عوامل الثبات على الحق في وقت الفتن

  • 206

لا شكَّ أنَّ كثيراً من الشباب التزم حديثاً ولم تثبت قدمه فى الالتزام ولم يتعلَّم ولم يتربَّ ولم يرَ فتناً ولا شدةً مثل ما حدث فى سنة 1974 م أيام أحداث الفتنة العسكرية ، وسنة 1977م ، أيَّام مقتل الشيخ محمد حسين الذهبىِّ ، وزير الأوقاف ، وسنة 1981م أيَّام مقتل السادات والتسعينيات أيام خروج الجماعة الإسلامية وأحداث العنف والاغتيالات وكذلك فى عام 2001م فى أحداث تفجير برج التجارة العالمىِّ فى أمريكا والقضايا والاعتقالات العشوائية بعده وكذلك فى يناير 2011م مع تفجير كنيسة القديسين ومقتل الآ خر السيد بلال على إثر التعذيب وما نحن فيه اليوم لاشك أنَّه فتنة تعصف بكثير من الشباب ؛ لعدم معرفته بطبيعة الطريق .

قيل للإمام الشافعىِّ – رحمه اللهُ - : أيُمكَّن المرء أولاً أم يُبتلَى ؟ قال : لا يُمكَّن حتى يُبتلَى .
قال – تعالى - :  [ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ(3) ] {العنكبوت}.
قال – تعالى - : [ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ] {آل عمران:142}

جاء خبَّاب بن الأرت إلى النبىِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو متوسِّدٌ بردةً له عند الكعبة وقال له : ألا تستنصرُ لنا ؟ ، ألا تدعو الله لنا ؟ فاعتدل النبىُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مُغضَباً وقال : لقد كان يُؤتَى بالرجل من قبلكم فيُمشَّط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يردُّه ذلك عن دينه ، ولقد كان يُؤتَى بالرجل من قبلكم فيحفرُ له حفرة ويُؤتَى بالمنشار فيُنشَر من مفرق رأسه حتى يقع شقَّاه لا يردُّه ذلك عن دينه ، والله ليُتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسيرَ الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلاَّ اللهَ والذئبَ على غنمه ولكنَّكم قوم تستعجلون  .

فما سُمًّى القلب قلباً إلاَّ مِن كثرة تقلُّبه ؛ فالقلب يتقلَّبُ كالورقة فى مهبِّ الريحِ ظهراً لبطنٍ وكذلك كالِقدْر إذا اجتمعتْ غلياناً ، فالثبات على الحق فى الفتنِ له أسباب يتبقَّى علينا معرفتها والعمل بها :  
أولاً : القرآن تدبراً وعملاً ، قال  - تعالى - : [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا] {الفرقان:32}
ثانياً : قصص الأنبياء وتراجم الصالحين والصحابة والسلف ، قال - تعالى - [وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ] {هود:120}
ثالثاً : طلب العلم الشرعىِّ وحضور جلسات العلم فى المساجد ، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : " طلب العلم فريضة على كل مسلم   " .
رابعاً : العمل بالعلم ، قال الله – تعالى - : [ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا(67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(68) ]. {النساء}.
خامساً : كثرة الذكر ، قال – تعالى - : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] {الأنفال:45}
سادساً : تذكر الموت .
سابعاً : الدعوة إلى الله .
ثامناً : اليقين والثقة فى منهج أهل السنة والجماعة .
تاسعًاً : الصحبة الصالحة ومجالسة العلماء ، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : " لا تصاحب إلاَّ مؤمناً " ؛ فالصاحبُ ساحبٌ .
عاشراً : الدعاء ، كان من دعائِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - : " يا مُقلِّب القلوب والأبصار ثبِّتْ قلبى على دينك ، " ، " يا مُصرِّف القلوب صرِّفْ قلبى على طاعتك "  ،" ربَّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنَّك أنت الوهاب " .

فما الواجب فى هذه المرحلة؟

ذكر فضيلة الشيخ / أحمد فريد فى كتاب وقفات تربويَّة فى السيرة النبوية سماتِ المرحلة المكِّية بعد الجهر بالدعوة ، وما أشبه هذه المرحلة بواقعنا ! ، فبمدارسة السيرة النبوية نعرف الدروس والعبر والعظات وكذلك المطلوب منَّا فى هذه المرحلة الحَرِجَة من تاريخ الآمة .
أولاً : مواجهة الدعوة بكافة الأساليب .
( 1 )   السخرية والاستهزاء وتنفير الناس من الإسلام والدعوة وتشويه الصورة ؛ فقد كانوا يقولون : ساحرٌ وكاهنٌ وشاعرٌ ومجنونٌ وكاذبٌ ، كما يقولون اليوم : متطرفون ومتشددون وإرهابيون .... إلخ
( 2 )   الإشاعات والأراجيف والتشكيك والشبهات .
 [ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ] {الفرقان:5}
( 3 )  البطش والتعذيب والتنكيل كما حدث لعمار وابن مسعود وبلال وخبيب بن عدى وخباب .......
( 4 )  محاولة الالتقاء مع الباطل فى منتصف الطريق بالتنازل عن بعض الثوابت أو العقائد كما عرضوا على النبىِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - :  نعبد إلهك سنةً وتعبد إلهنا سنةً ؛ فنزل قول الله – تعالى - : [قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ(1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ(4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(6) ]. {الكافرون}. كما يُطالب البعضُ اليومَ حزبَ النور إن أراد أن يستمرَّ فى الحياة السياسية أن يتنازل عن مرجعيَّته الاسلامية .
( 5 ) أسلوب المساومات والإغراء ،
فقد قالوا لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إن شئْتَ ملَّكناك علينا ، إن شئْتَ مالاً جمعْنا لك المال فجعلناك أكثرنا مالاً ......... ، قال رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلم " ياعمِّ ، لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى شمالى على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ".
 " كما عرضوا بعض الوزارات اليوم ونائب رئيس الجمهورية من حزب النور بشرط الرضا بما هم عليه . 
ثانيًا : الاهتمام فى هذه المرحلة بالعبادة وقيام الليل والدعاء كما كان فى دار الأرقم ، قال – تعالى - :
[فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {الأنعام:43}
قال – تعالى - [ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ] {النساء:77 }
قيام الليل فُرض سنةً على الصحابة ؛ لتربيتهم على مجاهدة النفس وتحمل مشاق الدعوة ، قال - تعالى - [إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا(6) ]. {المزمل}.
( 3 )  تربية الصحابة على العقيدة الصحيحة والارتباط باليوم الآخر والبعث والنشور والحساب .
( 4 ) الصبر على الأذى والبلاء ، قال – تعالى - : [ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ] {الزُّمر:10}
[الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ] {النحل:42}
5) التوكل على الله والثقة واليقين فيما عند الله .
( 6 ) التبشير بالنصر والتمكين والمستقبل للإسلام فى أحلك وأشد الظروف .
قالت عائشة – رضى الله عنه - : نزل قول الله – عزَّ وجلَّ - :[سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ] {القمر:45} والصحابة يُعذَّبُون فى مكة وكذلك تبشير النبىِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - : لـ " سراقة بن مالك " بسوارى كسرى وهو فى طريق الهجرة ، وكذلك تبشير النبىِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – للصحابة بقصور المدائن والشام وصنعاء يوم الأحزاب وأحدهم لا يستطيع أن يخرج لقضاء حاجته من الجوع والريح والبرد والخوف والظلمة ؛ فلا داعى لليأس ولا القنوط ولا الإحباط ولكن البشرى والأمل والثقة والرجاء فى رحمة الله – عزَّ وجلَّ - ؛ فدولة الباطل ساعةٌ ، ودولة الحق إلى قيام الساعة .
 
هُزم المسلمون يوم أحد وكان معهم الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولم تكن نهاية الدنيا ثمَّ انتصر بعد ذلك فى الأحزاب ، قال – تعالى - :  [ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ] {آل عمران:140} ، وقال – تعالى - : [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] {غافر:51} ، [ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] {الرُّوم:47} ،[ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ ] {الأنبياء:88} ، [ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ] {الأنبياء:105} [كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {المجادلة:21} ، [ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ(171) إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ(172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ(173  ({الصَّفات } [يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ(32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ(33) ]. {التوبة}

اللهمَّ احفظْنا بالإسلام قائمين ، واحفظْنا بالإسلام قاعدين ، واحفظْنا بالإسلام راقدين ، ولا تُشمتْ بنا عدواً أو حاسداً ، يا ولىَّ الإسلامِ وأهله ، مسِّكْنا بالإسلامِ حتى نلقاك عليه .