منزلة الصبر

  • 1237

الإيمان بالقضاء والقدر يحتاج من العبد عدة وذخيرة إيمانية، ومعرفة بالله تبارك وتعالى؛ ليرضى عن الله وعن أقداره، خيرها وشرها، ويؤمن بأن ما قدر له هو أفضل شئ له، علم ذلك أو جهله. والصبر هو أول طريق الرضا عن الله تبارك وتعالى، كذلك حياة القلوب والأرواح والأبدان على شرع الله عز وجل، وصدق الإيمان به تبارك وتعالى، وتفعيل ذلك الإيمان فى الحياة والبدن، حتى يحيى لابد له من مصدر غذاء؛ لينمو، واستفراغ وإخراج للأخلاط؛ ليسلم من الضرر، وكذلك حمية، وبعد عما يؤذيه ويضره؛ من برد أو حر شديد أو غيره، وكذلك القلوب والأرواح لابد لها من مصدر غذاء، وهو القرآن وأعمال الإيمان، ووسيلة لإخراج المؤذي الضار لقلبه، وروحه، من آثار المعاصي والذنوب بالاستغفار والحسنات الماحية، وكذلك حمية وأنفة عما يضر دينه وروحه وقلبه، مثل: البدع وأهلها، والمعاصي وفاعليها؛ بنصحهم وزجرهم أولاً، ثم البعد عن مصاحبتهم وودادهم، كل هذا يحتاج إلى صبر وبصيرة.

الصبر في القرآن: في نحو تسعين موضعا، حكمه: واجب بإجماع الامة فهو نصف الإيمان وهو مذكور فى القرآن على ستة عشر نوعا:

1) الأمر به: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]
2) النهى عن ضده: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35]، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139].
3) الثناء على أهله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
4) إيجابه سبحانه محبته لهم: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146].
5)  إيجاب معيته لهم، فالمعية أما عامة: وهي العلم والإحاطة، ومعية خاصة لأهل الصبر: وهي الحفظ، والنصر، والتأييد، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
6) الصبر خير لأصحابه: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126].
7) الجزاء بأحسن أعمالهم: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 96].
8) الجزاء بغير حساب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
9) البشرى لأهل الصبر: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
10) ضمان النصر والمدد لهم: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125]، والحديث: "وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ" [السنة لابن أبي عاصم (1/ 138)].
11) أهل الصبر هم أهل العزائم: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43].
12) الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة لأهل الصبر: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80].
13) إنما ينتفع بالعبر والآيات أهل الصبر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]
14) الفوز بالمطلوب المحبوب والنجاة من المكروه المرهوب ودخول الجنة إنما نالوه بالصبر: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 23، 24].
15) بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]
16) اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان.

صلة الإيمان والصبر
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد:
الآثار:

·قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "خير عيش أدركناه بالصبر".
·وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

1)  "أنه ضياء " رواه مسلم والنسائى عن أبى مالك الاشعري
2)  وأيضا قال: " ومن يَتَصبَّر يُصبرْهُ الله " رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد.
3)  وفى الحديث الصحيح الذي رواه مسلم والدارمي من حديث صهيب " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ".
4)  وأمر الأنصار رضى الله تعالى عنهم بأن يصبروا على الأثرة التي يلقونها بعده، حتى يلقوه على الحوض. رواه البخارى ومسلم عن أسيد بن حضير.
5)  وكذلك أمر بالصبر عند ملاقاة العدو.
6)  وبالصبر عند المصيبة.
وأخبر ايضاً بالصبر عند الصدمة الأولى، الحديث رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك.
7)  وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المصاب بأنفع الأمور له، وهو الصبر والاحتساب.
8)  وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصبر خير كله، فقال " مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الصَّبْرِ"[أخرجه أبو يعلى: 1038]

الصبر

الصبر لغة: هو الحبس والكف، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28].

والصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخط، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن التشويش.

(أنواع الصبر)

صبر على طاعة الله، صبر عن معصية الله؛ وهما كسبي أي للعبد بذل وجهد في القيام بهم.

والصبر على امتحان الله وأقداره ليس للعبد كسب فيه إلا بتوفيق الله وتيسيره.

·صبر يوسف عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز أكمل من صبره على الجب والبيع والبعد عن أبيه وإخوته.

قاعدة هامة:

·الصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على اجتناب المحرمات.
·مصلحة فعل الطاعه أحب إلى الله من مصلحة ترك المعصية.
·ومفسدة عدم الطاعة أبغض إلى الله من مفسدة وجود المعصية.
مراتب الصبر

صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله

الأول: الاستعانة به تبارك وتعالى، وأن الله هو المصبر، وصبر العبد بربه لا بنفسه، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127]
الثاني: الصبر لله الباعث له محبة العبد ربه عز وجل.
الثالث: الصبر مع الله، دوران العبد مع أحكام الله وأقداره، وهو صبر الصديقين.

ملحوظة بديعة: قال الجنيد: (المسير من الدنيا إلى الآخرة سهل هين على المؤمن، وهجران الخلق فى جنب الله شديد، والمسير من النفس إلى الله شديد، والصبر مع الله أشد).

مراتب الصابرين

(صابر، مصطبر، متصبر، صبور، صبار)
والصبر الجميل لا شكوى فيه، والصفح الجميل لا عتاب معه، والهجر الجميل لا أذى معه.

الأسباب المقوية على الصبر

1)  محبة الله عز وجل.
2)  طلب ما عند الله من الجزاء.
3)  الخوف من الله والسقوط من عينه.
4)  صحبة المتقين الصابرين.
5)  ذكر الله عز وجل.
6)  طلب العمل، ومعرفة منازل السائرين.

·حلاوة أجر المحنة ينسي شدتها، والصبر في المحن، وعند النوازل يستجلب ويستعان عليه بثلاثة أشياء:

1)  ملاحظة حسن الجزاء، فالنفس موكلة بحب العاجل، وبالإيمان والادراك تلمح العواقب، وتطالع الغايات.

قاعدة هامة: النعيم لا يدرك بالنعيم، وإن من رافق الراحة، حصل على المشقة وقت الراحة فى دار الراحة، فإنه على قدر التعب تكون الراحة.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم               وتأتى على قدر الكريم الكرائم 
ويكبر فى عين الصغير صغيرها                وتصغر فى عين العظيم العظائم 

2)   انتظار الفرج، فالله هو اللطيف، وانتظار وترقب الفرج يخفف المتاعب، وعلى قدر اليقين به تكون الراحة.

3)   تهوين البلية بأمرين: الأول: عدُّ نعم الله وأياديه على العبد، ولابد من العجز واليأس من ذلك، فيهون البلاء (لا احصى ثناءاً عليك)، والثاني: تذكر سوالف النعم، وتعداد أيادي المنن فى الماضى والحاضر يُهون البلية، ويعين على الرضا.

الصبر لله أكمل من الصبر بالله، والصبر على طاعته وعن معصيته أكمل من الصبر على قضائه وقدره.

قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

وكلما عرف العبد ربه باسمائه وصفاته، استطاع أن يركب قارب الصبر، ويصارع أمواج البلاء، ورياح الهوى؛ ليصل إلى بر الأمان، إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فالعبد إذا خرج من مشيمة طبعه ونفسه وهواه إلى فيحاء التوحيد، أعانه الله تبارك وتعالى على الصبر والشكر، وعلى حسن عبادته في جميع الأوقات.

قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 -3].