الأحزاب الدينية والواقع السياسي

  • 151

مازال الحديث مثارا فى الشارع السياسى حول طبيعة بعض الأحزاب السياسية التى نشأت ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير خاصة تلك الاحزاب التى تتخذ من الشريعة الإسلامية مرجعا لها.

بل وصل الأمر الى اعتبار عضوية أحد القيادات الدينية فى حزب سياسى تصبغه بصبغة دينية او تجعله حزبا دينيا وليس سياسيا. وهو ما يفرض أهمية إعادة الحديث وربما تكراره لأكثر من مرة حتى تتضح ملامح الصورة بجلاء للتمييز بين ما يمكن اعتباره حزبا دينيا وما يمكن اعتباره حزبا سياسيا وإن اتخذ مرجعية دينية، بل الأكثر اهمية فى هذا الصدد أن الحزب ربما يكون من بين اسمه ما يعبر عن مرجعيته الدينية، ورغم ذلك لا يمكن وصفه بالحزب الدينى، ولعل مسمى الحزب الديمقراطى المسيحى فى ألمانيا على سبيل المثال يعد نموذجا فى هذا الصدد.

ويأتى هذا الحديث بمناسبة ما يثيره البعض فى الإعلام حول استمرار وجود حزب النور ودوره فى العملية السياسية، بل قد وصل الأمر بالبعض إلى مطالبة رئيس الجمهورية بحل الاحزاب الدينية تنفيذا لنص المادة رقم (74) فى دستور 2014 والتى تحظر قيام الاحزاب السياسية على أساس دينى أو مباشرة أى نشاط سياسى على أساس دينى.

ولا شك أن هذه المطالبات أو الدعوات تمثل خلطا متعمدا فى بعض الحالات وغير متعمد فى حالات أخرى، بين الحزب الدينى الذى يضع فى برنامجه الدين أو العقيدة أساسًا لمنهجه وسياساته داخل المجتمع، وبذلك فهو يُميز فى الحقوق والواجبات تبعا لديانة أو عقيدة الشخص، بما يتعارض بالفعل مع فلسفة وضع الدساتير والقوانين التى تنطلق من مبدأ المواطنة.

وغني عن القول إن الدعوة لحل هذه الأحزاب التى قامت ما بعد ثورة 25 يناير تحت دعاوى أنها احزاب دينية، يتعارض مع مبدأ سيادة القانون الذى يستوجب أن يكون حلها استنادا إلى نصوص قانونية واضحة ومحددة دون اى لبس، فصحيح ان النص الدستورى واضح فى حظر قيام أي أحزاب سياسية على أساس دينى، وكذلك واضح فى حظر ممارسة أى عمل سياسى على أساس دينى، إلا أنه من الصحيح أيضا أن الرجوع الى برامج هذه الأحزاب التى تمت الموافقة عليها من قبل لجنة شئون الأحزاب السياسية، تؤكد صحة موقفها القانوني، خاصة وأن اللجنة كان لها موقف واضح مع تأسيس حزب البناء والتنمية وقت إنشائه، حيث اعتبرته قائما على أساس دينى بما يخالف نص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسي، فما كان من القائمين عليه آنذاك إلا أن قاموا بإدخال التعديلات المطلوبة ليتوافق مع نصوص القانون.

كل ذلك يعنى أمرين.

الأول، أن الأحزاب السياسية التى نشأت ما بعد الثورة المصرية لم تكن أحزابا دينية طبقا لما جاء فى برامجها، وإن ظلت ممارسات بعضها تجعل هناك خلطا بين ما هو دينى وما هو سياسى، مع الأخذ فى الاعتبار أن حزب النور ظل حريصا منذ نشأته وخاصة بعد ما حدث من انشقاق داخله على أن يلتزم بالقانون وضوابطه حتى فى دعايته وأسلوبه وهو ما ينفى أية صفة دينية عن الحزب كحزب سياسى يعتبر الشريعة الاسلامية المرجعية الأساسية لعمله، وهو ما يتفق مع ما ورد فى دستور 2013، وكذلك فى دستور 2014 سواء فيما ورد فى ديباجته أو فى مادته الثانية التى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.

أما الامر الثانى، فيعنى أن النص المعدل فى الدستور الجديد لن ينتج عنه حل الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية، بل ستستمر فى وضعها القانونى والدستورى وفق النص الجديد. ومن ثم يتم تعديل قانون الأحزاب ليتناسب مع النص الدستورى من حيث الإنشاء وفق الإخطار، وأيضا سيكون الحكم على الأساس الدينى للأحزاب من قبل الممارسة التى ستقوم بها مثل استخدام الشعارات السياسية فى المساجد.

 

وهنا يصبح من الضرورى أن يوضح القانون بصورة جلية ماذا يقصد بالأساس الدينى؟ وما هى الأفعال التى إذا ما ارتكبها الحزب اعتُبر أن له أساسا دينيا؟ مع الأخذ فى الحسبان أن هذا الحظر لا يقتصر على الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية وإنما هو موجه إلى الأحزاب كافة، ولعل المطلع على التجربة الحزبية فى مصر ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير يتضح له ما كان يمارسه الحزب الوطنى من توظيف المساجد والفتاوى ورموز دينية فى دعايته السياسية والانتخابية.

ولعل ما جرى فى مصر أخيرا من جدل حول موقف الدكتور سعد الدين الهلالى فى وصفه دور كل من وزيرى الدفاع والداخلية فى الثلاثين من يونيو وربط هذا الدور بدور سيدنا موسى وأخيه هارون، يقدم دليلا على ان هناك من يدافع عن الدولة الدينية، بما يمكن معه القول إن الخطاب لم يختلف كثيرا عن الخطابات التى رفضها المجتمع، حينما رفعها البعض فى الدعوة للتصويت فى الاستفتاء على دستور الإخوان.

 

الحكم على تنظيم ما بأنه دينى وليس سياسيا يستوجب النظر الى ممارسته ومواقفه المختلفة وليس مجرد انتماء شخصيات معينة او رموز محددة الى هذا التنظيم من عدمه.

وبناء دولة القانون يستوجب من الجميع احترام النصوص الدستورية والقانونية وكذلك أحكام القضاء، بعيدا عن الآراء السياسية والانتماءات الأيديولوجية، لأن التوافق الوطني المبني على حوار جامع يظل هو الضمانة الأساسية والرهان الوحيد فى بناء مستقبل أفضل.