صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (17)

  • 260

ثورة حائط البراق 1929م
حائط البراق هو ذلك الجزء الواقع في الجهة الغربية من سور المسجد الأقصى بطول 47م ، وارتفاع 18م ، وعرض 330سم . وكان أمام هذا الحائط رصيف أو ممر عرضه نحو أربعة أمتار ولكن هذا الرصيف هدمه اليهود عام 1967م بعد احتلالهم للقدس الشرقية.

وهذا الجزء من السور الغربي للمسجد الأقصى يطلق عليه اليهود اسم (حائط المبكى ) ، ويزعمون - دون أي دليل تاريخي رغم كل الحفريات التي قام بها  اليهود حول وتحت المسجد الأقصى - أنه من بقايا هيكل سليمان الثاني، ويقومون بزيارته للبكاء عنده والنواح، وأضافوا إلى ذلك دعاءا خاصا، ثم راحوا يصلون عنده كما لو كان كنيسا لهم، مع أن هيكل سليمان لم يكن إلا بيتا لتقديم القرابين في المناسبات، ولم يكن تقام فيه الصلوات.

وقد حول اليهود هذا الحائط إلى رمز وطني لدولة لإسرائيل تقام عنده الاحتفالات في المناسبات الوطنية في العصر الحديث إمعانا في جذب يهود العالم لفلسطين.

ويحرص اليهود على جعل كبار الزوار لدولة إسرائيل يقومون بالتوجه إلى الحائط ليشاركوا اليهود في مشاعرهم، وليضفوا على المكان الصبغة اليهودية بذلك، مع أن هذا الحائط جزء لا يتجزأ من سور المسجد الأقصى، ويتبع الأوقاف الإسلامية طوال القرون الطويلة السابقة، وأقرت بذلك عصبة الأمم عام 1930م كما سنبينه إن شاء الله.

في عام 1800م زاد عدد اليهود في فلسطين فأصبحوا قرابة الألفين، ومن باب التسامح الديني سمح لليهود بالمرور والوقوف للتباكي عند زقاق حائط البراق.

وفي عهد إبراهيم باشا سمح لليهود بالاقتراب من الحائط والبكاء عنده، ومع الوقت تمادى اليهود في تعاملهم مع الحائط فجلبوا معهم ستائر ومقاعد للجلوس عليها مما اضطر معه ناظر الأوقاف الإسلامية بالقدس، الجهة المسئولة عن المكان، إلى الشكوى لإدارة لواء القدس (عام 1327هجريا الموافق 1911م ) ، التي منعت اليهود من جلب أي أدوات معهم عند الحائط، ولكن اليهود عادوا لمحاولاتهم من جديد خاصة بعد وعد بلفور و بدء الانتداب البريطاني، بجلب المقاعد والستائر والحصر والمصابيح لممر الحائط الضيق.
في سبتمبر1929م أعطت بريطانيا اليهود حق المرور للحائط و إقامة شعائرهم عنده في جميع الأوقات، وحددت أدوات العبادة التي لهم جلبها إلى الحائط، مع التأكيد على ملكية المسلمين للمكان .
في توصيات المؤتمر الصهيوني العالمي السادس عشر في (زيورخ) في يوليو 1929م وصى زعماء اليهود السياسيين والدينيين بالسعي لإعادة بناء هيكل سليمان، ورفضوا الاعتراف بكون حائط البراق من الوقف الإسلامي، وقد ترتب على ذلك قيام يهود فلسطين – وبموافقة الحكومة البريطانية – بمظاهرات عنيفة في 14 أغسطس 1929م عند حائط البراق، وهم يحملون العلم اليهودي و يهتفون (الحائط حائطنا) ، ويخطبون الخطب المحرضة للجماهير اليهودية على السيطرة على الحائط.

وفي يوم الجمعة 16 أغسطس 1929م اندلعت المناوشات بين المسلمين و اليهود بسبب تعنت اليهود، وتحولت إلى ثورة استمرت مدة أسبوعين عمت جميع المدن الفلسطينية، وعرفت باسم ( ثورة البراق) ، وأسفرت الهجمات العربية عن قتل الكثيرين من اليهود والعرب والإنجليز، حيث قُتل من اليهود 133 قتيل و أصيب 329 , و استُشهد من الفلسطينيين 116 شهيد وأصيب 232. 

ولوقف الاشتباكات دفعت بريطانيا جيشا قوامه 30 ألف جندي إنجليزي، منهم قوات إنجليزية جاءوا بها من مصر، حيث تم محاصرة العرب وقمعهم، واعتقال الآلاف من الشباب الفلسطيني والتحقيق معهم، وفرضت الغرامات على الفلسطينيين الذين شاركوا في الاشتباكات، وحددت إقامة زعماء العرب الذين قادوا الثورة.

وقامت القوات البريطانية بمحاكمات مجحفة ضد الفلسطينيين، ولم تصدر أي عقوبة على أي يهودي، فحكموا بإعدام 27 فلسطينيا، ثم خفف عن 24 منهم، و نفذ الحكم في ثلاثة منهم، في صباح يوم الثلاثاء 17 يونيو 1930م في سجن مدينة عكا بالقلعة.
وقد أرسلت الحكومة البريطانية على إثر هذه الاضطرابات لجنة عرفت باسم (لجنة شو)- نسبة إلى رئيسها (والتر شو) – للتحقيق والتوصية بما يجب أن يتخذ من تدابير لمنع تكرار المشكلة.

حيث قدمت تقريرها في أول مارس 1930م، وأوصت بإصدار بيان يحد من الهجرة اليهودية، وأكدت على مطالب الفلسطينيين بإقامة حكومة نيابية، وتشكيل لجان فنية للنظر في توصيات اللجنة، وكان من توصيات اللجنة إرسال لجنة دولية للنظر في موضوع حق العرب واليهود في حائط البراق.

وقد وصلت لجنة التحقيق الدولية المنبثقة عن عصبة الأمم في 19 يونيو 1930م ، واستمعت لمدة شهر للشهود المسلمين من فلسطين وأقطار إسلامية أخرى وللشهود من اليهود واطلعت على الوثائق المقدمة من الطرفين.

وقد أنصفت عصبة الأمم المسلمين في تقريرها باسم ( مرسوم الحائط الغربي ) ، وأقرت بحقهم في حائط البراق، حيث جاء في التقرير : (للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، ولهم أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير ).

-----------------------------------

راجع في ذلك : (حائط البراق) : تأليف جهاد جميل العايش ط . مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية – قبرص ط .الأولى 1427 هجريا 2007م .