القيادة الميدانية

  • 215

من الإشكاليات الحقيقية، التي يشتكي منها القاصي، والداني، هو انفصال القيادة عن القواعد في الدعوة والحزب، فالبعض يكون في برج عاجي، غير شاعر بالمعوقات على الأرض، أو الواقع الحقيقي، وكلام القائد غير مؤثر، إذا لم يكن قدوة عملية.

القائد الذي يعيش في مكتبه، لا يخرج منه ويتلقى تقارير؛ (تمام يا فندم)، ويضع تصورات خيالية، غير قابلة للتطبيق، بالنسبة للإمكانيات الحقيقية على الأرض، انظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يجلس في عريشه بعيداً عن أرض المعركة؛ بل كان يقود الغزوات بنفسه، بل كان الصحابة يحتمون به إذا حمي الوطيس، كما حدث في غزوة حنين، بل هو الذي كان يثبت الصحابة.

في يوم من الأيام سمع الصحابة صوت (جلبة)، فخرجوا في هلع، وفزع، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم راجعًا، وهو يقول: "لن تراعوا، لن تراعوا".

فالقائد الذي يبدأ، ويجده الناس في المقدمة، يورث القناعة من الجنود في القيادة.

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر الخندق مع الصحابة، وتعرض لديه (صخرة عظيمة)، استصعبت على الصحابة فلجأ الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فضربها بفأسه.

في يوم من الأيام يوزع النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة العمل، فقال واحد: أنا على ذبح الشاه، وقال آخر: أنا عليا سلخها، وقال الآخر: وأنا عليا شويها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا عليا جمع الحطب " وهو أشق الأعمال ".

بل كان الصحابي يذهب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط على بطنه حجر، فيكشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين.

فالقائد القدوة، لابد أن ينزل اليوم إلى القرى، والنجوع، والمناطق، والأحياء، ويباشر الأعمال بنفسه، ويتابع ويقيم الواقع، حتى يشحذ الهمم، ويعالج الخلل، ويحتك بالقواعد، ويسمع منهم، ويتواصل مع الجميع.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين، ولا مضلين، قال تعالى: [وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ] {السجدة:24}، بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.