إعلام الأنام بمخالفة عبد المقصود وصحبه للكليم والرسل الكرام

  • 162

لمَّا اشتد النقد على الدكتور عبد المقصود وإخوانه لخروجهم من البلاد نجاة بأنفسهم من السجن، أو الموت، وتركهم الشباب يلاقون مصيرهم، وكونه ومن معه قد ناقضوا أنفسهم في ذلك حيث يطالبون غيرهم بالثبات والتضحية بالنفس والمال، ويعدونهم بأن من مات منهم فقد مات شهيدا، وأن من عاش فسيعيش حميدًا، وكان الأولى بهم ذلك كما هو شأن الأنبياء والرسل وكل الدعاء الصادقين والعلماء المصلحين، حيث يكونون أول الناس التزامًا بما يقولون، وأسرع الناس امتثالًا لما يدعون إليه، وأعظم الناس ثباتًا في الشدائد والمُلِمَّات.

أقول لمَّا اشتد ذلك فما كان من عبد المقصود إلا أن احتج على مشروعية صنيعه، نعني خروجه من مصر طلبًا للنجاة، وفرارًا من الأذى بخروج موسى عليه السلام من مصر خائفًا يترقب لينجو من القوم الظالمين بعد أن قتل الرجل القبطي، ونحن لا نعترض ابتداءً على استدلاله بما فعل موسى عليه السلام، لكننا نعترض على أن يأخذ من قصص الأنبياء ما يوافق غرضه ويدع منها ما يبين خطأ ما سلكه هو وإخوانه، وإلا فنحن إذا قارنا صنيعه ومن معه في الأزمة من أولها إلى آخرها نقصد أزمة الإسلاميين بمصر بمنهج الأنبياء عليهم السلام، لاسيما ما ورد في قصة الكليم موسى عليه السلام، وكذا سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لوجدناه لمنهج الرسل الكرام مخالفين وعن هديهم معرضين، وللرأي بعيدًا عن الشرع مُحَكِّمين، وهاك على ما نقول الأدلة والبراهين من السنة والقرآن المبين:

أولًا - أن موسى عليه السلام حينما استغاثه رجل من شيعته على الذي من عدوه،  فدافع عنه موسى عليه السلام بوكز القبطي فأدى ذلك إلى قتله بلا قصد منه ولا عمد، فما كان من موسى عليه السلام إلا الندم على ذلك، وأعلن أن هذا من عمل الشيطان، فطلب التوبة من ربه (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ )، (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ? إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) فهل فرح موسى عليه السلام بقتل هذا الرجل الذي هو من آل فرعون، ومعلوم أنهم كانوا يُقتِّلون بني إسرائيل، ويُنزلون بهم أشد العذاب، ويستحيون نساءهم ؟ أم عدَّ ذلك ذنبًا وخطيئة يستغفر ربه عز وجل منها على الرغم من أن ذلك حدث على سبيل الخطأ لا القصد؟ وذلك لأن إزهاق الأرواح وإن كانت كافرة لا يجوز إلا بإذن من الشرع، ولذا قال عليه السلام كما في حديث الشفاعة ( إني قتلت نفسًا لم أُومر بقتلها)، فانظر كيف عدَّ ذلك ذنبًا يمنعه من طلب الشفاعة من ربه على الرغم من أنه قد تاب منها، فانظر إلى أى مدى يُعَظِّم منهج الأنبياء شأن النفوس والحفاظ عليها وإن كانت كافرة إلا بإذن من الشريعة وأدلة أوضح من شمس النهار، فأين هذا ممن يستهينون بالدماء والأرواح، مع أنها نفوس مسلمة معصومة بيقين، فشأن الأنبياء في ذلك التثبت والتحري أما عبدالمقصود ومن معه فشأنهم الاندفاع والتجرى.

ثانيًا- لمَّا استنصر الرجل الإسرائيلي موسى عليه السلام في اليوم التالي حينما اشتبك مع رجل آخر فما كان من موسى عليه السلام إلا أن أنكر عليه بأشد العبارات كما أخبر الله عز وجل في محكم التنزيل فقال له (إنكَ لَغَويٌّ مُبين)

قال القرطبي: ( أي تشادد من لا تقدر عليه )، فانظر رحمك الله كيف وصف دخوله في صراع غير متكافئ، وجلبه للمفاسد والمضار بالغواية الظاهرة، فلم يبرر له أفعاله، ولم يبحث له عن مخرج يُلبس به خطأه ثوب المشروعية.

فهلَّا فعل الدكتور عبد المقصود مثل ذلك تأسيًا بموسى عليه السلام كما تأسى به في خروجه فقال لجماعة الإخوان ومن دار في فلكها لمَّا أعلنوا الصدام والمواجهة، والتي يقر د. عبدالمقصود نفسه بأنها غير متكافئة، حيث قال لو كنَّا نملك عدة وعتادًا مثلهم لقاتلناهم، فهذا إقرار منه بالعجز والاستضعاف، فهلّا قال لكل من يشادد من لا يقدر عليه ( إنك لغويٌ مبين).

ثالثًا - لمَّا قتل فرعون السحرة الذين جاء بهم ليواجهوا موسى عليه السلام، فلمَّا رأوا المعجزات، وأن ما جاء به موسى ليس سحرًا، بل هو تأييد من الله له، فأعلنوا إيمانهم بالله وبرسوله موسى عليه السلام، فما كان من فرعون إلا أن اتهمهم لمَّا أقروا بالحق واتبعوا نبي الله موسى عليه السلام بأنهم أخذوا سحرهم عنه، وقال لهم (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) وتوعدهم بالقتل صلبًا على جذوع النخل مع تقطيع الأيدي والأرجل (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى?).

كل هذا لأنهم آمنوا بالله ربًّا، وبموسى عليه السلام نبيًّا، فلا يماري أحدٌ أنهم على الحق، وأنهم مظلومون، فما كان منهم إلا أن قالوا (لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى? مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ? فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ? إِنَّمَا تَقْضِي هَ?ذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فكانوا كما قال ابن عباس " كانوا في الصباح سحرة فجرة، وفي المساء شهداء بررة " فما كان رد موسى عليه السلام، وهو يرى قتل أتباعه وهم بالآلاف كما ذكر المفسرون أمام عينيه لا لشيء إلا أنهم آمنوا بالله.

فهل هيَّج أتباعه، وزجَّ بهم في معركة غير متكافئة، ثم لمَّا حمي الوطيس تركهم وانصرف طلبًا للنجاة لنفسه ؟ أم صبر واحتسب ؟ّ!

كما يوضح ذلك موقفه عليه السلام لمَّا توعد فرعون موسى وقومه وقال (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)، فما كان من موسى إلا أن قال (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ? إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ? وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، فهل كان هذا تنازلًا أو تخاذلًا أو عدم صدع بالحق ؟ أم كان حرصًا على تقليل المفاسد وعدم تكليف الأتباع بما فوق الطاقة والوسع.

قال صاحب تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (قال موسى لقومه موصيًا لهم في هذه الحالة التي لا يقدرون معها على شيء، ولا مقاومة إلا بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية " استعينوا بالله واصبروا"، أي اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا بالله أنه سيُتِم أمركم "واصبروا" أي الزموا الصبر على ما يحل بكم منتظرين للفرج، " إن الأرض لله " أي ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكما فيها، " يورثها من يشاء من عباده" أي يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته، ولكن العاقبة للمتقين، فإنهم وإن امتِحنوا مدةً ابتلاءً من الله وحكمة، فإن النصر لهم،" والعاقبة " الحميدة "للمتقين" على قومهم. وهذه وظيفة العبد أنه عند القدرة أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير ما يقدر عليه، وعند العجز أن يصبر ويستعين بالله وينتظر الفرج ) أ.هـ                       

فلم يأمرهم موسى عليه السلام بحرق ولا إتلاف لشيء بزعم أن ذلك من الردع لعدوهم كما فعل عبد المقصود بزعم أن هذا من باب المقاومة السلمية ما دام أنه لا يصل إلى حمل السلاح، ونؤكد هنا أن الأمر بالصبر والثبات حالة الاستضعاف ليس خاصًّا بموسى علية السلام, بل  هو هدى الأنبياء جميعًا.

فهذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمر على ياسر وسمية وهما يعذبان فيقول( صبرا آل ياسرفإن موعدكم الجنة ) وهو أغير الناس على الأعراض وأحرصهم على نصرة المستضعفين ولكنها الشريعة الإلهية التى جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، ولما يأتيه خباب بن الأرت "يا رسول الله ألا تدعو الله لنا ألا تستنصر لنا ؟ فما كان منه إلا أن أمر بالصبر والثبات "( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا ؟ فقال: ( قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) (ولكنكم تستعجلون ). ‏ أي سيزول عذاب المشركين, فاصبروا على أمر الدين كما صبر من سبقكم. 

وحتى لا يزعم زاعم أو يدَّعي أحدٌ أن هذا منسوخ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (من كان في أرض وهو فيها مستضعف فليعمل بآيات العفو والصفح وعدم رد الأذى، وهذا عيسى عليه السلام يأمره الله عز وجل أن يُحَرِّز عباده المؤمنين في آخر الزمان، ولا يدخلهم في مواجهة مع الناس لا قبل لهم بها، ولا طاقة بقتالهم، فأين د.عبد المقصود ورفاقه من هدي هؤلاء الأنبياء، فليتق الله في شباب الأمة، ولا يدفع بهم في الهاوية بزعم طلب الشهادة، التي كان أولى به أن يسعى لنيلها لو كان ذلك حقًا، أو بزعم كلمة الحق عند سلطان جائر، والتي كان هو أولى أن يبقى بمصر ليقولها، فأهل العلم هم أولى الناس بذلك، أما وأنه لم يفعل ذلك فكيف يرضى بأمة محمد ما لم يرضه لنفسه، وكيف يُحَرِّز نفسه دونهم.

رابعًا - أن الله عز وجل لمَّا أمر الكليم موسى وأخاه هارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون أمرهم أن يخاطبوه بالقول اللين فقال تعالى (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، يقول العلامة السعدي: (  "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا" أي سهلًا لطيفًا برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش، ولا صلف، ولا غلظة في المقال أو فظاظة في الأفعال " لَعَلَّهُ "بسبب القول اللين " يَتَذَكَّرُ " ما ينفعه فيأتيه أو يخشى ما يضره فيتركه " فإن القول اللين داعٍ لذلك، والقول الغليظ يُنَفِّر عن صاحبه " وقد فسَّر القول اللين في قوله (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ) فإن في هذا الكلام من لطف القول وسهولته، وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل، فإنه أتى بـ "هل" الدالة على العرض والمشاورة التي لا يشمئز منها أحد، ودعا إلى التزكِّي والتطهر من الأدناس التي أصلها التطهر من الشرك الذي يقبله كل عقل سليم، ولم يقل " أُزَكِّيك" بل قال "تزَكّى" أنت بنفسك، ثم دعا إلى سبيل ربِّه الذي ربَّاه، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي مقابلتها بالشكر، وذكرها فقال (  وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) فلمَّا لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب علم أنه لا ينجح فيه تذكير، فأخذه الله أخذ عزيزٍ مقتدر) أ.هـ

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله ( هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين وأن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين، قريب سهل، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجح ) أ.هـ عمدة التفاسير ج/2 صــ466.

فهلَّا التزم د. عبد المقصود بهذا مع أهل الإسلام، بل مع أهل العلم والدعاة الذين خالفوه فيما ذهب إليه، على الرغم من أنهم لزموا منهج الأنبياء وانضبطوا بأحكام الشريعة، وكانوا أبعد نظرًا وأكثر حكمة كما قطع الواقع بذلك، مع كونهم أسبق منه دعوة كما شهد هو لهم بذلك مرارًا، كما قال ذات مرة ""أننا كنَّا على المقاهي، وهؤلاء يُعَلِّمون الناس دين الله عز وجل "" قال ذلك عن مشايخ الدعوة السلفية، وشكر للدكتور ياسر برهامي نصرته للشريعة في تأسيسية الدستور أمام ما يقارب المائة أو يزيد في اجتماع الهيئة الشرعية منذ عامين وغير ذلك كثير.

فأين صنيعه من مسلك الأنبياء، ألا ليته يراجع نفسه ويسارع بالتوبة، أم أنها مقيدة بمنصة رابعة العدوية حيث اشترط بعض رفاقه بذلك، ألا فليعلم بأن حقوق العباد ستؤدى حتمًا إن لم يكن في الدنيا، فبين يدي الملك يوم القيامة حيث يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، فما بالنا بمن يفتري في حق أهل العلم والدعوة، ويطعن في أعراضهم بغير بينة، ولا برهان، بل بما شهد لهم هو بخلافه، وقد أرسل الموت له نذره

فتب مما جنيت وأنت حيٌ *** وكن متنبهًا قبل الرقاد