زَيِّنَّا بزِينةِ الإيمان

  • 223

إن الله عز وجل حكم وعدل، قسم الأرزاق والأخلاق والأعمال بين عباده لما يعلم من قلوبهم، فوهب الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، وجعل الدين والإيمان زينة من أحب، وجعل للدنيا بنين وللآخرة بنين، فكونوا من أبناء الآخرة، واحذروا أن تكونوا من أبناء الدنيا.

والإيمان ما وقر في القلب وصدقة العمل، فهو قول وعمل، ظاهر وباطن، وليس مجرد كلمة تقال، ولا إعلان يعلن، بل هو حقيقة وسلوك وعمل وعقيدة، قال ابن رجب الحنبلي رضي الله عنه:"أما زينة الإيمان، فالإيمان قول وعمل ونية، فزينة الإيمان تشمل زينة القلب بتحقيق الإيمان له، وزينة اللسان بأقوال الإيمان، وزينة الجوارح بأعمال الإيمان".

فللإيمان زينة جميلة لصاحبه في الدنيا والآخرة، ولن يبدو صاحبه جميلآ بدونه، وهذه الزينة يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده، ويضاعفها عليهم، ويقذفها في قلوبهم، كما قال تعالي: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات:7].

فالزينة زينتان: زينة البدن وزينة القلب؛ وهي أعظمها وإذا حصلت، فيرد به من يعاملهم من الناس، فيعظم ما عظمه الله ومن يعظمه الله، ويحقر ما حقره الله ومن حقره الله.

فهذا من نور القلب الذي إذا قذفه الله في قلب عبده جعله لا يحزن على فائت من الدنيا، ولا يفرح بآت منها، فهي عارية مستردة، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد:22-23].

فينظر إلى القدر ويشاهد حكمة الله عز وجل في توزيع الأرزاق وتقسيمها، فيثمر الرضا بقضاء الله وقدره، فيرى آثار ذلك في سلوكه وفي حياته عندما تصيبه المحن وتصيبه المصائب، فهو لا يجزع عن المصيبة، ولا يفرح عندما تأتيه الدنيا فرح الغرور والكبر والبطر والأشر، لأن عند الميزان الصحيح فهو لا يحزن على فوات جناح بعوضة، ولا يفرح بوجود جدي أسك ميت عنده كما لا يفرح الناس بذلك في الدنيا.

ولكل حسنة يعملها العبد أثر وزينة يتزين بها، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه، في بيان معان من هذه الزينة:"إن للحسنة ضياءا في الوجه ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق".

فمن زينة الإيمان ما يجعله الله عز وجل في القلب، وهي البصيرة التي يلقيها الله عز وجل في قلب العبد:
-        حتى يبصر حقائق الوجود، ويعرف ما تؤول إليه هذه الحياة، ويتعظ بمن مضى ويتذكر ما هو مقبل عليه من الآخرة.
-        ويعرف قوة الله عز وجل وعظمته وقدرته وإرادته وعلمه وحكمته وعدله وفضله عز وجل، ويرى ويشاهد آثار ذلك في الكون كله.
-        ويرى آثار أسماء الله عز وجل من صفاته في حياته، في نفسه وفيمن حوله؛ فيحصل له البصيرة والنور.
-        فيدرك به ما جاءت به الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيقتدي بهم.
-        ويهديه الله عز وجل ويرشده لأحسن الأخلاق ويصرف عني سيئها، ويرشده إلى أحسن الأعمال ويصرفه عن سيئها، ويهديه الله عز وجل لأحسن الأقوال فيتكلم بها، فيجعله الله هاديا مهديا.
-        وكذلك يجعله يزن الأمور كلها بميزان الشرع، فيرى ما يزن به العظيم والحقير.