إقليم الأحواز العربي (2)

  • 175

يعد إقليم الأحواز من الأقاليم القديمة تاريخيا، وشهد عبر تاريخه الطويل فترات عظيمة من الازدهار والرقي، كانت فيها مدنه منارات للعلم والتقدم في مختلف جوانب الحياة، بما كان فيها من ثروات، وما كان فيها من استقرار، وما ضمته من مدارس علمية وعلماء، وأصحاب حرف وصناعات، وأطباء وقضاة، وعمائر ومكتبات. بل شهدت مدينة السوس القديمة إنشاء أقدم مكتبة أيام دولة العلاميين، والتي سبق إنشاؤها إنشاء مكتبة بختنصر في العراق.

وقد عرف إقليم الأحواز ديانات قديمة متعددة منذ القدم، منها الزرادشتية والصابئة والنصرانية؛ فلما دخل الإسلام الإقليم بعد فتحه المسلمون عام 16 هجريا اتخذ أهل الإقليم دين الإسلام بديلا عن هذه الديانات السابقة، فصار الإسلام دين الغالبية في الإقليم من وقتها إلى الآن، وما يزال يضم الإقليم إلى الآن أيضا أقليات من النصارى واليهود والبهائيين.

وفي ظل الحكم الإسلامي بقي للإقليم ازدهاره، فبرز فيه علماء وأدباء وشعراء، وانتشرت في أرجائه المساجد والمدارس، فعلي سبيل المثال بلغت عدد المدارس في مدينة (قبان) وحدها تسعون مدرسة كما ذكر بعض من كتب عن تاريخها؛ لذا كان الإقليم محط أنظار طلبة العلم والمعرفة، ومقصد للرحالة والباحثين، وفي عهد آخر أمرائها من العرب وهو الشيخ (خزعل)، وقبل أن يضمها رضا بهلوي لإيران عنوة كانت هناك حركة علمية وثقافية، وانتشار للمدارس والمكتبات، وكان للشيخ خزعل مكتبة ضخمة، فيها مخطوطات ومطبوعات نادرة، ولكنها أتلفت ومزقت كتبها في ظل الاحتلال الإيراني لها.

وقد انتشرت في الإقليم منذ القدم وعبر تاريخه الطويل العديد من اللغات منها السريانية والخوزية والفارسية وغيرها، ولكن اندثر أكثرها. وقد دخلت اللغة العربية الإقليم مع أولى القبائل العربية المهاجرة إليه قديما، فكانت من اللغات الموجودة فيه، وبعد دخول الإسلام صارت اللغة العربية هي اللغة السائدة، إلى جانب أقلية إيرانية تتكلم بالفارسية.

وقد تمتعت الغالبية العربية في الإقليم طوال القرون الطويلة الماضية بحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحرية ممارسة شعائرها الدينية وفق مذهبها السني، كما تميزت بكثير من التسامح مع الأقليات الموجودة معها في الإقليم من شيعة اثني عشرية ونصارى ويهود. ولكن أحوال عرب الإقليم تغيرت وأوضاعهم تبدلت بعد أن ضم رضا بهلوي بلادهم إلى إيران، وسعيه لصبغ بلادهم بالصبغة الفارسية، ثم سعي حكام إيران بعد قيام الثورة الخمينية إلى فرض المذهب الشيعي الاثني عشري في البلاد بالقوة وتقليص المذهب السني فيها؛ حيث عانت الغالبية العربية السنية في الإقليم من الاضطهاد الشديد، وحرمت من الكثير من حقوقها السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية خلال العقود الأخيرة التي تلت الاحتلال الإيراني للبلاد، وصارت الأقلية الشيعية تتحكم في مقاليد الأمور في كل مجالات الحياة هناك، على حساب هذه الغالبية العربية المضطهدة، والتي لا تجد من يشعر بمعاناتها أو يدافع عنها أو يطالب برد ولو شيئا يسيرا من حقوقها المسلوبة؛ فصاروا نسيا منسيا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الاضطهاد الفارسي الشيعي لعرب الأحواز

ما إن استولت إيران على بلاد الأحواز حتى سعت بكل قوة إلى السيطرة على مقاليد الأمور فيها، ففتحت أبواب الهجرة الجماعية لعشرات الآلاف من الإيرانيين إليها، وسهلت لهم ذلك، ويسرت لهم سبل العيش فيها، ومكنتهم من السيطرة على اقتصادها، وإدارة شئونها، وضيقت على أهلها الأصليين إلا من أظهر لهم الانقياد ودان لهم بالطاعة، واضطربت أحوال أهل هذه البلاد اضطرابا شديدا، ازداد مع مر السنين،وتمادت الحكومات الإيرانية المتعاقبة وتفننت في اضطهاد عرب الإقليم والتضييق عليهم، فصاروا هم الأغراب في البلاد على كثرتهم، ولم يعد لهم أي حق في اعتراض، وليس لهم أن يطلبوا لأنفسهم أي مطلب، وبلغت أحوالهم من السوء مبلغا عظيما.

فبعد عقود من الاضطهاد والإهمال المتعمد لسكان الإقليم العرب الأصليين، صاروا يعانون من الفقر والجوع والجهل والمرض، رغم كثرة خيرات الإقليم التي لم تعد لهم بل لغيرهم. لقد زاحم الإيرانيون أصحاب البلاد في الأعمال التجارية، وسيطروا عليها، كما صارت الوظائف الحكومية قاصرة على الإيرانيين، فلا تتجاوز نسبة العرب في تلك الوظائف 2%، وجعلت مناصب شركة النفط في الإقليم للإيرانيين، فلم يعد للعمالة العربية فيها إلا قلة وبأجور زهيدة، حتى الحرف البسيطة صار العرب يمنعون منها، فلم يبقَ للقليل منهم إلا صيد السمك ورعي الأغنام.
فصاروا أشبه بالمحاصرين اقتصاديا من داخل بلادهم، يعانون من اكتساب لقمة العيش التي تستمر بها حياتهم.

كما يعاني عرب الإقليم من انتشار الأمية فيهم؛ إذ لا توجد المدارس الكافية للتعليم، وما كان موجودا منها فمدرسوها من الإيرانيين الذين لا يعرفون العربية،ومناهج هذه المدارس ودروسها فارسية، ويحظر استعمال اللغة العربية فيها، فيصعب على العرب الاستفادة منها، فيهجرها الكثيرون منهم، يؤثرون الجهل على الاستمرار فيها. وقد اتجه الكثيرون إلى تعليم أبنائهم في الكتاتيب التي انتشرت في المدن والقرى. أما جامعة طهران فلا تقبل إلا أبناء الموالين لحكومة طهران ممن تنكروا لعروبتهم، وهم الذين يسمح لهم دون غيرهم من الوصول إلى الوظائف الحكومية والمشاركة في برلمان إيران كممثلين عن الإقليم.

وفي إطار حرب السلطات الإيرانية على كل مظاهر العربية في الإقليم منعت العرب من تسمية أبنائهم بأسماء عربية،وأجبرتهم على تسميتهم بأسماء فارسية، كما منعتهم من وضع أسماء عربية لمحلاتهم التجارية، كما اضطر سكان الإقليم إلى ترك لبس العقال الذي اعتادوا عليه، واكتفوا بوضع الكوفية على رؤوسهم.

وتعمل السلطات الإيرانية على جعل أبناء الإقليم الصغار يعيشون في أجواء فارسية، وتلقنهم أن لإيران فضل على العرب، حتى يتعلقوا بإيران ويتنكروا لعروبتهم التي لا يرون لها أثرا حيا يدعوهم للتمسك بها، ولا غرابة في هذه المحاربة الإيرانية لعرب الإقليم لما يحملوه من حقد دفين على العنصر العربي الذي أزال في ظل الإسلام إمبراطورية المجوس الفارسية التي مازالوا يعتزون بأمجادها.