آفات دعوية (2)

  • 291

من الآفات:

-أن تظل الدعوة منشغلة بضرب واحد من الأعمال وتهمل ضروبًا أخري؛ وبالتالي تفقدها الاعتدال والشمول، فتفقد المثالية والواقعية وبالتالي تفقد الربانية مثال:
- انشغال بعض الدعوات بطلب العلم فقط، وإهمال الواجبات الأخرى، (ولا أقصد أن يترك طلب العلم فهو أساس الدعوة)، أو يعتقد أفرادها أنهم بانشغالهم بأي واجب آخر في السياسة، أو الحياة الاجتماعية، قد ضيعوا الدعوة، وللأسف تجد بعض الدعاة ينادي بمثل هذا أي نهتم فقط بالعلم أو العبادة ونترك باقي الواجبات.


- هذه الآفة خاصة بالداعية أو الشيخ أو المربي، أن يضرب الشيخ أو المربي حول التلميذ أو المدعو سياجا أو حاجزا؛ بحيث لا يرى غيره، وقد تتحول الحياة بين الشيخ والتلميذ إلى حياة عسكرية، فلا يرى إلا أوامر قائد الكتيبة (الشيخ)، ويفقد الثقة في أي كلام آخر، بل ربما وصل الأمر إلى أن يفقد الثقة في نفسه، ويصل إلى حالة أشبه بالصوفية؛ حيث يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله، وكل هذا مغلف بغلاف فقه الشيخ وعقلانيته الباهرة وتخطيطه الرائع، ويعيش التلميذ في نفسية الداعي وعقليته، لا يستطيع أن يتخطاها، ويكون ذلك أحيانا بنية الحفاظ على الأتباع وعدم انحرافهم فكريا. وفارق كبير بين الوقاية الفكرية التي تكون بتأصيل قضايا المنهج، وبين السيطرة الروحية والعقلية على الفرد؛ بحيث لا يرى شيئا خارج ما حده له الشيخ، والأمر يحتاج إلى توازن في التربية (توازن واقعي فعلي وليس نظريا فقط).

والأمثلة كثيرة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخرج قادة في شتي المجالات، فالقائد الناجح هو الذي يجعل أتباعه يثقون فيه، والقائد الأنجح هو الذي يجعل أتباعه يثقون في أنفسهم.

-استعجال الثمرة، وهي من أكثر ما يصد عن تحقيق الأهداف، لاسيما في الدعوة إلى الله عز وجل، واستعجال الثمرة على مستوى الأفراد ومستوى الجماعات ينتج عنه توقف العمل الدعوي أحيانا، أو بناء أفراد أشبه ما يكونون بالبالون الذي يشغل حيزًا كبيرًا، لكنه فارغ من داخله.

ولا شك أن البناء الدعوي يستغرق وقتا طويلا، والدعوة إلى الله (والتغيير الإيجابي عمومًا) أشبه بعملية الزراعة، نحفر في الأرض ثم نضع البذر، ثم نغطيه، ثم نسقيه، ثم نجلس بجواره ننتظر خروجه؛ فلابد من الانتباه ففي أحايين كثيرة قد لا تخرج الثمرة وتموت، وقد تتأخر في الخروج، وقد تحتاج البذرة أن تنقل إلى أرض أخرى؛ فالمشكلة قد تكون في الأرض وليست في البذرة، وقد تحتاج نوعا مختلفا من الغذاء؛ لذلك كان الصبر شيمة أساسية من شيم الأنبياء (وما من نبي إلا ورعى الغنم)، فالصبر والتأني والاحتساب أهم أسباب نجاح الدعوات، ولا تنس أن صاحب الأرض يأخذ بكل الأسباب، لكنه يجلس منتظرًا معلقًا قلبه بالله ومتوكلا عليه؛ ولذلك قيل: إن الزراعة هي أفضل أنواع الصناعات والأعمال؛ لتمام التوكل فيها.


- الارجاف: وتكثر للأسف في الواقع الدعوي هذه الآفة، فترى نقل الكلام سواء أكان حقا أو باطلا؛ فينتج عنه حالة من التوتر بين الأفراد، لا سيما الإخوة العاملين والمنشغلين بالعمل الدعوي ، وهذا بلا شك يؤثر سلبا على نفوس الإخوة ، ويؤثر أيضا على أداء العمل الدعوي بوصفه كلا وهذا الإرجاف نابع من:
الخواء الذي تعيشه بعض الشخصيات، والضعف الإيماني المسيطر عليها؛ وبالتالي يسعى إلى إشغال نفسه بالقيل والقال، وهو في غاية البعد عن الالتزام والعمل.
والعجيب أنك تجد بعضهم تسول له نفسه أنه مصلح، وأنه ما فعل هذا إلا من أجل الإصلاح، وهو في الحقيقة يهرب من التقصير الشخصي الذي يعيشه، وفارق كبير بين النصيحة وبين إرجاف مميت يدمر النفوس، فاحذر أن يكون فيك شبه بالمنافقين.

-الروتينية: وهي من أخطر الآفات التي تصيب أي عمل فتحوله إلى عادة ، وهذا على المستوى الشخصى وعلى المستوى الجماعي يُعرف بـ "الروتين"، إنه العمل على وتيرة واحدة باستمرار، وعلى هذا التعريف قد نقبل الروتين ونمدحه على أنه ثبات واستمرارية في أداء الأعمال، فلابد من خطوط عريضة تسير عليها الحياة، ولا شك أن ثبات هذه الخطوط يزداد كلما زاد العدد، بمعنى أنه يزداد على المستوى الجماعي أكثر منه على المستوى الفردي،أما الروتين بمعني التحجر والتصلب وعدم المرونة في الأعمال التي تقبل المرونة، أو أن تتحول العبادات إلى عادات وتغيب عنها النية والاستحضار؛ فهذا هو المذموم الذي يترتب عليه مشكلات كثيرة وتعانيه أكثر المؤسسات.

ولحل هذه المعضلة قد نحتاج إلى قدر من الانسيابية؛ فالانسيابية في التنظيم الذي يجمع معه قدرا من الروتين، أعتقد أنه يحقق نتائج عالية، ويقلل كثيرا من المشكلات.