بين حزب النور والإخوان .. المسار والنتائج

  • 186

كلما تحاوَرتُ مع مؤيد للإخوان سألني : "ماذا حقق حزب النور من مكتسبات بناء على موقفه من 6/30 وما تلاها من أحداث 7/3 ؟" ،

والجواب أن أكبر المكتسبات التي حققها حزب النور هي الحفاظ على أبنائه ( دمائهم ، وحرياتهم ، وأفكارهم من أن ينجرفوا إلى أفكار التطرف التي كانت بضاعة رائجة على منصة رابعة العدوية ) ، بينما صار الإخوان -الآن- مُنتهى آمالهم هو أن يخرجوا من السجون بعد الصدام غير المتكافيء الذي ورطوا أنفسهم وأبناءهم ومؤيديهم فيه ، والذي ينبغي أن يُعْلَمَ هاهنا أن الصدام والتصعيد لا يمكن أن يكون أبداً مقصوداً ومُراداً لذاته شرعاً، فطلب الشهادة يكون في مَوْضعه ومحله إذا ترتب عليه إعزاز الدين وظهوره ( التضحية بالنفس وهي إحدى الضرورات يكون مُرَغَّباً فيها من أجل تحقيق مصلحة الضرورة الأعظم وهي "الدين" ) ، أما إذا كانت التضحية بالنفس لا يترتب عليها مصلحة في الدين، فحينها تكون المحافظة على النفس "وهي الضرورة التالية للدين في الأهمية" أولى لأنه يترتب عليها مصلحة النفس في العاجل بمنع إهدارها، ومصلحة الدين في الآجل ببقاء العبد مُوَحِّداً لربه عابداً يسعى لنصرة دينه الممكنة في مَوْطنٍ آخر، وتلك هي الحكمة المقاصدية لقوله -تعالى- ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ) ، والمقارنة بين موقف غلام أصحاب الأخدود وموقف خالد بن الوليد في مؤتة تُنبيك بالمقصود -بإذن الله- ، فإنما ضحى غلام أصحاب الأخدود بنفسه لما في ذلك من مصلحة الدين "وقد كانت مصلحة عظيمة إذ آمن الناس كلهم" ، بينما انسحب خالد بالجيش وترك المواجهة لأن الاستمرار فيها سيؤدي إلى تضييع الأنفس بدون أي فائدة وقد مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله وصنيعه، بل وسماه فتحاً ، أقول : إذا لم يُحَقِّق حزب النور إلا المحافظة على أبنائه ومنع جَرِّهم إلى مواجهة غير متكافئة ليس فيها مصلحة لا في دين ولا دنيا لكان ذلك كافياً ، فكيف إذا تحققت مصالح أخرى ؟

ستقول لي : "مثل ماذا ؟"،
والجواب : مثل المصالح التالية :
*إيجاد موطيء قدم في الحياة السياسية لمن يرغب في ممارسة السياسة على مرجعية إسلامية .
*إزالة ما علق في أذهان الناس من سلبيات ونفور عن أصحاب السمت الإسلامي بسبب الممارسات الفجة للإخوان ومناصريهم من سب وتخوين واتهام بالنفاق والعظائم لكل مختلف عنهم في الرأي السياسي ، ( والحقيقة أن الناس لم يروا مشروعاً إسلامياً كما يزعم البعض ، بل رأوا مشروعاً إخوانياً فيه قدر كبير من الفجاجة في الممارسة والتطبيق، والمزايدة الرخيصة على الدين ، ويتحمل مسؤولية كل هذا جماعة الإخوان ومن ناصرها على تلك الممارسات ، أما المشروع الإسلامي -حقاً- فهو بريء من كل ذلك ) .
*حصول قدر لا بأس به من التأثير الإيجابي في مشروع الدستور ( بسبب رغبة اللجنة في الوصول إلى التوافق ) ، فقد تسبب وجود حزب النور في النص على مرجعية الشريعة في الدستور بشكل أكثر وضوحاً ، وكذا في منع مواد ونصوص فيها مخالفات ، ستقول لي : كيف هذا ؟
والجواب : تلك قصة أخرى يأتي بيانها لاحقاً -بإذن الله- ، ولكن ما يهمني الآن بيان أن المسار الذي سلكه حزب النور كان المسار الوحيد المنطقي والعقلاني لتقليل النزيف حتى لو لم يترتب عليه أي مصلحة ، فكيف وقد شاهدنا آثاره الإيجابية -مما سبق ذكره- بأم أعيننا ؟!!

وعلى أي حال، ستظل هناك أسئلة تاريخية حاضرة في أذهان العقلاء الغيورين شاهدة على فشل الإخوان في إدارة الأزمة وهي: 
[ ماذا حقق المسار الذي سلكه الإخوان -حتى الآن- من مكتسبات ؟
وماذا لو حضر الكتاتني جلسة 7/3 التي كان مدعُوَّاً لها كرئيس لحزب الحرية والعدالة ؟
وماذا لو دخل الإخوان في تفاوض حقيقي مع السلطة أثناء اعتصام رابعة العدوية -وقد طُرِح ذلك أكثر من مرة- ؟ ]
.

والواقع أن جماعة الإخوان لم تسلك شيئاً من تلك المسالك المذكورة لأنها راهنت -فيما بعد 7/3- على عدة رهانات غير واقعية ، وقد انحصرت تلك الرهانات في ثلاث اختيارات ؛ إما محاولة إنتاج ثورة شعبية وإعادة تصوير مشهد 28يناير2011 ، أو المراهنة على انشقاق الجيش ؛ أو التدخل الغربي ، وقد تَبَيَّن بالتجربة العملية فشل تلك الرهانات الثلاثة ، الإشكالية هاهنا أن تحقيق أحد تلك الخيارات الثلاثة تطلب تصعيداً في لهجة الخطاب السياسي ، ومحاولة صناعة تعبئة عامة للشباب بمفردات من قبيل ( رقابنا فداء للشرعية ) ، و ( لدينا مشروع شهادة ) ، و ( كم شهيداً تريدون ؟! ) و ( حق الشهداء ) ......... إلخ ، فلما فشلت تلك الخيارات التي راهنت عليها جماعة الإخوان وقع قادة الإخوان ومناصريهم في حرج شديد ، إذ أن خطاب التعبئة كان بمثابة إحراق السفن التي يمكن العودة إلى العملية السياسية من خلالها ، وأي محاولة -بعد ذلك- للعودة إلى عملية سياسية كانت سيكون لها أسوأ الأثر على نفوس الأتباع والمناصرين والقواعد ، والأخطر من ذلك أنه سيشكل اعترافاً صريحاً بالفشل في إدارة الأزمة ، ومن ثَمَّ صار رهان الجماعة الوحيد هو الظهور بمظهر الصمود لمحاولة إدراك المستقبل البعيد من خلال بكاء المظلوميات والتغني بالبطولات لاستجلاب التعاطف والدعم السياسي ، وهو ذات الأسلوب الذي تعاملوا به مع محنتهم الأولى في 1954 وما تلاها، الذي كان يهدف بشكل رئيسي للتغطية على فشلهم في إدارة المرحلة سياسياً واستعجال الصدام مع جمال عبدالناصر...
ذلك الأسلوب جعل معظم المتدينين يشعرون بأنه من الواجب عليهم أن يدعموا الإخوان سياسياً لتعويضهم عما عانوه من مظالم وأهوال في سجون عبد الناصر ، والمهم هاهنا أن ندرك أنه لا تلازم بين المظلومية والدعم السياسي ، فالتفكير المنطقي والموضوعي يُرَتِّب على ثبوت المظلومية -حقاً- لطرف ما التعاطف معه من تلك الزاوية -وهذا هو الحد الأدنى- ، وكذلك الدعم الحقوقي لذاك الطرف المظلوم "محاولة الأخذ له بحقه لمن يقدر على ذلك" ، أما صحة الأفكار من خطئها فلا علاقة لها بالمظلومية ولا التضحيات ، وكذلك الدعم السياسي لا ينبغي له أن يتعلق بالمظلوميات أو التضحية ، وإنما يجب أن يُبنى على معايير موضوعية مثل الأفكار والبرامج والاتساق في المواقف والصراحة والشفافية وإدارة الأزمات السياسية ....... إلخ.

والأهمُّ حالياً أن يُدرك الشباب أننا غير ملزمين باتخاذ ذات المواقف التي يتخذها طرف فاشل ، قد اضطر لإظهار الصمود اضطراراً بسبب عدم قراءته للواقع السياسي ، وسوء تقديره للمستقبل ، ومراهنته على ما هو أوهى من بيت العنكبوت ...

لسنا مضطرين أن نعزل أنفسنا عن المجتمع والحياة السياسية كما عزل الإخوان أنفسهم ، بل الخيارت أمامنا كلها مفتوحة لتحقيق المصالح ودرء المفاسد التي لا بد في الموازنة بينها من إدراك المعايير والموازين الشرعية ، والله المستعان .