طريق اندحار أم بداية انتصار؟

  • 177

ذكرنا في مقالتين سابقتين مقاربة لتسهيل فهم بعض الآليات والسيناريوهات التي تتطور بها الثورات، واليوم نحاول استجلاء أحد العناصر المهمةفي طريق الثورة المصرية، ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهذا العنصر هو "رئيس الجمهورية القادم".
طبقا للدستور ( الذي لم ينجح – ككل الدساتير التي توضع في بداية الثورات –  في القضاء على حالة الاستقطاب الحاد في المجتمع المصري )، فإن هناك اشتراك بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في إدارة الدولة المصرية، وإن كان هناك امتياز لرئيس الجمهورية في أربع ملفات (وزارات) الداخلية، والخارجية، والعدل، والدفاع، وفي مجال الأمن القومي؛ هناك شراكة بين الوزارة وقادة كبار في الجيش ويدير رئيس الجمهورية هذا الملف.
وهنا يقع التحدي الأول ليس فقط لرئيس الجمهورية، ولكن لمصر كلها؛ فإن هذه العلاقات هي جديدة على الثقافة السيادية لكل من الشعب والنخبة والقيادات السياسية والعسكرية، ببساطة لأننا لم نمارس سياسة لفترة تطول عن ستين عاما، إنما الأمر مقتصر على الحزب الواحد الذي يقوده الزعيم الأوحد؛ لذا تجد في مصر في كل مجالات الجد والهزل، التقوى والفجور، الصلاح والإجرام، العلم وما يسمونه فن، في كل مجال تجد أمثلة وعلامات؛ فعندنا الدكتور زويل والباز، جائزة نوبل وخبير ناسا، خط الصعيد، أبو تريكة والخطيب، وما يقرب من ثمانية ملايين مصري يجوبون العالم لهم خبرات ونجاحات و... و...إلخ.
ولو سألتك أيها القارئ عن أي مجال في الخير أو الشر فأنت تملك العديد من الأسماء إلا السياسية، وها أنا أسألك أن تذكر لي خمسة أسماء تصلح لرئاسة وزراء مصر من غير السجل السابق لكبار السن، فهل تملك إجابة؟!
لقد كانت السياسة في العهود السابقة أشبه بمتحف تماثيل الشمع، هناك الكثير ليس بينهم واحد يملك شهيقا أو زفيرا، الآن نريد حياة سياسية رشيدة، والسياسة ليست فقط نصوص دستور يفترض أن يحقق توافق وليست قوانين منظمة للمؤسسات السياسية، إنما هناك الجزء غير المكتوب، إنها التقاليد السياسية والأعراف التي تترسخ رويدًا رويدًا، على مر السنين، فتصبح شيئا راسخا في وجدان الشعوب وفي أفعال قادتها السياسية، إن دولة مثل إنجلترا لا تملك أساسًا دستورا – بالمعنى الذي يفهمه العالم عن هذه الكلمة –؛ فبالرغم من الحروب الكبرى التي خاضتها وانحدارها عن قمة العالم التي كانت تحتل فيه مواقع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فما رأيك أيها القارئ الكريم في استقرار الأوضاع والأعراف السياسية عن هؤلاء القوم، هل فرقتهم الأزمات أم وحدت شعبهم؟!
ومهما كانت إجابتك فيسعدني أن أخبرك أن هذه الأرض نفسها شهدت من الانقسام، بل دخولها في "حروب الدم" الأهلية، ما تبدو معه حالة الانقسام والاستقطاب المصري وما ترتب عليه من دماء، أو إذا وضعنا النموذجين في وضع المقارنة فإن تلك المقارنة تشبه إلى حد كبير مقارنة من وضع سيف في جسده، وآخر قد اخترق قدمه مسمار، ولا أقصد بذلك التهوين في مجرد قطرة دم واحدة سفكت بيد ظالم، إنما المقصد هو بيان أن مسيرة الاستقرار قد تبدأ بالفوضى وأن الصعود قد يبدأ بانحدار، ولكن للأسف كما أن ذلك ليس شرطًا فهو أيضا ليس مضمونا؛ بمعنى أن الفوضى ليس مآلها الوحيد هو الاستقرار بل قد تكون بداية الانهيار، وإن الدماء ليس مآلها الوحيد هو الوحدة، بل قد تكون الدماء خميرة الفتنة والحروب الأهلية، ومن هنا تأتي المسئولية، مسئولية الشعوب قبل القادة، والقادة قبل الشعوب، وفي بلاد المسلمين المدخل هو قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"استعن بالله ولا تعجز"(مسلم:2664)،والعاقبة الحسنة تكون لمن حقق هذه الآية: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:2-3]، وقطعا هذه النصوص لا تنتج آثارها بالاقتصار على تلاوتها، كما أن المريض لا يُشفى بمجرد قراءة روشتة طبيب، مهما كان حاذقًا، إنما بتطبيق فحواها، وهذا التطبيق يحتاج إلى أسباب منها ما يوافق السنن والنواميس الكونية (وهي التي يهتم بها الغرب وكل من حقق نجاحا ما من غير المسلمين)، ومنها ما يوافق النواميس والسنن الشرعية، وهي كنز لا يملك معرفة وجوده إلا المسلمون فقط، وهي سنن لا تتعارض مع الأخذ بالأسباب المستندة للسنن الكونية، بل الأكثر من ذلك هي أسباب يأمر بها الشرع: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال:60]، ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرمي) وكررها ثلاثا (مسلم:1917)، وفي الماضي كانت السهام، ثم ظهرت المدفعية ثم ظهرت البنادق، والآن الصواريخ عابرة القارات، وغدا ربما يكون الليزر.
إذن لابد أن نعرف التحديات ونعد لها علاجا، يجمع بين أسباب كل من السنن الكونية والشرعية على حد سواء.. نعرف ونخطط ونعمل؛ وهذه هي ثلاثية النجاح بإذن الله، ولعل في العمر بقية؛ لنجعل للمقال بقية.