دستور 2013.. نعم ولكن!

  • 228

الدستور هو ذلك العقد الاجتماعى الذى ينظم حركة المجتمع والعلاقة بين مواطنيه ومؤسساته، شريطة أن يأتى متوافقًا مع إرادات هؤلاء المواطنين على العكس مما كان فى السابق يأتى إما منحة من الحاكم أو تضعه نخبة محدودة لا يشارك المجتمع وأفراده فى صياغته.

ولكن، مع اتساع المفهوم الديمقراطى فى إدارة شئون الدولة، ومع دخول المواطن دائرة العمل السياسى بصورة واسعة تأكدت الحاجة إلى وجود مشاركة فى صياغة هذا النص.

وإن ظلت هذه المشاركة فى بلدان العالم الثالث – كما يطلق عليها البعض ومن ضمنها الدول العربية- محدودة أو مقصورة على مجرد المشاركة فى الاستفتاء والذى يأتى غالبًا بالموافقة على نصوصه.

إلا أنه مع هبوب رياح الربيع العربى وتزايد دور المواطن فى إدارة الشأن العام، لم يعد مقبولاً أن تُصاغ الدساتير دون مشاركة فعلية وحقيقية فى وضع نصوصها، فقد اتسعت المشاركة المجتمعية من مختلف القوى السياسية والاجتماعية والتنظيمات النقابية والمهنية فى إعداد النص وصياغته، ولعل التشكيل الذى جاءت به لجنة الخمسين وإن كانت عليه بعض الملاحظات أو التحفظات، لم ينعكس فيما خرجت به الوثيقة الدستورية المعروضة الآن للاستفتاء.

فلا شك أن هذه الوثيقة جاءت ملبية لجزء كبير من تطلعات ومطالب فصائل عديدة من المجتمع، وهو ما يجعلنا نتفق مع ما ذكره رئيس لجنة الخمسين السيد عمرو موسى حينما وصف هذا الدستور بأنه "دستور من نوع خاص راعى الواقع ومتطلباته"، فهل صحيح أنه من نوع خاص أم أنه يعكس حقيقة ما تعارف عليه العالم فى وضع الدساتير بأنها قائمة على فكرة المواءمات والتوافقات بين مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية؟

ودون الدخول فى جدال حول طبيعة هذا الدستور وجب أن نسجل ملاحظتين:

الأولى: أنه ليس صحيحًا ما يدعيه البعض بأن هذا الدستور جاء معبرًا كلية عن تطلعات وطموحات الشعب المصرى التى أعلنتها أحداث 25 يناير و30 يونيو، فصحيح أن كثيرا من النصوص الواردة فى الوثيقة الدستورية نصت على أهداف الثورة كالعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، إلا أنه من الصحيح أيضًا أن كثيرا من النصوص أيضًا وخاصة تلك المنظمة للعلاقة بين السلطات الثلاث فى الدولة وهى (التشريعية والتنفيذية والقضائية) كانت فى حاجة ماسة إلى صياغات أكثر إحكامًا، لتبعد طبيعة النظام السياسى عما كان قائمًا ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير. فعلى سبيل المثال رغم ما يدعيه البعض من أن النظام السياسى الذى تبناه الدستور المعدل هو نظام شبة رئاسى أو رئاسى برلمانى، إلا أن هناك بعض النصوص لم ترد فى دساتير الدول التى تتبنى مثل هذه النظم كالدستور الفرنسى، وذلك حينما نجد أن هناك سلطة للبرلمان فى سحب الثقة من رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب وبالإرادة الشعبية.

ففى النظم المختلطة ما دام أن الرئيس لم يأت من البرلمان، فهو غير مسئول أمام البرلمان وإنما مسئول أمام الشعب الذى اختاره، بل الأكثر من ذلك كيف تُسحب الثقة من الرئيس دون أن يسبقها الإجراءات المعتادة فى سحب الثقة كما يحدث مع الحكومة المسئولة أمام البرلمان، وإن كان المبرر الوحيد الذى أجده فى وضع هذا النص هو ما حدث فى الثلاثين من يونيو، فقد كان لهذه الأحداث انعكاس على اللجنة عند تعديلها للدستور وهو أمر واجب إعادة النظر فيه لأننا نضع دستورا ينظم المستقبل دون أن يتخلى عن الماضى أو يقفز على الحاضر.


الثانى: أنه ليس صحيحًا أيضا ما يدعيه البعض بأن الدستور جاء مخيبًا للآمال ومعبرًا عن انحيازات لقوى ومتجاهلاً مطالب أطراف أخرى.

وإنما الحقيقة أن الدستور كما نعلم جميعًا ليس نصًا مقدسًا وإنما هو مجهود بشرى يسرى عليه الخطأ والنسيان، بما يجعل من المهم لدى جميع المهتمين والمعنيين أن يقوموا على دراسة هذه الوثيقة الدستورية بصورة موضوعية دون انحيازات فكرية أو انتماءات أيديولوجية لتقييم ما ورد بها من نصوص، وصولاً إلى العيوب الواردة فيها سواء أكانت عيوب فى الصياغات كما هى موجودة فى كثير من النصوص، أو عيوب فى تناول قضية معينة أو تنظيمها على نحو معين.

ولعل ما قام به مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية الذى أشرف بالانتماء إليه من تنظيم حلقة نقاشية جمعت نخبة من الخبراء والمتخصصين تعتبر خطوة على الطريق تحتاج من بقية المراكز البحثية أن تعكف على دراسة هذه الوثيقة للخروج بما يمكن أن يطور من نصوصها أو يرتقى بأدائها، ويتم إعداد مذكرة تفصيلية حول نصوص المواد المطلوب تعديلها لعرضها على أول برلمان منتخب، وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد على أن الأهم الآن فى هذه اللحظة هو السعى لاستكمال الخطوات المرسومة لبناء الدولة العصرية بعد التوافق على الدستور فى الاستفتاء الشعبى للانتقال إلى الخطوات التالية المتمثلة فى الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية دون تباطؤ تحت أية دعاوى أو مبررات، فالأوضاع السياسية والاقتصادية وظروف المعيشة لم تعد تحتمل العودة إلى نقطة الصفر.

نهاية القول إن الوثيقة الدستورية المعروضة للاستفتاء على الشعب فى قراءتها الأولية تظل مقبولة إلى حد معين، بما يسمح بالموافقة عليها مع احتفاظنا بما لنا عليها من ملاحظات يتم تجميعها وعرضها على أول برلمان منتخب لإدخال ما يراه من تعديلات تستكمل بها الوثيقة الدستورية قبولها المجتمعى، وهو ما يدفعنا إلى أهمية التركيز على الانتخابات البرلمانية القادمة والتى تمثل الخطوة الصلبة فى نجاح خريطة الطريق، فالمسئوليات الجسام والمهام الوطنية التى سيتحملها البرلمان القادم خاصة بعد أن أصبح غرفة واحدة، تستوجب من المواطنين درجة عالية من الوعى فى حسم اختياراتهم وتصويتهم لمن هو الأجدر على التعامل مع تلك المرحلة وتعقيداتها وتشابكاتها حتى لا نعود إلى نقطة البداية بما يدخلنا جميعًا فى حلقة مفرغة لا نهاية لها.