تحديات تحتاج قامات

  • 190

تكلمنا في المقالة السابقة عن أهم مفردات التحديات التي سوف تواجه نظام الحكم المصري، إنها تحديات السياسة الداخلية، والتي لن تؤثر فقط على واقعنا الداخلي، بل هي أهم نقطة مؤثرة على التحديات الخارجية.
خارجيا.. هناك تحدي سد النهضة الأثيوبي، الذي غير تصميمه من الجانب الأثيوبي، ذلك الجانب الذي استغل ما تمر به مصر ليزيد تصميم السعة من 14 مليار متر مكعب من المياه إلى سعة 74 مليار متر مكعب، وهذا رقم ضخم يحتاج إلى سنوات حتى يكتمل ملأه، ومن ثم يزداد عطش مصر، والتي دخلت بالفعل حيز الفقر المائي بعجز قدره 20 مليار متر مكعب.
التحدي الخارجي الثاني هو حالة الاضطراب التي تشهدها دول عربية شرق وغرب وجنوب مصر، ولا يقولن أحد:"مالنا ومال ما يحدث من حولنا، ألا يكفينا ما نحن فيه؟!"، فإن الأمن القومي المصري هو مجموعة دوائر كل منها يؤثر على الدائرة الداخلية التي تليها، فمعنى أن ما يحدث في مالي البعيدة يلقي بظلاله على كل من المغرب العربي وليبيا بحدودها الطويلة مع مصر، والتشابك العائلي القبلي بين غرب مصر وشرق ليبيا، بالإضافة إلى حاجة كل منهما للأخرى في المجال الاقتصادي والتبادل التجاري، ولا شك أن الاحتياجات المتزايدةللبترول والغاز الطبيعي تجعل ليبيا بالقطع مستهدفة من العديد من القوى الخارجية (المتصارعة) على الاستخراج، وهناك قوى أخرى كشركات البناء والمقاولات تبدأ في سن أسنانها انتظارا لعوائد ما بعد الاستخراج، وكل ذلك بالقطع لابد أن يضع مصر في الصورة، هذا لو تكلمنا عن ليبيا المستقرة، وأثر ما يحدث في مالي وشمال النيجر وتشاد، على هذا الجار الشقيق، فما بالنا ونحن نرى الوضع بهذه الصورة في ليبيا لدرجة خطف رئيس الوزراء الليبي وإطلاق صراحه... وغيرها كثير، ومثل ذلك ما يحدث في السودان وخطر التقسيم واليمن، والتي تتحكم في مدخل البحر الأحمر، وسوريا التي تمثل موقعا هاما للعديد من مواقع الصراع الإقليمي العالمي والطائفي، وكل ذلك يؤثر تأثيرا مباشرا على مصر، تحديات عديدة خارجية تؤثر على الداخل المصري والداخل المصري يؤثر على دور مصر الخارجي وهكذا هي دوائر مغلقة.
وإذا توجهنا تلقاء التحديات الداخلية المباشرة فهنا يبرز العامل الاقتصادي، حيث بلغ الدين العام مستوى إذا وضع بجانب معدلات النمو، وفي خلفية الصورة، حجم البطالة ومستويات ازدياد نسبة الفقر في المجتمع ومن أمام الصورة ارتفاع نسبة التضخم (التي تعني بالعامية أن الجنيه يصاب بالهزل أمام شراء المنتجات)، وهذا التضخم الذي يشوي بناره العائلات الفقيرة يجعل إلغاء الدعم، والذي يستنفذ جزءا ضخما من الميزانية، بالنسبة لأي حكومة أو رئيس قادم، عملا انتحاريا، كما أن استمرار الدعم بصورته الحالية، التي لا تتناسب مع مفاهيم العدالة الاجتماعية،وتسريبه لغير المستحقين، كل ذلك يجعل استمراره بهذه الصورة عملا انتحاريا (يعني بالعامة تطلع فوق خسرانة تنزل تحت خسرانة).
ولكي يتم تصحيح هذا الوضع، بحيث لا يتحمل الفقير مزيدا من العبء،فنحن في حاجة إلى حلول ابتكارية، وأحيانا قاصية، إننا في حاجة إلى شعب مدرك للحقائق ويثق في قيادته، وللأسف فإن الانتفاضات الفئوية التي انفجرت في مصر في الفترة الأخيرة (عمال غزل المحلة، سائق النقل العام، الأطباء، الصيادلة...وربما تلحق بها بقية أخرى) كل هذه المطالب الفئوية تدل على أن الناس صبرها قد نفد وثقتها في الحكم قد تلاشت، وإنك لتعجب من هؤلاء الذين أعطوا الوعد بحد أدنى للأجور يتم تنفيذه مؤجلا إلى بداية العام يناير 2014، والفقراء يزداد عليهم الغلاء ويحسبون الوقت المتبقي على أمل الـ 1200 جنيه، لا أقول شهرا شهرا بل يوما يوما، ثم ماذا يتحقق من الوعد؟! لا شيء سوى مزيد من الغلاء، مزيد من الأعباء مزيد من نقص الخدمات مزيد من البؤس والشقاء، مقابل ماذا؟! مقابل مجموعات متصارعة على الحكم، وأمان فقد في الشارع، وقمع أطل برأسه البشع على الجميع، أريد أن أعرف من ذلك الأحمق الذي أعطى ذلك الوعد الذي يمكن تحقيقه.
تحد آخر هو على المجال السياسي أن بلدا يستبدل فيه الدستور ثلاث مرات في ما يقرب من ثلاث سنوات، وهو ما يبرز وجود أزمة "الشرعية السياسية"، إضافة إلى مشكلة غياب الرضائية الشعبية، فإذا أضيف لذلك حالة الاستقطاب الحاد الموجودة في الشارع، فهنا تتحول التحديات،والتي يمكن إضافة لها المزيد من التحديات مثل مليونا من أطفال الشوارع ينتج عنهم 1800 جناية وجنحة سنويا...إلخ، تتحول إلى وضع بعضها بجوار بعض إلى شيء أشبه بشبح الموت كما يصورنه بردائه الأسود المخيف ومنجله في يده.
أزمة اقتصادية، أزمة شرعية، استقطاب حاد، قتل وإرهاب، وشعب بدأ صبره ينفذ، ليس هناك وصفة أسوا من تلك.
وهناك تبرز المسئولية والتحدي.. هل نملك قامات تملك حلولا يثق بها الشعب ويظل يثق بها مهما طال مرار العلاج ومشقة طريق الخلاص؟! هل نملك قامات تتحدى نعيق غربان تدعو لاستمرار الاحتراب الداخلي لأنها لا تعيش إلا على دماء تسفك من هنا وهناك؟!
هل يوفقنامثل هؤلاء؟!
من خير الدعاء:"اللهم ولِّ علينا خيارنا ولا تولِّ علينا شرارنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا".