الحزب وثبات المبادئ

  • 278

بالنظر إلى ما حدث في دستور 2012، وتعديلات 2013، يرى المحلل المنصف ثبات المبادئ والأهداف لدى حزب النور، بغض النظر عن مواقف الغير، وعن المتغيرات السياسية، فقد كانت الأهداف العامة للحزب في الدستور 2012 هي:

أولا: تقرير دستور موافق للشريعة، أو على الأقل خالي من المخالفات الفجة المستعصية على التأويل، بحيث يمكن بعد ذلك المشاركة السياسية في ظله، أو القسم عليه.

ثانيا: إيجاد الأثر القانوني الذي يلزم أجهزة الدولة بعدم مخالفة الشريعة، ويلزم المحكمة الدستورية بإبطال هذه المخالفات متى عرضت عليها.

ثالثا: إسناد أمر الشريعة إلى المؤسسة الدينية.

رابعا: ضبط الألفاظ التي اعتاد القانونين إطلاقها، والتي قد يكون في إطلاقها مخالفة شرعية (حتى لو كان المتحدث يعنى بها معنا صحيحا)، وهذا بطريقة من إحدى هذه الطرق:
أ‌-ضبط في ذات المادة.
ب‌-وضع قيد في مادة أخرى.
ج‌-تضمين المضابط تفسيرات شرعية للعبارات المجملة.

وتم التوصل إلى النتائج الأتية:
1.   تم وضع المادة 219 كما تقدم.
2.   تم إضافة المادة الرابعة، التي تتحدث عن مرجعية هيئة كبار العلماء في شئون الشريعة.
3.   تم وضع المادة 81، والتي تضبط باب الحريات بباب المقومات.
4.  تم وضع صياغة لمادة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، بما يدفع عنها احتمال تضمنها استحلال المحرمات.
5.  تم تجويد صياغة عدد من المواد، ووضع كلمة الشورى بجوار الديموقراطية، ووضع مادة عن الوقف، ووضع في المشروع الولي مادة عن الزكاة، إلا إنها حذفت أثر تهديد الكنيسة بالانسحاب.

وبالعودة إلى التعديلات الدستورية 2013 نجد حزب النور انتهج نفس السياسية، في ظروف سياسية غاية في الصعوبة، وفي ظل احتقان في الشارع، ثبت على أهدافه التي ذكرنها، مما ترتب عليه النتائج التالية:

1. تم التغلب على مشكلة المادة 219 بالإحالة على (مجموع أحكام المحكمة الدستورية) مع وضع الأحكام المطلوبة في مضبطة مستقلة، والنص على ذلك في الديباجة، مما يجعلها كافية تماما للدلالة على المقصود.

2. تم الحفاظ على مادة مرجعية الأزهر، وجعل ذلك في العلوم الإسلامية، والشئون الدينية.

3. مادة أن الدستور كله وحدة موضوعية واحدة، أغنت عن المادة 81 في دستور 2012، وعن قيد عدم مخالفة الشريعة في مادة .

4. تم العودة لصياغة مادة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، مع محاولاتنا في تعديل النص، ولكن كانت هناك تخوفات شديدة، من أن يكون المقصود من التعديل هو السماح للقضاة بتطبيق التشريع من عند أنفسهم.

إلا أن الأمر تم علاجه من عدة جهات:
أ‌- المادة التي تتحدث عن أن الدستور وحدة واحدة.
ب-‌ تضمين المضبطة حكما من أحكام المحكمة الدستورية، يصف شرب الخمر بأنه "من جرائم الحدود في الشريعة الإسلامية"، وهو الحكم رقم 141 لسنة 4 قضائية
ت-‌ وجود عدة مواد تجرم أفعال معينة لم يصدر بها قانون بعد، وهذا كله كاف لتقييد لا جريمة بأنها "جريمة مقدر عليها عقوبة نافذة في الوقت الحالي".

5. مادة "تجريم سب الأنبياء والرسل"، تم الإثبات في المضابط أنها من الثوابت لدى الشعب المصري، وإن كان تم حذفها؛ لأن مكانها القانون، ولوجود حساسية لدى البعض من كثرة المواد ذات الصبغة الدينية، ولكن لا يوجد أي شيء يستفاد منه الإباحة، وقد كانت مسودات دستور 2012 تتضمن تجريم سب الصحابة، وتم حذفها أثناء المناقشات لنفس العلة.

6. النص على "حكومتها مدنية"، عندما أصر البعض على وضع كلمة مدنية، وهي عندما تأتى وصفا لحكومة؛ تؤكد معنى الرفض التام لذكر العالمانية صريحة كانت، أو مقنعة.

لابد هنا نفرق بين الجانب التأصيلي، والجانب العملي التطبيقي، وبين المأمول والمتاح؛ فالدستور كله هو عبارة تأصيل نظري لنظام الدولة، ووجود المادة الثانية بالتفسير المدرج في هذا الدستور يجعل نظريا عدم وجود مخالفات تشريعية، وقانونية للشريعة الإسلامية، وهذا ما كنا نرجوه حتى لا تكون مشاركتنا السياسية على أساس عقد باطل، فلا نزعم أن هذا الدستور خالي من المخالفات العملية، ولا نزعم أننا نرضى عن كل كلمة به ؛ ولكن نفس هذه الأمور كانت موجودة في دستور 2012، كما أننا التزمنا بنفس الضوابط التي حكمنا بها على دستور 2012؛ من الحفاظ على الشريعة مصدرا ومرجعا واضحا، وخلو الدستور مما يناقض هذا الأصل، مع مراعاة الواقع، وروم الاستقرار، والنظر إلى المألات المعتبرة، التي هي لازمة لمن يحكم على الواقع بحكم شرعي كما قال الشاطبي، والنظر في المألات معتبر شرعا للمفتي، ولكن الفرق الآن حقيقة هو الضغط النفسي علينا، وعدم وضوح، وقوة الألفاظ كما كانت في دستور2012 .

ولكن لا ننسى الفرق أيضا في الظروف المحيطة في المشاركة بـ 17% في لجنة شكلت تحت أغلبية إسلامية، مختلف تماما عن المشاركة بـ 2% في ظل حنق شعبي على حكم محسوب على التيار الإسلامي؛ بينما الجانب العملي التطبيقي لا يصلح إلا بثلاثة أمور؛ أولاً: دستور مرضي ليس فيه كفرا. وثانيا: وجود برلماني قوى عن طريق المشاركة السياسية الفعالة. ثم الثالثة والأهم وجود دعوى قوى ومهيئ للناس لقبول الشريعة، الحمد الله الذي وفقنا لذلك، بمساعدة باقي أعضاء اللجنة من المخلصين؛ لتحقيق أكثر مما نرجو.