هل الحل انتخاب رئيس؟!

  • 167

مصر في أزمة وتبحث عن الحل، وفي حالة جل المرضي الأنين ظاهرة والعلاج مفقود، ولا سبيل له إلا بطبيب موفق يشخص المرض، لكن كيف يكون الحال لو أراد المريض تجاوز التشخيص ليحصل فورا على الدواء؟! هذا باختصار هو توصيف الحالة المصرية.

ولعل ما يلقي مزيدا من الأضواء مشهد الاستفتاء على الدستور الأخير،"طرف نقيض، طرف المقاطعة" ويشمل في أغلبيته قطاع الشباب وكثير من فصائل القوى الإسلامية، وعلى الطرف المقابل نجد الحضور الأكبر لقطاعات معينة من النساء، وبلغت حماسة البعض منهن درجة التعبير الهيستيري المخالف للأعراف المصرية، نعم تعبر النساء عن الفرح في البرازيل بالرقص في الشارع، لكن أن يحدث هذا أمام لجان الانتخابات في مصر من عدد قليل؛ فهذا لا يمكن تفسيره إلا على أنه نتيجة ضغوط وجدانية بالشارع، والصراع الدموي المستمر الذي يسقط كل يوم المزيد من الأبناء والأزواج والآباء؛ مما يجعل دقائق المرأة المصرية دقائق قلق أو ألم، والمثل المصري يعبر عن هذه الحالة بالسراب حين يصيغ الحكمة القائلة "الغريق يتعلق بـ(قشة)"، إن لحظة البحث عن القشة هي لحظة سعيدة،إنها حالة الأمل، لكن حين تمسك بها يتحول الأمل السعيد إلى صنيع بغيض؛ ولعل هذا هو الذي يمكنه شرحعملية انهيار البورصة المصرية التي فقدت ما يقرب من 52مليار بعد، ولأن البعض ترشح لرئاسة الجمهورية، ذهب البعض إلى كون ذلك مؤامرة اقتصادية، لكن لم توجد أدلة، وقيدت القضية ضد مجهول؛ لكن يمكن النظر للأمر من وجه نظر المثل المصري السابق وتداعياته.

كان هناك تعلق من رجال الاقتصاد بأن بدء عملية تنصيب رئيس سيكون له آثار إيجابية تعدل من حالة عدم اليقين والخوف من الغد التي أصابت الاقتصاد في الصميم، لكن إعلان ترشح الرجال الأقوياء لم يغير أي شيء في الشارع السياسي أو في السوق؛ هنا أدرك هؤلاء أن الرئاسة قد لا تكون حبل النجاة، بل قد تكون مجرد قشة هنا حدث  حبل النجاة، بل قد تكون مجرد قشة هنا حدث انتكاس وسواء كان هذا الاستنتاج صحيح أو خاطئ، فإن وقائع وحقائق الأوضاع تجعل الإجابة عن هذا السؤال متشائمة: هل انتخاب الرئيس هو الحل؟! وهذا بدوره يفرض سؤالا آخر: لماذا التشاؤم هو الأوحد في هذه المرحلة الصعبة؟!أين التفاؤل؟! والإجابة: الرائد لا يكذب أهله، والتفاؤل عند المسير في أرض الرمال المتحركة نحو السراب هو ضياع، وهنا التشاؤم إذا دفع صاحبه لمراجعة المسير هو نجاة.

سؤال آخر: عرفنا وجهة النظر القائلة بأن اعتبار أن مجرد إجراء عملية انتخابية رئاسية هي السبيل الكافي للنجاة، وكونها تعلق غريق بقشة: فما هو الغريق الذى يجب أن ننجيه،وما هو سبيل النجاة؟! نرجع مرة أخرى إلى المقالات السابقة التى يجمعها عنوان "الدنيا مصالح دخلتها الحياة السياسية" هى طِلبة توظيف القوى لقدراتها لفرض إرادتها التى تحقق مصالحها بالأخص الحيوية والهامة منها، وأزمة مصر فى حقيقتها هى تضارب مصالح لم تصل بعد لمعادلة توافق أصحابها على الحد الأدنى والأعلى لكل منهم المحقق لسلام المجتمع؛ حيث إن البيئة السياسية الداخلية لأى دولة لاتقبل استمرار حالة حرب المصالح الذى تسمح به البيئة السياسية الخارجية الدولية؛ فالصراع  بين روسيا وأمريكا على أوكرانيا مثلا لايمكن أن يتصور أن يكون داخل روسيا نفسها أو أمريكا داخليا، ووجوده الآن داخل أوكرانيا يهدد أصل وجود الدولة.

الوظيفةالأساسية لأى نظام حاكم هو حفظ وترتيب الحد الأدنى والمصالح لكل قوة فاعلة فى المجتمع، وبقدر تأثيرها فيه، فاذا كانت هذه القوى مازالت  فى طور المراهقة السياسية، ونظام الحكم الذى يصل كمحصلة لتدافع هذه القوى هو نظام عاجز أن يوفق بينهما حسب موازين الواقع الفعلية،أى أن المعادلة هى نظام عاجز يحكم قوى غير راشدة؛ فهذا يعنى أزمة سياسية كبرى.

نعود إلى مصر، هناك صراع مصالح بين عدة مجموعات متناقضة، صراع في ثلاث مجالات: الأول هو الثقافة والفكر والأيدلوجيا بين وجهتين رئيسيتين "الإسلام والعلمانية،إسلام تمثلة مجموعات عدة من أقصى التناقض إلى أقصاة الآخر داخل المعسكر الواحد "الإسلام"،ومجموعات أقرب للخوارج وأخرى أقرب للمرضى، وإن كان الحل والحمدلله أقرب لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ هذا جانبوالجانب الآخر هناك تناقض لايقل جزاؤه بل يزيد، هناك أقصى اليسار "الشيوعيون"ومعهم الأناركيون "الفوضويون "مقابل الرأسماليين، ومتطرفو الليبرالية مقابل الناصريين...

مجال الصراع الثانى هو المجال الفئوى، عمال يريدون حقوقهم،أطباء يريدون مقابل مايبذلون، وفئات أخرى تريد أن تعلو على كل الفئات؛إنه الصراع الفئوى.

المجال الثالث هو الدولة العميقة والمصالح المرتيطة بها سواء لأفرادها أو للطبقات التى نشأت خلال الـ60 سنة الماضية، على طريقة "شيلنى واشيلك"، وبالإضافة لمجالات الصراع الثالث تلك هناك لاعب هام لايمكننسيانه هو"الكنيسة"،وهو لاعب خامل يحرك ويقلب كل الموازين لأصحاب هذه الداوائر الثلاث،أو قل إن شئت هولاءاللاعبون الأربعة المختلفون هناك مؤثر واحد يشملهم جميعا وقد يكون محددا لشكل وطبيعة ملعب الصراع الذى فشلنا جمعيا فى إدراته.