عاجل

يا أبناء الدعوة السلفية... استعينوا بالله واصبروا

  • 180

تتعرض الدعوة السلفية وحزب النور لحملة تكسير عظام شرسة من المتوقع أن تزداد شراستها في المرحلة المقبلة، والعجيب أن مَن يتولى كبر الحملة تياران متناقضان يحاول كل منهما تكسير عظام الآخر، ولكنهما - سبحان الله -تفرق شملهما إلا علينا.
 
وعلى أبناء الدعوة في هذه المرحلة الحرجة أن يتمسكوا بحبل الله عز وجل وأن يستضيئوا بنور الوحيين، وأن يعتبروا بأن الأنبياء عليهم السلام رغم وضوح صحة منهجهم كانوا أشد الناس بلاءً.
ونذكّر من يبغون علينا ويفترون علينا الأكاذيب من كلا التيارين المتناقضين بقول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28]. وبقوله تعالى: { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [النساء: 112]. إن من يفعل ذلك قد جمع عدة مفاسد كما يقول الشيخ السعدي رحمه الله: «كسب الخطيئة والإثم، ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها، ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء، ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية، تندفع عمن وجبت عليه، وتقام على من لا يستحقها».
 
كما نذكّرهم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عقوبة الرَّجُلِ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكِذْبَةَ تَبْلُغُ الآفاقَ أنه يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، ومِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (رواه البخاري). يُشَرْشَرُ: يُقطَع. والشدق: جانب الفم.
 
ونحذر أبناء الدعوة من الوقوع في البغي الذي يعاملهم به خصومُهم مهما حدث، نعم من حقهم الدفاع عن أنفسهم وبيان مبررات صحة مواقفهم، ولكن هذا يجب أن يكون بإنصاف ودون الوقوع فيما يفعله خصومهم من السب واللعن والاتهام بالكفر والنفاق وغير ذلك.
وههنا بعض الآيات التي يجب أن نضعها نُصب أعيننا في هذه المرحلة:
1-   قال تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: 79 - 82].
 
قال الشيخ السعدي رحمه الله: « وهكذا كل مُفسدٍ عمل عملا واحتال كيدًا، أو أتى بمكر، فإن عمله سيبطل ويضمحل، وإن حصل لعمله روجان في وقتٍ ما، فإن مآله الاضمحلال والمحق.وأما المصلحون الذين قصْدُهم بأعمالهم وجه الله تعالى، وهي أعمال ووسائل نافعة، مأمور بها، فإن الله يصلح أعمالهم ويرقيها، وينميها على الدوام».
 
2-  قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } [الحج: 60]. وتأمل قول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيرها: « وإذا كان المجازِي غيره، بإساءته إذا ظُلِم بعد ذلك، نصَرَه الله، فالذي بالأصل لم يعاقِب أحدًا إذا ظُلِمَ وجُنِيَ عليه، فالنصر إليه أقرب.
 
3- قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } [يونس: 23]. قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: « أَيْ: إِنَّمَا يَذُوقُ وَبَالَ هَذَا الْبَغْيِ أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ وَلَا تَضُرُّونَ بِهِ أَحَدًا غَيْرَكُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: « مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرَ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدخر لَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ». اهـ.
(والحديث رواه أبو داود ، وصححه الألباني).
 
4- قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].

5- قال تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الْفَتْحِ: 10].

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِي: « ثَلَاثٌ مِنْ فَعَلَهُنَّ لَمْ ينجُ حَتَّى يَنْزِلَ بِهِ مِنْ مَكْرٍ أَوْ بَغْيٍ أَوْ نَكْثٍ، وَتَصْدِيقُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ}، {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}. [تفسير ابن كثير (6/ 559)].

6- قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]. يقول الشيخ السعدي رحمه الله: « فإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر - وهي الصبر والتقوى- لم يضركم مكرهم، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم؛ لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء».

وإذا كانت هذه الآية قد نزلت في المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم، فهي عامة في أن الصبروالتقوى وسيلتان ناجعتان في دَفْعِ كيد كل ذي شر. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يُرْشِدُهُمْ تَعَالَى إِلَى السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ وكَيْدِ الفُجّار، بِاسْتِعْمَالِ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُحِيطٌ بِأَعْدَائِهِمْ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَلَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ».

7- {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128].

قال الشيخ السعي رحمه الله: « وهذه وظيفة العبد، أنه عند القدرة، أنْ يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير، ما يقدر عليه، وعند العجز، أن يصبر ويستعين الله، وينتظر الفرج».

8- { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة: 153]. فالمؤمن يستعين على أمورهم الدينية والدنيوية بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ؛ فالصبر هو المعونة العظيمة على كل أمر، والعبد محتاج إليه ، بل هو مُضطر إليه في كل حالة من أحواله، فلهذا أمر الله تعالى به، وأخبر أنه {مَعَ الصَّابِرِينَ} أي: مع من كان الصبر لهم خلقا، وصفة، وملكة بمعونته وتوفيقه، وتسديده، فهانت عليهم بذلك، المشاق والمكاره، وسهل عليهم كل عظيم، وزالت عنهم كل صعوبة.
 
وأمر تعالى بالاستعانة بالصلاة لأن الصلاة هي عماد الدين، ونور المؤمنين، وهي الصلة بين العبد وبين ربه، فإذا كانت صلاة العبد صلاة كاملة، مجتمعا فيها ما يلزم فيها، وما يسن، وحصل فيها حضور القلب، الذي هو لبها؛ فصار العبد إذا دخل فيها استشعر دخوله على ربه، ووقوفه بين يديه، موقف العبد الخادم المتأدب، مستحضرا لكل ما يقوله وما يفعله، مستغرقا بمناجاة ربه ودعائه؛ لا جرم أن هذه الصلاة من أكبر المعونة على جميع الأمور؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولأن هذا الحضور الذي يكون في الصلاة، يوجب للعبد في قلبه، وصفا، وداعيا يدعوه إلى امتثال أوامر ربه، واجتناب نواهيه، هذه هي الصلاة التي أمر الله أن نستعين بها على كل شيء. (باختصار من تفسير السعدي).