حرمة أهل العلم

  • 201

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فلا شك أن الله تعالى رفع قدر أهل العلم وجعلهم ورثة الأنبياء واصطفاهم ليقوموا بواجب الدعوة ووظيفة الأنبياء بعد موتهم.

فضل العلماء:

وقد تواترت أدلة الكتاب الكريم والسنة المطهرة على الإشادة بفضلِ العلماء، والإشارة بعلو مقامهم، فمن ذلك قول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات "، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9].

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِن الله وملائكته، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحر، ليُصَلُّون على معلم الناس الخير "رواه الترمذى وصححه الألبانى.

وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله واصفًا العلماء: (هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء، بهم يهتدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}.

احذروا من الطعن فى العلماء!

والأحاديث النبوية تحذر من سوء الأدب إلى حد تبرؤ النبي - صلى الله عليه وسلم ، حيث قال: " ليس منا من لم يُجلَّ كبيرنا, ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه "(رواه أحمد وحسنه الألبانى ).

 وفى الحديث: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال: وهي عصارة أهل النار).

وروي عن الإمام أحمد أنه قال: " لحوم العلماء مسمومة، من شمَّها مرض، ومن أكلها مات.

"وقال الحافظ ابن عساكر  (واعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- أن لحوم العلماء - - مسمومة، وعادة الله في هَتْك أستار منتقصيهم معلومة،.. ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلْب؛ ابتلاه الله تعالى قبلِ موته بموت القلب.

قال ابن الجوزى رحمه الله: من سرّح لسانه في أعراض المسلمين واتبع عوراتَهُم ، أمسك الله لِسانه عن الشهادة عند الموت.

هل يستوى العلماء مع غيرهم ؟ ..... حرمة العلماء مضاعفة

نص الشافعية على أن (الغيبة إذا كانت في أهل العلم وحملة القرآن الكريم فهي كبيرة، وإلا فصغيرة) ومن المعلوم أنه لا يستوي ما حرمه الله من جهة واحدة، وما حرمه من جهات متعددة، فالجرم يعظم بتعدد جهات الانتهاك، ويعظم -تبعًا لذلك- الإثمُ، ويتضاعف العقاب: فظلم النفس بالمعاصي حرام في كل زمان ومكان لكنه أشد إذا وقع في الأشهر الحرم، ولذلك قال تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].

ولهذا نظائر: قال - صلى الله عليه وسلم -: " لأن يزني الرجل بعشر نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره، ولأن يسرق الرجل من عَشرة أبيات أيْسَرُ له من أن يسرق من بيت جاره " (أحمد وغيره  وص الألبانى).

منهج السلف والتربية الحقيقة:

ولاشك أن " الأسرة " هي أخطر مؤسسة تربوية، وأن " الوالد " يتحمل المسئولية الكاملة عن التوجيه التربوي لأهله وولده، فإن فسد القَوَّامُ؛ عمَّ الفسادُ جميعَ الأقوام، فكيف لوالد أن يطعن فى العلماء وفى أعراضهم  ونواياهم ثم يدعى أنه يربى أولاده؟

وقال أحد السلف لابنه: " يا بني! لأن تتعلم بابًا من الأدب، أحبُّ إليَّ من أن تتعلم سبعين بابًا من أبواب العلم".

قال مالك بن دينار يقول:" كفى بالمرء شرًّا أن لا يكون صالحًا، وهو يقع في الصالحين".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " البلاء موكَّل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أُحَوَّل كلبًا".

قال ابن عباس: لو قال لي فرعونُ خيرًا لرددتُ عليه"، "لو قال لي فرعون: بارك الله فيك، قلت: وفيك، وفرعون قد مات".

وعن سفيان بن حسين، قال: كنت عند إياس بن معاوية وعنده رجل، تخوفت إن قمت من عنده أن يقع فيَّ، قال: فجلست حتى قام، فلما ذكرته لإياس، قال: فجعل ينظر في وجهي، فلا يقول لي شيئًا حتى فرغت، فقال لي: " أغزوت الديلم؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت السند؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت الهند؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت الروم؟ "، قلت: " لا "، قال: " فسلم منك الديلم، والسند، والهند، والروم، وليس يسلم منك أخوك هذا؟ "، فلم يعد سفيان إلى ذلك.  

وقد حكي أن رجلا كان يجرئ تلامذته على الطعن في العلماء وإهانتهم، وذات يوم تكلم بكلام لم يرق أحد تلامذته، فقام إليه فصفعه على رءوس الأشهاد {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. واعمل ما شئت كما تدين تدان. والله المستعان.