آيات كونية (2-2)

  • 197

بعد تكلمنا في المقال السابق عن الريح والبرد ومافيها من آداب ومعاني نستكمل الكلام عن بقية آيات الشتاء.

ثالثًا: الرعد والبرق: -قال تعالى:{ هُوَالَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:12،13].

الرعد هو ملك من ملائكة الله، والصوت الذي تسمعه هو صوت تسبيحه، والبرق هو الضوء الذي ينتج عن أثر سوقه للسحاب، فالطمع في الرعد والبرق بنزول الغيث والمطر والرحمة، والخوف من أن يكون صوت الرعد كالصيحة التي أصابت ثمود فاختلعت قلوبهم، أو يكون البرق تمثل الصواعق (نار من السماء تحرق) فمن الأثار الواردة عن السلف عن سماع الرعد أن يقول: "اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك"، وكذلك أن يقول: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته".

 

رابعًا:المطر: المطر هو سبب جريان الأنهار، وإنبات الزرع والنبات، وسماه الله رحمه، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ? حتى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ? كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57]، وإما ان يكون سيولاً تهدم وتغرق وتهلك. فكان من سنته صلى الله عليه وسلم إذا حدث الجدب والقحط، صلى صلاة الاستسقاء ودعا ربه: " اللهم أعثنا.

اللهم اغثنا "، ويدعو إلى التوبة والاستغفار من الذنوب والحث على الصدقة، وأداء الزكاة، قال صلى الله عليه وسلم:

 

(وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا) [شعبالإيمان (5/ 23)]، وإذا كان المطر شديدًا قال: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ (التلال العظيمة) وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ" [أخرجه البخاري: 1013]، وكان يقول " اللَّهُمَّ صَيِّباً نَافِعاً"، وكان بسنته أن يكشف ذراعيه للمطر،ويقول:"حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ".

 

وإذا كان المطر شديد جدًا فهو سبب لجمع الصلاة وكذلك الدعاء عند نزول المطر مستجاب.
لا يعلم نزول المطر جزمًا إلا الله، فهو من مفاتيح الغيب الخمسة، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ? وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ? وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].

 

 ومن السنة أن نقول مطرنا بفضل الله وبرحمته، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟».

قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: " قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ،.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي ". [أخرجه البخاري: 4147]،فلايجوز أن نقول نوه، فمن اعتقد أن العنوه (الكوكب) هو المنشئ الفاعل للمطر، فهو شرك أكبر،ومن قال مطرنا بنوء فهو شرك أصغر، ومن قصد مطرنا في نوه كذا (علامة على نزول المطر)فجوزه بعض أهل العلم.

خامسًا:- قال الحسن البصري " الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه وطال ليله فقامه " وقال صلى الله عليه وسلم: " الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ". [أخرجه أحمد في مسنده: (31/ 290)]،التي تحصل على ثوابها بسهولة من غير مشقة؛ لأن يوم الشتاء قصير؛ وكذلك ليس جوع وعطش ولاحر، فمن عبادات الشتاء الإكثار من الصوم، فتجعل إفطارك سحورًا، وتجعل غذاءك بعد الرجوع من العمل أو الجامعة إفطارًا .

قال صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ" [أخرجه النسائي: 2222 ، وقال الألباني: صحيح] (لا مثيل له)، وقال صلى الله عليه وسلم: "الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ". [أخرجه أحمد في مسنده: (29/ 436)]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" [أخرجه مسلم: 1153].

وكذلك طول الليل يتيح الفرصة للنوم والراحة، وكذلك أن تجعل جزءًا لقيام الليل فهو شرف المؤمن، قال صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ"[أخرجه الترمذي: 3549، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

وكذلك الدعاء وقت السحر في ثلث الليل الأخير،وصلاة الصبح في جماعة في الظلم، والبرد والشتاء، وتترك الفراش والدفء والغطاء، وتقوم لله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[أخرجه أبو داود: 561، وقال الألباني: صحيح]، فالبعض قد يتكاسل عن صلاة الفجر للشتاء والبرد، ونجده يقوم للذهاب للعمل والجامعة، فالله وحقه أعظم عندنا من أمور الدنيا، فنحن نحتاج إلى العبادة في وقت الفتن والدعاء؛ لتفريج الكروب، وأن يجعل بلادنا مصر وآمنة مطمئنه، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.