كدر الجماعة خير من صفو الفرد!!

  • 225

أمر الله –تعالى- بالاجتماع والائتلاف بين أهل رحمته الذين يحرصون على الاجتماع والأخذ بأسباب الائتلاف؛ قال-تعالى-:"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".
أي:استمسكوا بكتاب الله الذي فيه بيان دينه وبينه رسوله-صلى الله عليه وسلم-حال كونكم مجتمعين عليه غير متفرقين!
ونهانا عن الاختلاف المذموم وأسبابه:فقال-تعالى-:"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات..".

وأخبرنا –صلى الله عليه وسلم –أن الاختلاف كان سبب هلاك الأمم السابقة فقال:"فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم"رواه البخارى ومسلم.
وحذرنا –صلى الله عليه وسلم- من العداوة والبغضاء فقال: "إياكم وسوء البين فإنها الحالقة".
أي:احذروا العداوة والبغضاء فإنها الحالقة التي تحلق الدين كما يحلق الموسي الشعر!.
وقال: "لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً".

وأمرنا بالأخذ بأسباب الاجتماع والائتلاف؛ فقال-عز وجل-: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم".
وقال-صلى الله عليه وسلم-: "لا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم". وكان أول ما قال النبى-صلي الله عليه وسلم- عند مقدمه المدينة: "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".
وهذا لفائدة عظيمة ظهر أثرها فيما بعد حيث بُني مجتمع يتحاب أفراده ويتراحمون فكانوا –بحق– كالبنيان المرصوص! تمكن بهم من مواجهة أعداء الخارج وأعداء الداخل من اليهود والمنافقين!
وقال-صلى الله عليه وسلم-: "تهادوا تحابوا".

ولتحقيق هذه الغاية بيّن أنواع الاختلاف وما يجب أن يكون عند كل نوع من أنواع الاختلاف للمحافظة على وحدة الأمة المسلمة! ولقد استقرأ العلماء أنواع الاختلاف الواقع في الأمة إلى نوعين: اختلاف التنوع واختلاف التضاد.

فأما اختلاف التنوع فهو ما لا يكون فيه تناقض بين الأقوال؛ بل الأقوال كلها صحيحة كوجوه القراءات وأنواع التشهد، ويدخل فيه –على الصحيح –قوله-صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"
فانقسم الصحابة –رضي الله عنهم – في فهمه وتطبيقه إلى قسمين: فقسم فهم منه أنه يلزمه أن يصلى العصر في بني قريظة فأخر العصر حتى وصل إلى بني قريظة. وقسم فهم أنه لم يرد منهم إضاعة وقت الصلاة فصلاها في الطريق، ففعل! ولم يعنف النبي صلي الله عليه وسلم-أيا من الفريقين؛ بل لم ينقل أنه صوب طائفة وخطّأ طائفة! وهذه سنة تقريرية عنه صلى الله عليه وسلم دلت على صحة فعل كلٍ من الفريقين.

والجماعات الإسلامية المعاصرة فيها شىء من هذا النوع من الاختلاف، فبعض الجماعات اهتمامها الأكبر بالعلم والبعض اهتمامه الأكبر بالدعوة والتبليغ والبعض الآخر اهتمامه بالسعي على الفقراء والمساكين، وغير ذلك. ولا شك أن هذا التنوع مطلوب وليس بمذموم، بل تحقيق التكامل فيه بين الاتجاهات الإسلامية هو ما يحقق للصحوة كل خير شريطة اجتناب أمراض التعصب الأعمى والقلوب واللسان، وترك تحقير أعمال الآخرين التي تؤدي إلى الأحقاد والضغائن ومن ثم السخرية والبهتان والغيبة والنميمة والاتهام بالباطل وغيره.
ومن حقّر أعمالنا لا نحقّر عمله بل نذكره بفضيلة عملنا وعمله، مع نشر روح المحبة والاجتماع على الخير ومدح صاحبه. ولا يجوز أن يعقد الولاء والبراء على هذه الأعمال والأولويات وتقديمه على الولاء لله ولدينه ولرسوله-صلى الله عليه وسلم-ومنهج أهل السنة بشموله.
والواجب أن تكون العلاقة بين هذه الجماعات هو التنسيق والتكامل- رغم الاختلاف المنهجي الذي غالبه من اختلاف التضاد- لا التشويه والهدم! وإن سعى أحد لهدمك فرد عدوانه بحجة لا بسب أو شتم، ودع بذاءته على نفسه!.

وأما اختلاف التضاد فهو: أن يكون كل قول من أقوال المختلفين يضاد الآخر ويحكم بخطئه أو بطلانه، وهو ينقسم إلى سائغ غير مذموم وغير سائغ مذموم.
أما السائغ فهو ما لا يخالف نصا من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعا قديما أو قياسا جليا سواء في الأمور الاعتقادية –وهذا نادر –أو في الأحكام العملية. ومثل هذا الخلاف لا إنكار فيه ولا تتغير من أجله القلوب والأبدان إلا على سبيل النصيحة بالدليل من عالم بالمسألة.
وأما غير السائغ فهو ما خالف نصا من كتاب أو سنة أو إجماعا أو قياسا جليا لا يختلف فيه سواء كان في الأمور الاعتقادية أو العملية، وهذا الخلاف يوجب الإنكار بضوابطه- راجع:"فقه الخلاف".

- وورد الأمر بلزوم الجماعة الذين هم أهل العلم في كل عصر ، قال-صلي الله عليه وسلم-:"يد الله على الجماعة فإذا شذ الشاذ منهم اختطفته الشياطين كما يختطف الشاة ذئب الغنم". صحيح بشواهده، رواه أحمد.
أي: "سكينته ورحمته مع المتفقين وهم بعيد من الخوف والأذى والاضطراب فإذا تفرقوا زالت السكينة وأوقع بأسهم بينهم وفسدت الأموال"، تحفة الأحوذي6/323.
وفيه تحذير شديد من الخروج عنهم، وهذا يكون من ضعف الإيمان الذي ينبغي أن يستدرك، فبداية سعي الشيطان للانفراد بالإنسان أنه يبعده عن الجماعة ثم ينفرد به! فيأتي للعبد ويوسوس له بعيوب إخوانه ويكون مشغولاً بها عن عيوب نفسه، أو يجعله يقع في أهل العلم، ولا شك أن هناك أخطاء لكن ما يكرهه الإنسان في الجماعة خير مما يحبه في الفرقة والابتعاد كما قال ابن مسعود-رضي الله عنه-: "عليكم بالسمع والطاعة فإنها حبل الله الذي أمر به، ثم قبض يده وقال: إن الذي تكرهون في الجماعة خير من الذي تحبون في الفرقة". الشريعة للآجري.
وكما روي عن أحد السلف: "كدر الجماعة خير من صفو الفرد".

- ومن يعمل مع جماعة دعوية على منهج أهل السنة والجماعة فعليه أن يلتزم التواضع والتراحم والتناصر لإعلاء كلمة الله، وأن يلتزم بقراراتها طالما كانت عن آلية الشوري ومن أهل العلم بالشرع والواقع! 
وإلا انهدم العمل المؤسسي، وهنا أذكر موقف الشيخ محمد إسماعيل المقدم من انتخابات الرئاسة الذي وضحه في محاضرته القيمة "بين صفو الفرد وكدر الجماعة"! الذي ينبغي أن نتعلم منه جميعاً خاصة في هذه الفترة التي تتعرض له الدعوة لحرب ضروس، والبعض اتخذ من الحزب ذريعة لهدم الدعوة!!

وأنا ألخص هذه الكلمات الطيبة -بتصرف- التي ما أحوجنا إليها الآن، يقول: 

"بعد إبلاغه للهيئة الشرعية أنه مقتنع بترشيح د/محمد مرسي على أسس محددة، وطلب منهم إعطاءه صوته لكن لا يعلن اسمه، وأخذ عليه عهدا بذلك،لأنه لم يتمكن من الاجتماع بالإخوة في الدعوة لمعرفة موقفهم وقد حاول الاتصال بهم لكنه لم يتمكن.
وفي مجلس الشوري انتهى التصويت بالأغلبية لصالح الدكتور (أبو الفتوح)،
لا أدري لماذا يوجد عند الإخوة مبالغات شديدة جداً.الخلاف بيننا أمر واقع ويقع كثيرا، وهي ظاهرة صحية جداً كما ذكرت مراراً، فكل شيخ له اختياره الشخصي، وعند التصويت يكون صوت فلان يساوي صوت أي أخ من الإخوة الأفاضل التي ستشارك.هذه هي الآلية الموجودة المتفق عليها. ما المشكلة في أن الشيخ له اختيار شخصي يخالف اختيار الأغلبية، فكل واحد له معاييره واجتهاده في الترجيح، فالشيخ ياسر اختار الدكتور العوا وأنا اخترت الدكتور محمد مرسي، وكل أخ من أعضاء المجلس اختار، وهؤلاء ليسوا إخوة عاديين، فكل واحد منهم عمدة في بلده، ويقود الدعوة وعلى علم ودراية، وبالتالى نحترم آراءهم! إذن الآلية هي احترام رأي الأغلبية مع وجود الاختلاف وهذا شىء عادي في العمل الجماعي، فإما أن نحترمها وإما أن نغيرها أو نعدلها وليس هناك وقت لذلك ولا نرغب في تعديلها، أو نكون انتقائيين! فأرضى إن وافق رأيي وأخالف إذا خالفوا رأيي! وهذا  معناه أن نكسر المبدأ؛ لأنك لو أعطيت هذا الحق لنفسك فيصير من حق كل أحد،وهذا يساوي الفوضى ثم انهيار العمل الجماعي في النهاية، أو أنه يتحرر من قيود العمل الجماعي إلى فضاء أرحب وأوسع، فيلزمه حينئذ أن يفصل بين انتمائه للدعوة وبين انتمائه إلى هذا الفضاء الأوسع ليعبر عن رأيه بحرية.
هذه خيارات موجودة ولا شك أن الخيار المتاح أمامنا في اللحظة الراهنة هو الالتزام برأي الأغلبية مع الاختلاف في الرأي. فأنا أؤيد الدكتور محمد مرسي كشخص لكن أنا ملتزم بقرار الأغلبية الذين هم إخوة نثق بهم ونرتضي إخلاصهم، وأنهم لا يريدون إلا الخير للإسلام والدعوة. أعتقد أن هذا من أبجديات العمل الجماعي!.
 
ثم لفت النظر إلى مبدأ مهم جداً وهو أن التشتت في مثل هذه اللحظات الحرجة جدا يهدد كيان الدعوة السلفية الذي تعب فيه ناس كثيرون جداً،بذلوا فيه زهرات شبابهم وأوقاتهم وصبروا على الأذى والاعتقالات والملاحقات الأمنية! فنقول نلتزم بالعمل الجماعي حتى لو خالف الاختيار الشخصي كي نحافظ على الكيان!الذي نعتبره أقوى وسيلة لتحقيق غاية سامية؛ خدمة هذا الدين.
العنوان الذي يلخص لنا هذا الموقف هو:"كدر الجماعة فوق صفو الفرد"!! نبقي مجتمعين ولو في نوع من الكدر والاختلاف أفضل من تشتيت الدعوة والقضاء على هذا الكيان الذي نشرف بالانتماء إليه!
إن قوة الدعوة السلفية في استقامة منهجها على منهج أهل السنة والجماعة ثم في وحدة كلمتها! فلو خرج قرار جماعي ولو ظهر فيما بعد أنه خطأ أهون من أن كل واحد يقول رأيا ثم نتفرق كالخراف الضالة في الصحراء تنهشها الذئاب، ولا يبقى لنا وزن!." 
إلى آخر كلامه الطيب الذي يحتاج إلى مراجعة من الإخوة ونشره.

وفي تعليق الشيخ ياسر على فتوي بخصوص موقف الشيخ محمد إسماعيل قال:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمعنى الكلام واضح جدًا أن اختياره الشخصي "في التصويت داخل الدعوة" كان للدكتور "محمد مرسي"، ولكنه يقدِّم الاجتهاد الجماعي، فهو يلتزم بقرار الدعوة بتأييد د. "عبد المنعم أبو الفتوح"، فهذا هو القرار النهائي؛ وإلا لما كان لهذا الالتزام معنى أصلاً! ولا معنى لوجود كيان لا يلتزم أفراده بقراره الجماعي."

فهل نعي ذلك، ثم نراجع مواقفنا أم....؟