الصحّافون الجدد!

  • 205

التحليل السياسي هو عملية البحث في الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعلات بين القوى السياسية في المجتمع وتفسير علمي واضح لنوع العلاقات بين هذه القوى السياسية الداخلية والخارجية، أو بشكل أبسط هو محاولة قراءة الواقع للخروج بدلالات يُستشرف بها المستقبل ويُتوقع ما يحدث فيه، وكلما كان صاحبه متجرداً عن الهوى والانحياز كلما كان تحليله أقرب للموضوعية والصدق، بخلاف من ينحاز لرؤية سياسية مسبقة فهو يحاول جمع الشواهد من الواقع لكي يخرج بنتائج تثبت صحة رؤيته وانحيازاته السياسية، وقديماً قالوا أن طالب الحق يستدل ثم يعتقد ومتبع الهوى يعتقد ثم يستدل!

وهو ما يضطره لتفسير الأحداث تفسيراً متعسفاً للخروج بالنتيجة التي يريد، ولا أزال أذكر تحليل بعضهم لنظرة السيسي وطريقة جلسته في خطاب مرسي للخروج بنتيجة أن الجيش سيبقي مؤيداً للشرعية مهما كان، وكل عاقل يدرك أن الجيش الذي تخلي عن مبارك لمّا خرجت عليه الجماهير لن يتمسك بمرسي لو حدث مثل ذلك، ولكن كان يراد إيهام الأتباع بأن الأمور تحت السيطرة كما اعترف بذلك عاصم عبد الماجد مؤخراً على قناة الجزيرة قائلاً أن الرئيس أوهمهم ذلك!

كان يراد الدفع بالشباب في معركة الدفاع عن كرسي الرئاسة بأي ثمن، وكان يتطلب ذلك رفع الروح المعنوية وشحن الشباب ولو كان ذلك بترويج الأكاذيب و(العيش في الأوهام) والاعتماد على أضغاث الأحلام!

كل شيء كان يتم تحليله في هذا الإطار.. أصابع مرسي.. نظرات السيسي وجلسته.. خطاب التحذير الأول والزعم أنه موجه للمعارضة .. الخطاب الثاني..

لا يزال سعيد الصحاف (وزير إعلام صدام حسين) عالقاً في الذاكرة وهو يمارس خداعه للعالم العربي أجمع بحديثه عن هزيمة العلوج والإيقاع بهم بينما كانت القوات البرية الأمريكية تواصل تقدمها نحو بغداد، وفي آخر مؤتمر صحفي له يوم سقوط بغداد قال أن الأمريكان ينتحرون الآن بالآلاف عند أسوار بغداد! وسقطت بغداد وفر هارباً إلي الإمارات مع أسرته تاركاً الشعب العراقي في مواجهة آلة الموت الأمريكية.

متابعة بسيطة لبعض ما يروج باسم التحليل السياسي الموضوعي (زعموا) تدرك أن أصحابها تجاوزوا حالة الصحاف بكثير فالأول قد توقف عن الكذب بمجرد سقوط بغداد، أما هؤلاء فيكفيك إن تطالع ما كانوا يروجونه قبل وبعد 30/6  بأسبوع فقط وأنت تدرك بوضوح أننا أمام "صحافون جدد"، وأن الأمر تجاوز مرحلة التحليل ليصل للتطبيل بل والتدجيل!!

فبعد خداع الشباب بواقع غير موجود وتقديم تبرير للشيء ونقيضه لم تعد معطيات الواقع -ولو بالتعسف- قادرة على إغاثتهم فلجؤوا إلي ترويج الشائعات والأكاذيب بدءاً من انشقاق الجيش الثاني والحرس الجمهوري واغتيال السيسي والاعتماد على الرؤى والمنامات والحديث عن تلقي حزب النور ??? مليون دولار... إلخ، قائمة طويلة من الأكاذيب يراد منها إثبات صحة موقف طرف وتشويه أي رؤية مخالفة لها باتهام أصحابها بالعمالة بناءً على أكاذيب وافتراءات، وهم أنفسهم الذين لم ينبتوا بكلمة عن تسريبات مجلس شوري الإخوان وهم يتحدثون صراحةً عن تفهمات أمريكية وقبول لهم وإملاءات أخرى تقضي بإبعاد السلفيين!!

ما زلت أذكر بمزيد من الأسى بعض الشباب والطيبين الذين كنت أحاول نصحهم بقراءة الواقع، وهو من الوضوح بقدر لا يحتاج لمتخصص لكي يقرأه فإذا به يندفع في وجهي قائلاً: أنتم من تخذلوننا ويقسم بالله أن مرسي راجع وأن اعتصام رابعة لن يفض! اعتماداً على مثل هذه التحليلات التي أتحدث عنها!

كان بعضهم يتحدث عن مركزية اعتصام رابعة في مواجهة الجيش وبعد الفض إذا به يتحدث عن مزية ذلك وأهمية عدم التواجد في بقعة واحدة وانتشار الحراك الثوري! كانوا يتحدثون عن خطورة التفاوض وأنه خيانة ولما خرجت دعوة التحالف للحوار صاروا يتحدثون عن صواب ذلك وضرورة مواكبة المسار الثوري بجوار السياسي وأجزم أن جماعة الإخوان لو اتخذت قراراً بإيقاف التظاهرات والدخول في التفاوض لخرجوا يطبلون لذلك.

جناية هؤلاء على شباب التيار الإسلامي كبيرة ومسؤوليتهم عن الدفع بالشباب في أتون صراع سياسي (غير متكافئ) على الكرسي واضحة، والأولى بهم أن يقدموا اعتذاراً لمن خدعوهم بدلاً من الاستمرار في دور (المبرر) السياسي.