أثر الفكر القطبي على سلوك الإخوان المسلمين

  • 190

- أسس الأستاذ حسن البنا رحمه الله تعالى جماعة دعوية منفتحة على المجتمع , تلقاها المجتمع بالقبول , وانتشرت بين جميع شرائحه بسرعة كبيرة.
- ثم مرت الجماعة بكثير من المحن والاختبارات وصبت كثير من الروافد الفكرية في نهر الجماعة فتحولت من الجماعة الدعوية المنفتحة للجماعة السرية المنغلقة.
- يتعجب من احتك بجماعة الإخوان المسلمين في هذه الآونة من بعض السلوكيات التي لا تمت لأهل الالتزام في شيء، فقد يتعجب حين يرى استحلالا للكذب وتشويه الخصوم بالبهتان، بل وفبركة الشائعات عن الخصوم ونشرها على أنها حقائق مؤكدة والتآمر ومحاولة السيطرة على الخصوم ولو بزرع عناصر من الإخوان في بنية الخصوم التنظيمية ثم تفجير خصومهم من الداخل، مع الوضع في الاعتبار أن هؤلاء الخصوم هم أبناء نفس الوطن بل أحيانا أبناء نفس التيار.
- والعجب الأكبر حين تجد أن أبناء الجماعة قد توافقوا على تلك السلوكيات المشينة دون أن ينكر بعضهم على بعض، وكأن هذه السلوكيات ليست منكرة بينهم ولا تستدعي أن يستحي بعضهم من بعض.
- والحقيقة هي أن هذه السلوكيات المشينة لا تتعارف عليها طائفة من البشر إلا إذا كان هناك منهج فكري يبرر لأصحاب تلك السلوكيات هذه الذنوب والمعاصي بل ويسول لهم أنها من فضائل الأعمال.
- إذا فتشت عن الفكر "فالسلوك مرآة الفكر"، ولم يعد سرا أن المجموعة المسيطرة على التنظيم منذ فترة هي مجموعة قطبية الفكر، خليط من أعضاء التنظيم الخاص وتنظيم 65.

- فما هي سمات الفكر القطبي؟
" الفكر القطبي فكر: تكفيري، صدامي، مستعلٍ، حالم، ميكافلي، يدمن العمل السري "

- أبرز سمات الفكر القطبي أنه فكر تكفيري، وعلى وجه الدقة فكر يبطن تكفير المجتمع ويتحايل على التصريح بهذا الأمر بأن يصف المجتمع بأنه مجتمع جاهلي أو يقسم المجتمع لثلاث أقسام، مسلم ثبت إسلامه، وكافر ثبت كفره، وكتلة متميعة تشمل باقي المجتمع لا يحكم لها بإسلام. ولا أقول أن جماعة الإخوان المسلمين كلها تكفر المجتمع ولكن على الأقل المجموعة المسيطرة الآن على الجماعة والتيار التابع لها في الجماعة.

"وأثر هذه السمة":
• الانغلاق و العزلة عن المجتمع وتكوين مجتمعهم الخاص. 
• التقارب الشديد مع رموز وتجمعات التيار القطبي مثل الجبهة السلفية و التوقف و التبين مثل عبد المجيد الشاذلي بل إن بعض رموز التوقف والتبين كان يدعى لجلسات يلتقي فيها برئيس الجمهورية السابق د محمد مرسي , فضلا عن التيار السروري الذي حدث بينه و بين الإخوان تمازج تام.
• حالة عدم الثقة في المجتمع ووضع حواجز وسدود بين الجماعة و المجتمع، وهذا يفسر الرغبة في السيطرة على مفاصل الدولة ووضع أبناء الجماعة فقط في هذه المفاصل، فهذا المجتمع الجاهلي من وجهة نظرهم غير مؤتمن.
• حالة من الرغبة من الانتقام من المجتمع تلمح ذلك في التكبير عندما سارت شائعة أن البوارج الأمريكية تقترب من السواحل المصرية أبان اعتصام رابعة، وتمني بعضهم صراحة أن تعاود اسرائيل إحتلال سيناء , يعكس كل ذلك رغبة في الانتقام من ذلك المجتمع الموصوف عند أصحاب الفكر القطبي بالجاهلي.
• غير أنه بعد أحداث رابعة استعلن ذلك الفكر فسمعنا عن وسم الشرطة والجيش "بالكفار"، وكذلك وصف خصوهم السياسيين "بالخونة والمنافقين "، وهذه السهولة واليسر في الانتقال إلى التكفير الصريح ورمي الخصوم بالنفاق بل و" النفاق الأكبر "مؤشر على استبطان هذا الأمر قبل ذلك.

- كذلك من سمات الفكر القطبي أنه فكر صدامي يميل للمواجهة والعنف و العند والأصرار دون النظر في السنن الكونية والشرعية وإعمال قاعدة المصالح والمفاسد،
ومن آثار هذه السمة:
• أحداث الاتحادية، و الإصرار على فض اعتصام المعارضة بالقوة.
• الإعلان الدستوري، دون تنسيق حتى مع مستشاري الرئيس. 
• تعيين محافظين من الإخوان قبل 30 -6 مباشرة، دون النظر لأثر ذلك على ازدياد حالة الاحتقان داخل شرائح المجتمع.
• عدم التعاطي مع مبادرة حزب النور ووصفها بالخيانة.
• تضييع كل فرص التفاوض أثناء نصب الإعتصامات.
• عدم وجود أي أفق لأي حل سياسي والإصرار بعد كل هذا على عودة مرسي، وتحويل الصراع السياسي إلى صراع وجود.

- والفكر القطبي فكر مستعلٍ وهذا الاستعلاء ناتج عن الشعور بأنهم هم أهل الإسلام وسط ذلك المجتمع الجاهلي مستلهما أجواء "دار الأرقم بن أبي الأرقم "، فهم جماعة المسلمين وسط هذا الغثاء، مستحضرين أنهم هم عصابة المؤمنين التي إن هلكت فلن يعبد الله بعد اليوم.
ومن آثار تلك السمة:
• لم يقرّبوا منهم إلا من قبلَ أن يكون تابعا منسحقا تماما وليس شريكا.
• تدمير كل من يخرج ويغادر الجماعة حتى لو كان عضوا بمكتب الإرشاد ( عبد المنعم أبو الفتوح وغيره ).
• أذكر في هذا المقام كلمة أ/صبحي صالح الشهيرة " أن الإخوان لو رشحوا كلبا لنجح في الانتخابات".
• اعتبار أن كل من خالفهم سياسيا خارج عن الصف الإسلامي و خائن ومحارب للدين.

- وكذلك فإن الفكر القطبي فكر حالم يهرب أتباعه دائما من مواجهة الواقع خاصة لو كان أليما ويستعيضون عن التعامل مع الواقع بحالة من العزلة اللاشعورية تصل إلى حد الغيبوبة.
فالفكر القطبي يرى أنهم ليس عليهم إلا أن يأخذوا الخطوة الأولى في الصراع ثم ينزل الله عليهم النصر بعد ذلك فتنقلب الصورة ويتحولون بين لحظة وأخرى من الهزيمة إلى النصر الكاسح،
ومن آثار هذه السمة:
• رفض الاعتراف أن هناك حالة من الاحتقان داخل المجتمع، وأنه لن يخرج يوم 30_6 إلا خمسة آلاف كما صرح أعضاء مكتب الإرشاد قبلها بأيام. 
• وحتى بعد خروج الملايين كان الإصرار على أن من خرج في 30-6 هم مجموعة من البلطجية وأطفال الشوارع.
• ناهيك عن نزول جبريل عليه السلام في رابعة، وصلاة مرسي بالنبي عليه الصلاة والسلام مرورا بادعاءات انشقاق الجيش وصولا للوعود المتكررة بصلاة د.مرسي بهم في رابعة انتهاء بهروب السيسي أو اعتقاله.

- وكذلك من سمات الفكر القطبي توافق أتباعه على أن الغاية تبرر الوسيلة، وهذه أكثر من أن تحصى:
• التحالف مع رموز جبهة الإنقاذ في الانتخابات ثم وصف من يتناقش معهم بالخائن.
• الوعود المتكررة بعد تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية ثم ترشيح د محمد مرسي.
• مقاومة تطبيق الشريعة عندما كانوا في الحكم ثم بعد عزل مرسي ادعاء أن هناك حرب على الإسلام.

- وأيضا من سمات الفكر القطبي الإنغلاق والرغبة في السرية وما كان من عمل ظاهر إنما هو ستار للعمل السري. 
ومن آثار تلك السمة:
• العبارة الشهيرة " على فكرة أنا مش إخوان " أنا مش إخوان بس بحترمهم " وأخيرا " أنا مش إخوان بس هم اتظلموا ".
• ادعاء بعض رموزهم أنهم ليسوا إخوان رغبة في ادعاء أن هناك من يدعم الإخوان من غيرهم، أو رغبة في تدمير خصومهم، كما هو الحال في صفوت حجازي الثوري، وأبو إسماعيل السلفي، ووجدي غنيم التكفيري الجهادي، وعمرو عبد الهادي الليبرالي، وغيرهم.
• اختراع الشائعات والبهتان عن الخصوم والتواصي على نشر هذه الأكاذيب، وإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين وتقليب رموز من بعض الجماعات على جماعاتهم بهدف تفتيت كل من دونهم.
• وحتى عندما وصلوا للحكم كان د محمد مرسي هو الواجهة التي كان يتستر بها مكتب الإرشاد لإدارة شئون البلاد.

- وإن كان من أمل في عودة جماعة الإخوان المسلمين لتلك الجماعة الدعوية المنفتحة على المجتمع والتي يتلقاها المجتمع بالقبول، فالأمل أولا في انحسار الفكر القطبي وتحرر الجماعة من تلك القيادات التي تنتحل ذلك الفكر، وإعادة النظر في المناهج التربوية والفكرية داخل أسر الإخوان وتنقيتها مما فيها من الأفكار التي تتسبب في هذه الجفوة بين الجماعة والمجتمع، ولن يحدث هذا إلا بتحرك القيادات الوسطى التي تعي تماما الفرق بين الفكر "البناوي" والفكر "القطبي"، وعودة الجميع للمنهج الوسطي منهج أهل السنة والجماعة.