فوائد إيمانية من قصة إبراهيم عليه السلام

  • 3566

فوائد إيمانية من قصة نبي الله  إبراهيم عليه السلام
 

أهمية الدعاء والحكمة من البلاء

 

كان إبراهيم عليه السلام عندما يصيبه أمر يفزع إلى الله عز وجل، ويلجأ إلى الصلاة والدعاء كما في قصته مع جبار مصر حين أتى بامرأته سارة إلى مصر وعلم إبراهيم –عليه السلام- أنه لو أخبرهم أنها امرأته لقتلوه وأخذوها، فقال لزوجته ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك وأنت أخت لي في دين الله –عز وجل-، فأمرها أن تخبرهم بأنها أخته حتى لا يُقتل، فأخذها الجبار فأراد أن يتناولها، ووقف إبراهيم –عليه السلام- يصلي ويدعو الله –عز وجل-، فأخذ الله سبحانه وتعالى ذلك الجبار الملك الظالم الذي أراد أن يتناول سارة وأكرمها الله –سبحانه وتعالى- وعصمها منه مرات متتابعة كلما أراد أن يهوي بيده إليها أًخذ وشُلت يده، حتى قال: اذهبوا بها، إنما آتيتموني بشيطان ولت تأتوني بإنسان اذهبوا بها وأعطوها هاجر، فرجعت إلى إبراهيم –عليه السلام- وهو قائم يصلي فقال لها بعد أن انتهى من الصلاة "مَهْيَا" ما شأنك؟ فقالت: " رد الله كيد الفاجر وأخدم هاجر" (1)، وكان ذلك من فضل الله سبحانه وتعالى.

 

فالعبد المؤمن كثير الدعاء، يدعو ربه –عز وجل- في الشدائد والمحن، ويلجأ إليه سبحانه أن يعصمه وأهله، وينجيه من كل سوء ومن كل كرب، والدعاء يسمعه الله عز وجل من المؤمنين "وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ" (الشورى:26)، وبه تتغير مقادير الناس، والله سبحانه وتعالى يرفع ويخفض، وهو سبحانه كل يوم هو في شأن يفرج كربا ويغفر ذنبا، ويفك أسيرا، ويُطعم من يشاء، ويغني ويفقر، ويميت ويحيي، ويُسعد ويُشقي.

 

وجعل سبحانه من أسباب الخير لابن آدم كثرة الدعاء، وإبراهيم –عليه السلام- إمام في الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فعلينا بهذا السلاح العظيم الذي لو صدقنا الله عز وجل فيه، ودعونا الله سبحانه وتعالى بانكسار وضعف، وشعور بالفقر، والحاجة إليه سبحانه وتعالى لغَيّر الله عز وجل ما بنا، وذلك بشرط عدم الاستعجال.

 

فكثير من الناس يقول: نحن ندعو منذ سنين ولم يتغير الحال، فنقول بل تغيّر بفضل الله سبحانه وتعالى، فقد كانت الأمة قبل سنوات أو قبل عقود قليلة من الزمن بعيدة تمام البعد عن الله –عز وجل- وأكثر شبابها ورجالها ونسائها لا يعرفون حتى الصلاة ولا يؤدون الصلاة بل كان امرا معتادا منذ سنوات ليست بالكثيرة أن يكون كل الشباب لا يحافظن على أداء الصلاة، وأن تكون المساجد خالية من أهلها، وأن لا يكون هنالك علم بالكتاب والسنة، وإنما كان يسير الناس في شهواتهم ورغباتهم، وإن تسلط الأعداء على الأمة فإن ذلك من أسباب ردها إلى الله سبحانه وتعالى.

 

وعودة المسلمين إلى الله –عز وجل- ارتبطت بأحداث جسام تقع لهم، وهذا من أسباب رحمة الله بهم، كما قال –عز وجل- في بني إسرائيل إذ ذكر تسليط الأعداء عليهم قال: "عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ" (الإسراء:8)، فمن كان عنده بقية من إيمان وسلط الله –عز وجل- عليه البلايا والمحن فذلك لأجل أن يزداد إيمانا وتسليما، ولأجل أن يرحمه الله –سبحانه وتعالى-، ولا يجوز أن نقول: دعونا فلم يُستجب لنا فإن ذلك من موانع استجابة الدعاء، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- : "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" (البخاري:6340).

 

والاستعجال آفة خطيرة في الإنسان، وإنما تُقاس أعمار الأمم بعشرات السنين بل بمئاتها وليس بأعمار أفرادها، كم من التغيرات في حياة بشر لها مقدمات في الأجيال التي سبقتهم؟! وعلى قدر ما يقع في قلوب أهل الإيمان من إيمان وإسلام وإحسان يرفع الله عز وجل تسلط عدوهم عليهم، وبقدر صدقهم وامتثالهم وتذللهم لله –عز وجل- بقدر ما يرفع الله –عز وجل- ما نزل بهم، والله سبحانه يبتلي عباده؛ ليسمع تضرعهم، قال عز وجل:"فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا" (الأنعام:43).

 

فلنفقه لماذا نُبتلى بأنواع البلايا من الغلاء والأوبئة والمحن، وتسلط العدو، واحتلال البلاد، وأخذ الكبار والصغار والأولاد أسرى وغير ذلك من أنواع البلايا، ذلك لكي نزداد انكسارًا لله، ودعاءا وتضرعا لله -سبحانه وتعالى-، فالكسير يجبره الله الجبار سبحانه وتعالى، ومن تجبر وطغى يكسره الجبار سبحانه وتعالى العزيز ذو الانتقام، والله سبحانه وتعالى ينزل بأسه بالناس ليعودوا إليه عز وجل فإن لم يعودوا بل ازدادوا طغيانا فتح عليهم من أسباب الرخاء في الدنيا ثم يأخذهم بغتة كما قال عز وجل: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأنعام:44-45)، فنحن محتاجون إلى الدعاء وأن نقتدي بإبراهيم –عليه السلام- في الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى وكمال التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه حتى يرفع الله عز وجل ما بأمتنا من أنواع البلايا والمحن.

 

الثقة بالله وحسن الظن به سبحانه

وإبراهيم –عليه السلام- إمام في تصديق وعد الله سبحانه وتعالى وفي أنه عز وجل سميع الدعاء وإن طالت المدة، فإبراهيم –عليه السلام- سأل الله عز وجل أن يهب له من الصالحين وهو مهاجر من قومه، فقال: " وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (العنكبوت:26)، وقال تعالى: "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ" (الصافات:99-100)، فإبراهيم قد دعا إلى الله وهو فتى شاب ومع ذلك قدر الله أن تستجاب هذه الدعوة بعد كبر السن فإنما وُلد إسماعيل وهو ابن بضع وثمانين سنة، وإسحاق بعد ذلك بثلاث عشرة سنة، وعند أهل الكتاب بعد أن تجاوز المئة، فقال إبراهيم عليه السلام: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ" ( إبراهيم:39).

 

فاليقين في الله والثقة به من أعظم أوصاف الأئمة في الدين، قال عز وجل: "قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ" (الحجر:55-56)، فإياكم والقنوط عباد الله من رحمته وهو الولي الحميد، وذلك بعلمه وحكمته، ولو أعطى سبحانه العباد ما يشتهون لبغوا في الأرض كما قال تعالى: " وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ" (الشورى:27-28)، فكما جعل الله في المطر حياة البشر من بعد بأسهم، فكذلك في كل الكروب يُنزل ما يغيث به الناس، وينشر رحمته من بعد ما يقنط الناس وييأسوا إلا أهل الإيمان فإنهم لا يقنطون من رحمة الله أبدا، وإنما يُشفقون على أنفسهم أن يصيبهم بسبب ذنوبهم من عقاب الله عز وجل، ولكنهم لا يقنطون من رحمة الله الرحمن الرحيم، كيف يقنطون وهم يرون آثار الرحمة تملأ هذا الكون؟!

 

ورحمته –سبحانه- وسعت كل شيء، فلا تقنطوا من رحمة الله، وقولوا كما قال إبراهيم عليه السلام: "وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ" (الحجر:56)، وهو سبحانه يضيّق الأرزاق؛ ليعلم الناس أن الأمور ليست بأيديهم، وأنه هو وحده سبحانه الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو سبحانه وتعالى الخبير البصير بعباده وهو الذي يدبر الأمر بالعلم والحكمة، وبخبرته عز وجل وبصره بعباده يعلم أحوالهم ويسمع دعائهم ويعلم عواقب أمورهم، وهو يُشرف على عباده أذلين قلقين مشفقين يائسين إلا من رحمته فيظل يضحك علم أن غوثهم قريب وهو سبحانه يفعل ذلك؛ ليسمع تضرعنا ويرى ثقتنا بوعده وحسن ظننا به عز وجل، والله عند ظن عبده به كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" (البخاري:7405).

فأحسنوا ظنكم بالله، وثقوا بوعده، وهو سميع الدعاء، وإذا دعونا الله ونحن موقنون بذلك مع الضعف والانكسار كان ذلك من أعظم أسباب النصرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم" (البخاري:2896)، أي بدعائهم وتضرعهم لله عز وجل، وكم من دعوة مستضعف يقسم على الله فيبره سبحانه. " رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ" (مسلم:2622)، أي هو من أهل الإيمان الكُمّل الذين يوقنون بوعد الله ولو أقسموا على الله في الدعاء لأجاب الله قسمهم، وهو عند أهل الدنيا مستضعف فيهم ليس عنده من أسباب القوة الظاهرة ما يجعلهم يعتبرون بمنزلته ويعتدون بمقامه.

 

هذه بعض صفات إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام التي جعله الله إماما يُقتدى به ويُتبع، ومن كان من ذريته على شيء من هذه الصفات فهو إمام كذلك بقدر ما فيه، وأما من ظلم ولو كان من ذرية إبراهيم ، فليس داخلا في عهد الله عز وجل بالإمامة في الدين، قال عز وجل: "قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة: 124).

 

فهناك عهد أن يكون هناك أئمة من ذريته ولكن لا ينال هذا العهد الظالمين، فإن الله لا يقبل لهم ولاية ولا شهادة ولا يجعل لهم أمانة؛ لأن الظالم عند الله عز وجل مبعد عن الله عز وجل، وعنده مغضوب عليه وملعون: "أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (هود:18)، فاجتنبوا الظلم عباد الله بكل أنواعه: الظلم الأكبر، وظلم بعضكم لبعض، وظلم أنفسكم، إذا كانت إمامة إبراهيم عليه السلام ينالها كل من تبعه واتصف بصفاته حتى ولو كان من غير نسله فإن الله قال عن الإسلام: " مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ..." (الحج:78)، فهذا يعني دخول العرب والعجم في ذلك، فإبراهيم الإمام لكل من تبعه، وآلُهُ من تبعوه على دينه وملته من ذريته ومن غيرهم، فإنما الصلة بين أهل الإيمان بالأعمال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" (البخاري:2699)، وكما قال صلى الله عليه وسلم: " ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين" (صحيح الجامع: 1217).