الإرهاب الأسود وسبل المواجهة

  • 187

تواجه الدولة، والمجتمع المصري، موجة جديدة من الإرهاب الأسود، الذي يحاول أن يُثني المصريون عن طريقهم، نحو استكمال بناء دولتهم، التي حلموا بها مع ثورتهم في الخامس والعشرين من يناير 2011، واستكملوا موجتها في الثلاثين من يونيو 2013، حيث تحاول تلك الجماعات أن تفرض إرادتها على الإرادة الشعبية، التي تجسدت في خريطة الطريق، التي توافقت عليها أجهزة الدولة ومؤسساتها كافة، وأيدها جموع المواطنين، حينما خرجوا بالملايين؛ من أجل استرداد إرادتهم، التي حاول النظام السابق سلبها، على غرار محاولات النظام الأسبق، والتي فشلت بخروج المصريين إلى الميادين؛ مطالبة بسقوطه، وهو ما تحقق في الحادي عشر من فبراير 2011.

وعلى الرغم مما يراه البعض، من أن هذه الموجة الإرهابية تتشابه مع الموجة التي واجهتها الدولة في تسعينيات القرن المنصرم، إلا أن الواقع يؤكد على أن هذه الموجة تختلف عن سابقتها من جانبين: الأول، أنها تأتى عقب ثورة شعبية، عبرت فيها الجماهير عن عزمها المشاركة في إدارة الدولة بما يتوافق وتطلعاتها، ويعني ذلك أن هذه الموجة ليست موجة إلى الدولة ومسئوليها فحسب، وإنما هي موجة وربما بدرجة أكبر إلى المواطنين المرتدين، وفقًا لمنطق جماعات السلفية التكفيرية، أو كما يسمون أنفسهم الآن جماعة بيت المقدس، ومن يدور في فلكها، يدلل على ذلك، سواء التفجيرات التي تقع في الأماكن التي يستخدمها المواطنين؛ كما حدث مؤخرًا في تفجير أتوبيس النقل العام، أو في وضع العبوات الناسفة، التي يتم كشفها قبل تفجيرها في تلك الأماكن، أو الاعتداء المستمر على المؤسسات، كما هو الحال في الاعتداء على الجامعات، وعلى الأخص جامعة الأزهر، التي لم يكن تكثيف الاعتداء عليها مقارنة ببقية الجامعات مصادفة، وإنما لأغراض وأهداف محددة؛ تستهدف مؤسسة الأزهر ذاتها، أو الاعتداء على الشخصيات العامة، التي لا تتولى مناصب رسمية في الدولة؛ لمجرد تأييدها لما جرى في الثلاثين من يونيو، ولعل الاعتداء الأخير على منزل القيادي السلفي الدكتور ياسر برهامي نائب الدعوة السلفية، وذلك دون اغفال إرهابها ضد مؤسستي الجيش والشرطة، والتي زادت وتيرتها.

أما الجانب الثاني، فيتمثل في الخلط، الذي تنادي به هذه الجماعات في خطاباتها، ففي التسعينيات كان الخطاب يرتكز على المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية فحسب. أما ما يجرى اليوم، فقد تراجعت قضية تطبيق الشريعة في خطابات تلك الجماعات؛ لتتصدر قضية سياسية، وهي قضية الشرعية وحمايتها؛ بحجة عودة شرعية الرئيس السابق محمد مرسى. وبعيدًا عن الجدل في هذه القضية، التي تؤكد كل المؤشرات على أن الرئيس السابق قد فقد شرعيته تمامًا، حينما خرج الملايين لمطالبته بالرحيل.
في ضوء ما سبق، يمكن القول أن التعامل مع هذه الموجة الإرهابية؛ تتطلب البحث عن آليات جديدة، ورؤى مختلفة، عما جرى في السابق، فصحيح أن المواجهة الأمنية مطلوبة في هذه اللحظة، وخاصة مع تزايد حدة هذه الموجة، واتساع رقعة أهدافها، إلا أنه من الصحيح أيضًا أن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي، واكرر وحدها لا تكفي، وإنما هناك حاجة ماسة إلى وضع رؤية متكاملة، تشترك فيها مؤسسات الدولة، وأجهزتها المعنية كافة؛ وخاصة مؤسساتها الدينية المتمثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، وكذلك مؤسساتها الإعلامية؛ بإفساحها المجال للعلماء والفقهاء؛ للتصدي لهذه الموجة الإرهابية التكفيرية، شريطة أن يختلف الخطاب الديني الموجه إلى هؤلاء التكفيرين، الذين ينجحون في استقطاب الشباب، والتغرير بهم تارة تحت مسمى الشريعة، وتطبيقها وتارة أخرى تحت مسمى الشرعية وحمايتها، وكلاهما فاقد لمعناه ومدلولاته الحقيقية.

فحينما تقوم جماعة بممارسة القتل، والعنف، والإرهاب تجاه المجتمع وأفراده، وتتخذ من الشريعة مسمى لها، كما هو الحال في جماعة "أنصار الشريعة"، فالتساؤل الواجب: هل الشريعة تؤيد ما يقومون به من أفعال؟ وهل هم بذلك يحققون الغاية العليا للدين الإسلامي وشريعته الغراء؟
ولذا، فحماية الشباب المصري من الوقوع في براثن مثل هذه الجماعات التكفيرية، يستوجب العمل على جانبين مهمين، إلى جانب الدور الأمني: الأول، تفعيل دور أجهزة الدولة المعنية بقضايا الشباب ومشكلاتهم، وتحديدًا وزارتي الشباب والرياضة، وهنا يبرز التساؤل أين ذهبت وعود المسئولين في هذه المرحلة، وتحديدًا ما وعد به نائب وزير الشباب "خالد تليمة"، بإنشاء أكاديمية لتعليم الشباب وتثقيفهم.

وكذلك فكرة "د. مصطفى حجازي" مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية، بإنشاء معهد لتدريب الشباب على العمل السياسي؟ أليس من المنطق أن توجد هذه المؤسسات، ويتعاظم، دورها لشرح حقيقة ما حدث في الثلاثين من يونيو، وما هو الخلط الذي يحاول أنصار تلك الجماعات نشره بين الشباب، حول مفهوم الشرعية، وكيفية اكتسابها وفقدها؟ وإذا كان ثمة تأخير، أو عوائق بيروقراطية تحول دون سرعة إنشاء هذه المؤسسات، فهناك دور لمركز الدراسات والبحوث السياسية في تنظيم مثل هذه الدورات، وورش العمل؛ للتوعية السياسية للشباب، وهنا يبرز دور  كذلك أناشد الدكتور اسماعيل سراج الدين، أن يجعل من مكتبة الإسكندرية مكانا؛ لتثقيف الشباب سياسيا، هذا على الجانب الوعي السياسي.
 

أما على جانب الوعي الديني، فيبرز دور رجال الأزهر والأوقاف، وكوادرهما العلمية والفقهية، في تصحيح مفاهيم الشباب، وإكسابهم المعارف الصحيحة، فالتعلم لا يعني دومًا اكتساب معارف جديدة، بقدر ما يعني التخلص من الكثير من الأوهام القديمة، والمتمكنة من النفوس والعقول، وهو ما يعني أن ثمة حاجة إلى إضاءة الطريق للشباب، من خلال خطاب ديني صحيح، يرتكز على أسس الفهم السليم للدين الإسلامي، بحيث يبين لهم حرمة الدماء والأموال والأعراض لقوله تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] ، وما ورد في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم:" كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ"، كذلك يبين لهم ألا يكفر أحد غيره؛ لأن الإيمان والنية محلهما القلب، فقد ورد في صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ " و هو القائل: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ"، أيضًا من المهم أن يوضح الخطاب الديني أن المسلم ليس بسباب، ولا لعان، ولا فاحش، ولا بذئ.
فأين فكر هذه الجماعات وفتاواها من الشريعة ومبادئها والفقه وأحكامه؟.