سماع الفهم

  • 245

السمع نعمة ومنة من الله علينا، وحاسة عظيمة لا يعلم قدرها إلا من افتقدها، وقد أعطاها الشرع الحنيف اهتماماً كبيراً، ولكن عندما تقرأ هذه الآية أو تسمعها تدرك بوضوح وجلاء أن السمع الحقيقي هو الاستجابة والامتثال لأمر الله، قال تعالى: "إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ".

أي أنما يستجيب لدعائك يا محمد – صلى الله عليه وسلم – من يسمعه ويعيه ويفهمه، ولكن من لا يستجيب فهو ميت قلبه لا يسمع، كمن مات جسده
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.

وهنا يبقى سؤال لنا : هل نحن نسمع أم لا ؟ وبعبارة أدق هل نحن نستجيب ؟!

تأمل هذا المعنى قال تعالى في سورة الملك: "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" ومن المعلوم أن الله قال: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" وهذا من تمام رحمته وعدله أنه لا يعذب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه.

فهؤلاء في آية الملك سمعوا أم لا؟! وإن كانوا سمعوا فلماذا قالوا: لو كنا نسمع أو نعقل؟

قال ابن كثير: أي لو كانت لنا عقول ننتفع بها لما كنا على ما كنا عليه من الكفر باللّه والاغترار به، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم .أ.هـ 

ثم حكى لنا سبحانه في غير موضع من كتابه عن أناس ما فهموا المقصود ولا المطلوب من هذه الآية فقال تعالى: "وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ".

ياااا الله

اللهم ارحمنا وعلمنا وفهمنا وارزقنا حسن الاستماع والاستجابة

أيها الجيل ...

الأمر يحتاج أن نتذلل لمولانا وخالقنا ونتضرع إليه أن يوفقنا للسمع الحقيقي، وإلا هلكنا وضللنا الطريق وانقطعت بنا السبل، قال تعالى: "وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ".

لكن المؤمن أمره عجيب، فهو يسمع بالقلب ويترجم بالجوارح، فالسمع عنده هو الفهم والاستجابة والامتثال والتطبيق.

وما أعظم فهم وامتثال مؤمني الجن عندما سمعوا القرآن، قال تعالى: "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً".

وما أعظم استجابتهم، قال تعالى: "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ".

ثم شرعوا في تنفيذ ما سمعوا، فقالوا: "يا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ".

اللهم ارزقنا سمع الاستجابة والفهم.