25 يناير... والنهاية

  • 148

البشر مولعون بمعرفة حوادث وحكايات البشر؛ لذلك يقرؤون الروايات ويذهبون لدور العرض (ونحن هنا لا نناقش حكم ذلك) ليشاهدونه ويظلون يتابعونه حتى يجدوا هذه الكلمة ... The End..

هنا تنتهي الحكاية وقبل نزول هذه الكلمة يستطيع أحدهم إذا نظر في ساعته أن يعرف على وجه الدقة متى تكون النهاية، كما أن (الغِلس) الذي شاهده من قبل يشعر بالسعادة عندما يحرق الأحداث على من حوله ويخبرهم بالنهاية، ولكن ماذا لو كان ما تشاهده ليس حكاية عن غيرك تروي فيه أحداث متوهمة أو حقيقية (فيلم تسجيلي)، إنما هي حياتك ووقائع بلدك، وكلما وقع حدث جلل ظننت أنها النهاية، ثم وجدت أن ما خلته نهاية هو مقدمة لمجموعة من التداعيات التي لا ترى لها نهاية، خرجت مجموعات يوم 25 يناير وكان القول: "مصر ليست كتونس"، هل هذه هي نهاية الحدث لا إنها ثورة تشتعل وقودها دماء تنزف وحناجر تهتف، سقط مبارك ثم جاءت النهاية لا .. ثم جاءت حقبة انتخابات البرلمان .. أيعني ذلك استقرارا ونهاية؟! لا .. حل البرلمان ثم كانت رئاسة ثم، كتابة الدستور، أيعني ذلك استقرارا ونهاية؟! لا.. عزل الرئيس وتعطيل الدستور، ثم مرة ثانية تقبل حقبة انتخابية فهل هذه هي النهاية؟! وبعد كل نهاية مزعومة وليس قبلها يأتي (الغِلس) ليخبرك كيف أن الحق والإرادة الشعبية قد انتصرا، بالطبع لا يجلس في صفوف المشاهدين، إنما يقوم بدوره مجموعة تظهر على الشاشات، شاشات الفضائيات وعلى صفحات الجرائد، لا باعتباره (غِلس)، وإنما هو خبير استراتيجي أو أمني أو سياسي أو فقيه دستوري، أو غير ذلك من التعريفات والألقاب المنمقة الفخمة.. هل هناك نهاية حقيقية معلومة مضمونة؟!

نعم إنها ظهور نعمة الإسلام شرقا وغربا، لكن ليس عن هذا نتحدث، إنما نتحدث عن استقرار أوضاع معينة بدايتها 25 يناير .. فمتى وكيف تكون النهاية؟! لن أستطيع أن أتقمص شخصية (الغِلس) الأول أو الثاني، فلا يعلم الغيب إلا الله، لكن حسبي أن أضع مقاربة تعين القارئ ليفهم كيف تتقلب الأمور هكذا، وسوف نستعير لاستيعاب هذه المقاربة مفاهيم من علم الكيمياء، ولربما نضيف إليها علم الميكانيكا (القوى - poewr) .
ماذا تعني ثورة؟!

هناك قوة مسيطرة تستفرد بالسلطة لفترة، ثم تشيخ وتعجز عن إرضاء جُل الشعب، وتعجز عن تكبيل القوى الأخرى التي تنطلق مدعومة بالسخط الشعبي لإسقاط هذه القوة المسيطرة (طبقة ، مجموعة ، فئة، ...) لحظة السقوط هذه التي تخلد في التاريخ ، ولربما تصبح عند قومي يقينا ليست النهاية، بل هي لحظة بداية اختلاط القوى المطلقة عقالها صراع وتدافع ومؤمرات... محصلتها وضع ما (مركب كيميائي) وهنا يحدث وهم لمن ليس عنده خبرة (وأنى للناس بالخبرة والثورات تحدث كل عقود بعيدة؟!)، فيظن أن هذه الأوضاع الحادثة هي النهاية، لكن هذه الأوضاع الناتجة عن تفاعل القوى هي في الحقيقة لا تشبه التفاعلات البسيطة التي تحدث من خطوة واحدة: حمض + قاعدة = ملح الحمض + ماء، بل هي أعقد في تفاعلات الحديد والكبريت؛ حيث تتكون من مركب يدخل في تفاعل آخر وهكذا دواليك.

الفارق أن هذا لا يتم في مختبر حيث تتحكم في المكان والزمان وتحدد المواد الداخلة في التفاعل وشروطه مسبقا، إنما هي تفاعلات تقع في العالم الذي أصبح قرية صغيرة ، هكذا تتدخل قوى خارجية وتحدث ضغوطا إقليمية هي في حالة تفاعل أو تخشى من نتائج التفاعل على مستقبلها، وهذا ليس بدعا على ثورتنا، هذا ما حدث مع الثورة الفرنسية قديما، والثورات البرتغالية حديثا.

إنها الكيمياء السياسية، ولربما يكون للحديث بقية .. والنهاية قد لا تكون بعيدة، لكننا بإذن الله قد نكون أدوات جعلِها سعيدة.
 خير الكلام: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد:11).