شباب على الجمر

  • 192

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وسلم، وبعد:

 يعيش المرء في هذه الحياة يتقلب بين نعم الله وفتن وشهوات وشبهات وبلايا كثيرة، لا يستطيع أن يستمسك إلا إذا وفقه الله وأعانه،(يا ولىّ الإسلام وأهله مسِّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه!)، وأعظم الفتن على الرجال عموما وعلى الشباب خصوصا "فتنة النساء"، والتي أدرك الشيطان خطورتها وقوة تأثيرها فجعلها من أمضى أسلحته وأخطرها، قال سعيد بن المسيّب: "ما أيسَ الشيطان من شيء إلا أتاه من قِبَلِ النساء".
 

وما قصة "برصيصا العابد" منا ببعيد، ذلك العابد الذي تمكن الشيطان من أن يُنِزله من صومعة عبادته إلى براثن الكفر والسجود لغير الله بفتاة حسناء؛ ولذا كان الحذرَ كل الحذرِ من الاختلاط والنظر إلى النساء والتبسُط في معاملتهِن؛ فإنهن مصدر كل فتنة، والنبي صلى الله عليه وسلم حذّر فقال: (00فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)،.

وقال: ( ما تركت بعدى فتنةً أضّر على الرجال من النساء)، وللأسف الشديد نرى في بعض المعلمين والمسئولين من لا يُقدِّر هذه الفتنة على الشباب، فتدخل الجامعة وكأنك دخلت مرقصا أو ملهى ليلىِّ أو معرض أزياء،أو قُل معرض فاتنات،فأين يذهب الشباب المتدين؟! أين يذهب الشباب الذي يحب العفاف؟! أين يذهب الشباب الذي يخاف الله ولا يحب أن يقع فيما حرم الله؟! أين يذهب الشباب الذي تثور شهوته وتفور؟! وكيف يقضى وطره؟!
 

هل تظنون أيها السادة، أن الشباب حجارةٌ لا تتأثر، أو عواطف لا تتحرك؟! أيُّ جمادٍ أنتم؟!!!

هذا عامر بن عبد الله التميمي التابعي الذي تربى في حِجرِ الصحابة وتأدب بآداب النبوة، يقول وهو شابٌ: "لم يكن شيءٌ أخوف علىّ في ديني من النساء؛ فسألت ربى أن ينزِع من قلبي حُبَّهُنَ، فاستجاب لي حتى صرتُ ما أُبالى أامرأة رأيتُ أم جدارا"،وهذا حال من تربى وتعبد فالعفاف شاغله، وحرصه على دينه يؤرقه، لكن كيف الحال بشبابٍ في بداية الطريق يريد أن يستقيم ويخطوا خطواتٍ إلى الله، وليس عنده تلك القوة ولا تلك الإرادة،

هل يصمُد ويثبُت أمام حرب الشيطان وفتنة النساء؟! إنه ما زال غض الإهاب لين العود، ويتعرض للعواصف الكاسرة، فهلَّا رحمناه!! والراحمون يرحمهم الرحمن، فيا من يرمى هذا الشباب المُتأرق الوجِل الخائف من نظر الله إليه، الحريص على مرضاة ربه، يا من ترمونه بالتخلف والتشدد والتعصب، وتتهِمونه بسوء النية وأنه صاحبُ عقدٍ نفسية، اعرضوا مواقفكم على شرع الله،وحافظوا على شبابِ أُمتِكم رجال ونساء،وحاربوا الرذيلة والتبرج والسفور، وانشروا العفة والفضيلة، يرحمكم الله!

وكونوا عونا للشباب ليسلكوا سبيل المتقين، فقد حرم الله النظر إلى الأجنبية والخلوة بها والدخول عليها ومصافحتها،وألزَمَ المرأة بالحجاب الشرعي،ونهاها أن تخرج متطيبة متعطرة، ومنعها من الخضوع بالقول؛ فأعينوا الشباب على الاستقامة ولا تفتحوا عليهم أبواب الهلاك،.

وأعجبُ من هذا المعلم الذي يحشُر البنين والبنات في حجرةٍ للدرس! فهل يعجزُ أن يجعل للبنين موعدا وللبنات موعدا آخر؟!أم يظن أنهم ما زالوا صغارا ولا يشعر بهم وهم في سن المراهقة؟! كشباب الثانوية وغيرها الذي يعانى من الفتن في الدروس الخصوصية، أم أن صاحبُنا قلبه في غيبوبة فأصبح همّه جمع المال، فيخلط البنين بالبنات لتستمر المجموعات؟!

أو قُل لتنشأ العلاقات وتزداد المجموعات ليقبض المال ويأتي الشاب ليقابل الفتاة، ويعيش قصة حبٍ وغرام ويخرج معها بعد الدرس!! وأصبح صاحبنا كالديوث يعرف ما يحدث ويدفن رأسه في الرمال، وقد أعماه حب المال عن حماية الشباب "البنين والبنات"، كأن صاحبنا ليس عنده أولاد أو بنات،أو أنه يَدعى أنه رجلٌ متحررٌ متفتحٌ فيكون سببا لفتح باب الشهوات على الشباب، وهو يدرى أو لا يدرى، لكنه فتحه،ومن سنّ سُنةً سيئة كان عليه وزرُها ووزر من عمل بها،وما مِن نفسٍ تُقتلُ إلا وكان على ابن آدم الأول كِفلٌ منها.

فيا أيها المُعلم الجليلُ، انتبه لرسالتك واعرف قدرك؛ فإنك من صُنّاعِ الأجيال، وما تفعله اليوم هنا ستراه يوم القيامة في الميزان،إما لك أو عليك فاتقِ اللهأخي الشاب، رغم أنك تتألم وتتأرق، ورغم أنك مظلومٌ ومجنيٌ عليك من هذا المجتمع الذي تعيش فيه، غير أنك لا تُعفى من المسئولية أمام الله؛ فإذا التزم المسلم بشرع الله، ووقف عند حدوده، فهو في حصنٍ حصين، ومتى تهاون في حدود الله تهاوت تلك الحصون ودخل عليه الشر، فلا تفتح على نفسك أبواب الشر، فإن علاقات الحب والغرام والتعلق بالنساء بابٌ من أعظم أبواب الفتنة، فلا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، وعليك بالعفة فإنها السبيل،وإنك على موعد مع الحور العين ( ولسيتعففِ الذين لا يجدون نكاحا حتى يُغنيهم الله من فضله).

فمن سعى نحو العِفة وبحث عنها وجدها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ومن يستعفف يُعفه الله ).

وقال بن القيم: "إن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر، لكنها لذة يتقدمُها ألمُ حبس النفس ثم تعقبها اللذة".

كم قد خَلَوتُ بمن أهوى فَيَمنعُني.... منهُ الحياءُ وخوفُ اللهِ والحَذَرُ

أخي الشاب، روِّض نفسك وجاهدها واطرد شيطانك والَبَس زىِّ الأتقياء؛ فكثيرٌ منا لا يفكر أن ما يفعله اليوم سوف يُفعلُ به غدا، لكن تذكر أخي الحبيب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أترضاه لأُمِك؟! أترضاه لابنتك؟! أترضاه لأخواتك؟!

وتذكر نفسك بعد سنين وأنت في عملك مشغولٌ وابنتك بين أحضان شاب كان مثلك ملهوفا!! فالجزاء من جنس العمل؛ فاحفظ نفسك وتعفف، احفظ الله يحفظك، ومن يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن تلذذ بالنساءِ في الدنيا في غير ما أحله الله؛ لم ينعم بالحورِ الحسان يوم الحساب.
أخي الشاب، (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة..).

وقال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى).
أخي الحبيب، من حافظ على أعراض الناس حَفِظَ اللهُ عِرضه، ومن عبث بأعراضِ الناس عبث الناس بعرضه، والمرءُ يُهتكُ عِرضَه حين يَهتك أعراضَ الناس، ومن اتبع الهوى..هويَ.

كان الخليفة المعتضد يقول: "والله ما حللت سراويلي على حرامٍ قط". لا شذوذ ولا نساء في الحرام، ولا عادة سيئة ولا00ولا.
وكان أبو حفص يقول: "حرست قلبي عشرين سنة ثم حرسني عشرين سنة".
احرس قلبك يحرسك.

وقال عمر بن ذَرّ: "يا أهل معاصِي الله، لا تغتروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه (غضبه)؛ فإنه قال (فلما آسفونا انتقمنا منهم )"

أخي الحبيب، وأخيرا.. وبدون تعليق

كان بالكوفة فتىً جميلُ الوجه، شديد التعبُد والاجتهاد، فنزل في جوار قوم من (النخع )، فنظر إلى جارية منهم جميلة فهويها وهام بها عقله، ونزل بالجارية ما نزل بالفتى؛ فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أنها مُسماة لابن عمٍ  لها، فلما اشتد عليهما ما يُقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية تقول: "قد بلغني شدة محبتك لي، وقد اشتد بلائي بك، فإن شئتَ زُرتُكَ، وإن شئتَ سهلتُ لك أن تأتيني إلى بيتي، فقال الشاب منتفضا: لا.. ولا واحدة من هاتين  (إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ).

أخافُ نارا لا يخبو سعيرُها، ولا يخمد لهيبُها!

اللهم احفظ شبابنا ونساءنا، وحصِّن فُرُوجَهُم، واصرف عنهم كيد الشيطان!!
وصلِّ اللهم على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.