ألاَ تنام يا ربيعُ؟!

  • 261

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، صلى الله عليه وسلم؛

صيحةٌ من جوف الليل لأُمٍ حنون، على ولدها الذي نشأ شابا يافعا منذ نعومة أظفاره في طاعة الله، وفطم نفسه منذ حداثتها على تقواه، ويقول لها: كيف يستطيع النومَ من جَنّ عليه الليل، وهويخشى هجوم الخصوم؟  لقد أرقها كثرة تضرعه، وشدة نحيبه في عتمات الليل، والناس نيام، حتى ظنت به

الظنون، فقالت: ما الذي أصابك يابُني؟ لعلك أتيتَ جُرماً !!!  لعلك قتلتَ نفساً !!!

فقال لها نعم..... قتلتُ نفساً. فقالت في لهفةٍ: ومَن هذا القتيل؟ لعلهم يعفون عنك؟ والله لوعلم أهل القتيل ما تعاني من البكاء، وماتكابد من السهر لرحموكَ.

فقال: لا تكلمي أحداً، فإنما قتلتُ نفسي، قتلتها بالذنوب.

وإذا خلوتَ بريبةِ في ظلمةٍ ..... والنفس داعيةٌ إلى الطغيانِ
فاستحِي من نظر الإله وقل لها ..... إن الذي خلق الظلام يراني

أخى الحبيب:

أنت ذلك الشاب ... الربيع بن خُثيّم ، لك شهوة مثله تُرهقهُ وتُأرقه، ويبحثُ لها عن مخرجٍ مباح فلا يجد لها متنفساً، وتتسارع في قلبه إرادةُ وجه الله ورضاه، وإرادة النفس وشهواتها ورضاها.

لكنه شابٌ مهمومٌ بذنوبه، يستجلب رحمةُ ربه، فلما يسأله أحدهم كيف أصبحت؟؟

فيقول أصبحتُ ضعيفاً مذنباً ....يأكل رزقه....وينتظر أجله.

لكنه شابٌ أدرك الداء، وعرف الدواء، وأبصر طريق الشفاء،فقال:الداءالذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء بأن تتوب، ثم لاتعود.

لكنه شابٌ أدرك أن النفس جبلٌ عظيم في الطريق إلى الله، وكل سائرٌ في هذا الطريق لابد أن يصعد ذلك الجبل الوعر، ويجتازه، وهو جبلٌ كثير الأودية، والعقبات، والشوك، واللصوص وقُطاع الطريق.

لكنه شابٌ عَلِمَ أن أكثر السائرين في هذا الطريق راجعون على أعقابهم؛ لعجزهم عن قطعه واقتحام عقباته، فالسالكون قليل فلا يستوحش الطريق، ولا يغتر بكثرة الهالكين، بل يمضي ولا يعجز.

إنه شابٌ أدرك أن بين العبد والسعاده والفلاح، قوةُ عزيمهٍ، وصبرُ ساعةٍ، وشجاعةُ نفسٍ، وثباتُ قلبٍ، ويقينٌ بنصر الله.
والفضلُ بيد الله يُؤتيه من يشاء، فلهج قلبه ولسانه بالدعاء لرب العباد.

إنه شابٌ أبصر حقيقة الطريق، وباشر أسباب النجاة، فنصح أبناء جلدته، ورفقاء دربه، وأقران سِنه،فقال: عليكم بالسرائر اللاتي تخفى على الناس، وهُنّ على الله بوادٍ،ولا يغرنك كثرة ثناء الناس عليك، فإن الناس لايعلمون منك إلا ظاهرك، ولايقل أحدُكماللهم إني أتوب إليك، ثم لا يتوب،  فتكون كذبة، و لكن ليقل، اللهم تُب عَلَيَّ, فكل عملٍ، أو توبة لا يُبتغى به وجه الله، يضمحل فالصدق .. الصدق يا شباب.
و مرة أخرى هو شاب مثلك ...

لكنه شابٌ هذّبَ نفسه، و رباها على الورع والخشية من الله، وجعل من قيام الليل وكثرة الاستغفار و التقوى سُلماً للوصول، و مركباً في الطريق إلى الله, فتنام أمه، وتصحو، فتجد ابنها اليافع مازال صافاً في محرابهِ، غارقاً في دموعه، يؤرقها شَدّة نَحِيبِهِ، وكثرة تَضرُعِهِ في عتمات الليل .

وأنت ماذا؟؟

وأنت تتعجب لماذا يبكي؟؟ و الإجابة يسيره، فمن لم يكن له مثل تقواهم، لم يدرِ ما الذي أبكاهم.

وأنت كيف تقضي ليلك ؟ على صفحات النت و الفيس بوك؟ أم صافاً أمام المواقع الإباحية؟ و أنت غارقٌ في ماذا ؟ وغير ذلك.

لكنه شابٌ أدرك حقيقة المستقبل، فكأنه يريد أن يقول لمن يتخفون خلف لوحات الكيبورد، ما من شيء تقوله هنا، أو تكتبه إلا كُتِبَ و قُرِأَ عليك هناك, فماذا نحن صانعون غداً {إِذَادُكَّتِالْأَرْضُدَكًّادَكًّا (21) وَجَاءَرَبُّكَوَالْمَلَكُصَفًّاصَفًّا } [الفجر: 21، 22]

يا ربيع ... ألا تنام؟!