إقامة الأمة أم إقامة الدولة؟

  • 141

إن من أصعب الأمور وأشقها على الدعاة والمصلحين هى إقامة الأمة التى نعتها ربنا تعالى بالخيرية ولأن الأمة لا تقوم إلا بالدين فلابد من تعبيد الناس لرب العالمين وتوضيح لهم طريق الأصلاح والرقى والتقدم ولذلك كان السؤال: إقامة الأمة أم إقامة الدولة ؟

وسبب هذا السؤال هو ما حل بمصرنا الحبيبة وأنقسام التيار الأسلامى بكل أطيافه فمنهم من أخذ الأمور بموضوعية وتأكد أن التمكين لايزال بعيدا أخذا بشواهد الواقع, ومنهم من أرتفع سقف أحلامه وتيقن بأن الشريعة ستقام حال وصول الإسلاميين إلى الحكم ومنهم من بالغ فى ذلك حتى ظن قيام الخلافة ونادى بذلك.. وفجأة، طارت كل الأحلام وضاعت جميع الأمانى وأصبحنا ندافع فقط عن المظهر الإسلامي.

ولكن للأسف أن من كان يحلم لم يفق بعد من حلمه، وصار يتخبط فى مواقف غير ثابتة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء والمؤسف أن أحد أصحاب الأمانى والأحلام لم يتوقف أمام الكتاب والسنة، ولو تمسك وتثبت أولئك بما أمرنا صلى الله عليه وسلم بالتمسك به قائلا: (تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدى ابدا كتاب الله وسنتى) لكان النجاح والفلاح، ومن هنا برز السؤال ومن هنا تكون الأجابة، قال صلى الله عليه وسلم : (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة). رواه أحمد وصححه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
ومعنى نقض الحكم هو: عدم الحكم بشرع الله وهذا هو الواقع اليوم في غالب الدول المنتسبة للإسلام. ومعلوم أن الواجب على الجميع هو الحكم بشريعة الله في كل شيء والحذر من الحكم بالقوانين والأعراف المخالفة للشرع المطهر؛ وهذا دليل على أن الحكم هو أوهن العرى لأن الوهن والانكسار أول ما يصيب يصيب الجزء الاضعف، والأقل صلابة، وأن أرسخ هذه العرى هى الصلاة وهى عبادة وهذا دليل على أنها أوثق العرى، وهذه إجابة السؤال؟
فإقامة الأمة أولا أولى من إقامة دولة هشة تسقط فى أول اختبار، وليعلم الجميع أن الأسلام حتى مع انتقاض عروة الحكم فهو مستمر وسيستمر زمنا طويلا حتى تعود هذه العروة المنقوضة وأن بناء الأمة المؤمنة وظهور الحق ونجاحه وثباته هو المقدمة لزوال الباطل، وأن أظهار الحق ونجاحه لا يتوقف مسبقا على ذهاب الباطل وزواله (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) فالباطل يزهق ويزول بعد مجئ الحق، وأن من أكبر أخطاء التيار الإسلامى انشغاله بالوسيلة عن الهدف، حتى ضاع الهدف للمحافظة على الوسيلة.

قال ابن عطاء السكندرى: ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر فى الوقت غير ما أظهر الله.
فمن أراد أن يحقق شيئا ويظهره من غير أن يرى أن الله تعالى قد هيأ أسبابه فإنما يعبر بذلك عن جهله بالقوانين والسنن.

وقد قرآت كلمات رائعة أحببت أن أنهى بها حديثي: أن العمل السياسى فقط يعيد المجتمع إلى حالة الكسل والجمود وانتظار ما تأتى به السياسة أو العملية الانتخابية بدلا من القيام بالدور المطلوب فى تغيير الواقع , فهل عرفتم لماذا كانت إقامة الأمة أولى من إقامة الدولة, والله من وراء القصد.