولت غضب شعبي وذلك تواكبا مع "الربيع العربي" الذي اجتاح دولا عربية مثل تونس ومصر وليبيا وسوريا وأخيرًا اليمن.
تنازل صالح عن السلطة لم يكن بالأمر السهل بالنسبة إليه أو إلى الحراك الشعبي الذي استمر عاما كاملا تخللته محاولة لاغتياله، وإنما جاء بعد جهود حثيثة بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية التي عرضت عليه الإقامة على أراضيها ولكنه رفض مفضلا العيش في اليمن بالقرب من مراكز السلطة التي تركها جبرا.
وتدور اتهامات حول دوره في استيلاء الحوثيين على مقاليد الحكم في البلاد عن طريق انقلاب "تدريجي" بدأ في سبتمبر الماضي وتأكد في قبل شهر عندما تم إعلان استقالة الرئيس هادي ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
هذه الإجراءات "الجريئة" والتقدم "السريع" الذي حققه الحوثيون على الأرض في اليمن دفع إيران لإعلان دعمها للجماعة التي تعتنق المذهب الشيعي، بل وذهبت إلى حد تشبيهها بتنظيم "حزب الله" اللبناني الذي يزعم ومناصروه أنه وجد لمقاومة الاحتلال الصهيوني للأراضي اللبنانية وصد محاولات الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وفي إطار تلميع الحلفاء الحوثيين وإكسابهم الشرعية أطلقت عليهم اسم "أنصار الله" ليكونوا نسخة طبق الأصل من التنظيم اللبناني الذي نشر قواته في العاصمة بيروت وانقلب على اتفاق الطائف الذي حدد حقوق وواجبات كل طائفة من الطوائف الثلاث في البلاد.
الحوثيون من جانبهم حاولوا استغلال حالة الاستسلام الرسمية في الزحف بهدوء تجاه الغرب حيث مياه البحر الأحمر ومن ثم مضيق باب المندب ومن ثم محاصرة مصر والسعودية عند مدخل البحر الأحمر.. ليكتمل الحصار الشيعي للسعودية الذي تقوده إيران من شمالها حيث العراق وشرقها حيث التواجد الشيعي المكثف في المنطقة الشرقية من المملكة، فجنوبا وغربا حيث الحوثيين في اليمن.
مع الانتشار السريع للمسلحين الحوثيين في ظل التحريض الإيراني وصمت أمريكي "مشجع"؛ شعرت عواصم القوى الإقليمية والدولية بالقلق ما انعكس على مجلس الأمن الدولي الذي أصدر قرارا "يدعو" الحوثيين إلى التراجع عن إعلانهم الدستوري!
ولكن فجأة ظهر الرئيس هادي، يوم السبت الماضي، في "عدن" العاصمة الثانية للبلاد ليعلن إلغاء كافة القرارات التي اتخذها الحوثيون منذ 21 سبتمبر الماضي، وليؤكد أنه مستمر في منصبه وأنه وقع على قرار استقالته تحت تهديد السلاح.
ودعا هادي إلى استكمال جلسات الحوار الوطني التي نصت عليها مبادرة مجلس التعاون الخليجي ولكن في "عدن" حيث مسقط رأسه ومستقره الآن، وهو ما لاقى استحسانا شعبيا تمت ترجمته في المسيرات المؤيدة لشرعية الرئيس العائد إلى منصبه المغتصب.
كما سارعت محافظات يمنية بإعلان ولائها للشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس هادي بعد أن كان بعضها قد رزح تحت سلطة الأمر الواقع التي مثلها الاجتياح الحوثي.
بهذه الخطوة قلب الرئيس اليمني الطاولة على المغتصبين الحوثيين وأعاد تصدير الأزمة إليهم ليثبتوا "حسن نواياهم"؛ بل وأعطاهم خط رجعة عن ورطتهم التي وضعوا أنفسهم فيها، بعد أن كشفوا عن هدفهم الحقيقي في الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد؛ وكذا بعد افتضاح الدور التآمري الإيراني في زعزعة استقرار الدولة الذي يسعى إليه حثيثا اليمنيون.
كما أنه وضع الأحزاب اليمنية التي توقفت عن استكمال جلسات الحوار التي يرعاها المبعوث الأممي، جمال بنعمر، أمام مسئولياتها الوطنية، خاصة أنها رأت أن "الحوار في منأى عن التطورات الجديدة، وأن عودة الشرعية إلى الرئيس هادي ضرب من العبث"!
وكان هادي قد دعا في البيان الذي أصدره مساء الأحد الماضي "مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدستورية وحمايتها وفي مقدمة ذلك أبناء القوات المسلحة والأمن وعدم ا?نجرار نحو خطوات تستهدف جر الب?د إلى الفتنة والفوضى".
وأحدثت عملية كسر الرئيس هادي لإقامته الجبرية في صنعاء وظهوره في القصر الجمهوري بعدن تغييرا في موازين القوى والحسابات المحلية والإقليمية.
وتمثل الطريقة التي خرج بها الرئيس اليمني من محبسه لغزا قد تكشف الأيام القادمة غموضه، حيث انتشرت روايتان للواقعة إحداهما تفيد بجهود بذلتها سلطنة عمان بالاشتراك مع الأمم المتحدة أسفرت عن الإفراج عنه، فيما قالت رواية بثها مقربون منه أنه غافل حراسه وفر من القصر باتجاه عدن.
الرواية الأولى تدحضها المفاجأة التي أبدتها كافة الأطراف تجاه ظهوره خارج "الأسر" الحوثي، أما الرواية الثانية فيمكن "تمريرها" لو افترضنا أنه تلقى مساعدات من أطراف خارجية يهمها فك أسره، خاصة مع حالة الترحيب الواسعة إقليميا ودوليا بعودته إلى منصبه!
ورفعت عودة هادي إلى الواجهة من معنويات خصوم الحوثيين، وساهمت كذلك في إعادة ترتيب صفوف القوى السياسية والاجتماعية التي اعتبرته المرجع السياسي لتحركاتها نظرا لما يتمتع به من دعم إقليمي ودولي.
وكشف الترحيب الشديد في الصحافة الخليجية بعودة هادي عن ارتياح بالغ لدى النخب السياسية في دول الخليج التي وجدت مجددا حليفا لها في اليمن بعد أن خسرت الكثير من خياراتها لحفاظ على أمنها الإقليمي الذي وصل لأسوأ حالاته إثر سيطرة ميليشيات حليفة لإيران على حدودها.
وتؤكد الشواهد أن دعما غير محدود سياسيا وماليا سيحظى به الرئيس هادي في سبيل استعادة الدولة اليمنية المختطفة في صنعاء.
وفي المقابل، ساد الارتباك بين صفوف الحوثيين، وأصبح عليهم البحث عن غطاء سياسي "شرعي" بعد أن ضربوا عرض الحائط بكل المعايير السياسية؛ فأجبروا الحكومة على تسيير الأعمال في محاولة لإحياء شرعية اتفاق السلم والشراكة الذي تم تشكيل الحكومة بموجبه، وهي محاولة للتراجع قليلا عن الخطوات المتهورة التي أقدمت عليها الجماعة عندما راهنت على عامل القوة في فرض أجندتها على الداخل والخارج.
كما سربت مصادر إعلامية مقربة منهم عزمهم على اجتياح المحافظات الجنوبية عسكريا، واللعب بورقة الحراك الجنوبي المدعوم من إيران أيضا، لـ"تثوير" الشارع الجنوبي ضد الرئيس هادي على خلفية إصراره على التمسك بالوحدة اليمنية وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
ويغيب عن الحوثيين أن وصول هادي، وهو من الجنوب، إلى سدة الحكم في البلاد قد كبح جماع الدعوات الانفصالية التي كانت تتذرع بأن الجنوب يعاني من الاضطهاد واستئثار الشماليين بالوظائف العليا في الدولة.
كما أن إقدامهم على استخدام القوة سيشعل المنطقة تحت أقدامهم وسيجعل من التدخل العسكري ضدهم أمرا حتميا خاصة وأن للملكة السعودية علاقات وثيقة ببعض القبائل التي تتمتع بنفوذ كبير على الساحة اليمنية.
كما يمكن عزل صنعاء سياسيا على اعتبار أنها عاصمة محتلة تخضع إلى ميليشيات غير معترف بها ما يزيد من أعبائهم السياسية.
إضافة إلى أن أبرز مصادر الدخل القومي المتمثلة في النفط لازالت في محافظات "مأرب، شبوة، حضرموت"، وهي لا تخضع لسيطرة الحوثيين، ما يزيد من تأزمهم اقتصاديا وسيصبحون عبئا على إيران التي تعاني بدورها من أزمة اقتصادية طاحنة.
وأخيرا نظمت قبائل في محافظة شبوة بالجنوب عرضا مسلحا كبيرا وصف بـ"غير مسبوق" ضم آلاف المسلحين ومئات الآليات العسكرية المحملة بالسلاح تعبيرا عن حمايتهم للمحافظة ودعمهم لشرعية هادي.
ويعاني الحوثيون من حالة إنهاك وتشتت تام إثر الحروب الداخلية التي خاضوها ووسط تخوف من عصيان المحافظات لأوامرهم وتحالفها موضوعيا مع القاعدة إلى جانب المؤشرات الواضحة على انقسام ولاء الجيش بينهم وبين هادي وصالح، فضلا عن عداء الشارع لهم.
ويبدو أن وصولهم إلى السلطة بقوة السلاح وسط استسلام أمني وعسكري "مريب" أصابهم بالغرور وجعلهم يلفون بأيديهم حبل المشنقة حول رقابهم وعجل بنهايتهم.. تماما كما حدث مع قوى أخرى في المنطقة.
الأيام القادمة ستكشف الخطوة التي سيقدم عليها "انتحاريو" الحوثيين.