العدالة الانتقالية

  • 231

يُقصدُ بمصطلح العدالة الانتقالية Transition  justice" " مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التى قامتْ بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثتْه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان .
وتتضمَّن هذه التدابير الملاحقات القضائية ، ولجان الحقيقة ، وبرامج جبر الضرر ، وأشكال متنوِّعة من إصلاح المؤسسات.
ولا يوجد نموذج جامع مانع للعدالة الانتقالية .
وتُعَّدُّ من العناصر الأساسية المكوِّنة لسياسة العدالة الانتقالية ما يلى :
-       الملاحقات القضائية ، لاسيّما تلك التى تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر مَن يتحمَّل المسؤولية.
-        جبر الضرر، الذى تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطواتٍ ؛ لمعالجتها ، وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال ، فضلاً عن نواحٍ رمزية كالاعتذارٍ العلنىِّ أو إحياء يوم الذكرى.
-       الإصلاح التشريعىُّ والدستورىُّ ، ويتضمن التخلص من ترسانة قوانين الماضى التى شُرِعت من أجل هيمنة النظام السابق على مقدرات الحياة السياسية، وكرَّسَتْ لمبدأ إفلات الجناة من الموظفين العموميين من العقاب ، كما يتضمن سن قوانين ودستور جديد يتوافق مع الانتقال إلى الحرية.
-       إصلاح المؤسسات ، ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوى المسلّحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الانتهاكات البنيوية وتفادى تكرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.
-       لجان الحقيقة ، أو وسائل أخرى للتحقيق فى أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها ، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
-        تغيير المناهج التعليمية ، ؛ لتكون قائمة على ترسيخ قيم الحرية ، وفحص المناهج القديمة لاسيما المتعلقة بالتاريخ وتنقيحها ممَّا قد شابها من تشويه وذلك عن طريق لجنة مستقلة.

 وقد أضافت دول مختلفة تدابير أخرى كتخليد الذكرى مثلاً، والجهود العديدة للحفاظ على ذكرى الضحايا من خلال إنشاء متاحف، وإقامة نصب تذكارية ، وغيرها من المبادرات الرمزية مثل إعادة تسمية الأماكن العامة ، وغيرها .
وباتت هذه الوسائل جزءاً مهماً من العدالة الانتقالية فى معظم أنحاء العالم.

 ومنذ سبعينيات القرن الماضى وحتى الآن تم إقرار مبدأ العدالة الانتقالية في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم بما فيهم دول عربية كالمغرب والجزائر، ودول أفريقية كجنوب أفريقيا ، ودول أوروبية كرومانيا وبلغاريا والتشيك.

 ولا تعتبر العدالة الانتقالية نوعاً خاصًّاً من العدالة ، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة ، ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا؛ تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية ، وتقوّى سيادة القانون .

 إنَّ الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب ، بل على المجتمع ككلٍّ ، فمن واجب الدول أن تضمن بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات ، عدم تكرار تلك الانتهاكات ، من خلال إصلاح المؤسّسات التى كان لها يد فى هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.
ومن المؤكد أنَّ تجاهل ذلك سيؤدى إلى انقسامات اجتماعية وسيولِّد غياب الثقة بين المجموعات وفى مؤسَّسات الدولة ، فضلاً عن عرقلة الأمن والأهداف الإنمائية أو إبطاء تحقيقهما ، وقد يؤول فى نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من العنف بأشكال شتّى.

وحتى الآن لا توجد إرادة سياسية حقيقية فى مصر ؛ لإحداث قطيعة مع ممارسات الماضى ، أو السير فى طريق العدالة الانتقالية .
ولا يغنى عن ذلك بعض الخطوات المنفصلة التى تهدف إلى تسكين الضغط الشعبى بين الحين والآخر .

إنَّ أهم وسائل تحقيق العدالة الانتقالية :
 -       الإرادة السياسية .
 -        سيادة القانون .
 -       تدعيم استقلال السلطة القضائية وأعوان القضاة .
 -       إنشاء محكمة متخصصة ؛ لمعاقبة جرائم النظام السابق يكون قانون إنشائها متناسباً مع المعايير الدولية للمحاكمات العادلة وألاَّ تُعدّ المحكمة المُنشأة محكمة خاصة أو استثنائية.
 -       نقل الخبرات الدولية فى مجال المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية .
 -        تأهيل خبرات مصرية متخصصة ذات كفاءة فى مجالات العدالة الانتقالية المختلفة .
 -       تقديم خبرات لقوى المجتمع المدنىِّ والحكومة فى مجال العدالة الانتقالية.
وقد تضمنت الحكومة المصرية الحالية وزارة للعدالة الانتقالية يتولاها قاض دولىٌّ سابق هو المستشار محمد أمين المهدى وحتى الآن لم يلحظ المواطن العادىُّ أىَّ أثر لوجودها ومازالت خارج نطاق الخدمة .
ولم تحقق نظم العدالة الانتقالية فى الدول العربية نتائج إيجابية ، ويرجع
ذلك لعدة أسباب ، أهمها :
-       الاستقطاب السياسىُّ ، إذ تحول الانقسامات السياسية المحتدمة دون التوافق على إجراءات تحقيق العدالة ، لا سيما فى الدول التى يحكمها توازن هشٌّ بين القوى السياسية .
-       النزعة الإقصائية ، حيث تغلب على آليات العدالة الانتقالية التى تمَّ إقرارها فى دول الثورات العربية توجهات إقصائية ، هدفها الانتقام من النخب السياسية المرتبطة بالنظم السابقة دون تمييز .
-       الانقسامات المجتمعية ، إذ تزيد الصراعات الأثنية والطائفية والقبلية من العقبات التى تحول دون تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة .
-       عدالة الحد الأدنى ، وتكمن هذه الإشكالية فى محاولة بعض نظم الحكم وضع حدود على استحقاقات العدالة الانتقالية ، بهدف تفادى إحالة أىٍّ من المسئولين السياسيين أو الأمنيين للمحاكمة ، حيث يتم الاكتفاء بآليات التحقيقات المستقلة ، ومنح تعويضات لأسر الضحايا دون تكريس حقوق التقاضي، وهو ما قد يتسبب فى استمرار الانقسامات وفقدان الثقة في إجراءات إقرار العدالة الانتقالية.
-        تصدع البنية المؤسساتية ، فقد ارتبطت الثورات العربية بكشف إشكاليات مؤسسات الدولة وأزمات الثقة فيما تتخذه من إجراءات ، بينما لم تنجح الهيئات الموازية التى تم تأسيسها لتحقيق العدالة الانتقالية فى إثبات كفاءتها واستقلالها فى مواجهة السلطات التنفيذية .