الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على
من لا نبي بعده، وبعد:
مجيء النصر في غزوة الأحزاب كان له
أسباب بشريه قام بها النبي صلى الله عليه وسلم , منها
(1) تحرى انصراف الأحزاب , كان صلى
الله عليه وسلم يتابع أمر الأحزاب , ويتحرى ما حدث عن قرب , فقال: "ألا رجل
يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة...! انظر إلى الأسلوب الذي يمتلأ
ترغيبا, قيادة فاهمة جدا.
كرر ذلك ثلاث مرات , فلم يقم أحد ,
فلجأ إلى أسلوب آخر , وهو الحزم والحزم في الأمر , فعين واحدا بنفسه , ولكن ليس أي
أحد بل له مواصفات نادرة , فقال: "قم يا حذيفة، فائتنا بخبر القوم", ثم
اشترط , "لا تذعرهم علىّ" .
وفى هذا معنى تربوي وهو أن القيادة
الناجحة هي التي توجه جنودها إلى أهدافها عن طريق الترغيب والتشجيع , ولا تلجأ إلى
الأمر والحزم إلا عند الضرورة.
مع البرد القارص والجو الملتهب والخوف
الشديد , قال حذيفة رضي الله عنه : "فمضيت كأنما أمشى في حمام ( جو دافئ .
تكييف بلغة العصر )" فوجد أبو سفيان يصِلى ظهره بالنار, وهو قائد قريش في هذه
الغزوة , قبل إسلامه , فوضعت سهما في كبد القوس وأردت أن أرميه , ثم ذكرت قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تذعرهم علىّ"
ولو رميته لأصبته , فرجعت كأنما أمشى في حمام.
الدروس المستفادة :
1ـ معرفة الرسول صلى الله
عليه وسلم بمعادن الرجال؛ حيث اختار حذيفة ليقوم
بمهمة التجسس على الأحزاب، وأن معدن
حذيفة معدن ثمين , فهو شجاع , كان ذا شجاعة نادرة , لبق ذكى , خفيف الحركة , سريع
التخلص من المآزق الحرجة.
2ـ الانضباط العسكري الذي
كان يتحلى به حذيفة: أتت الفرصة ليقتل قائد الكفار , ولم يفعل؛ لتنفيذ كلام القائد
( لا تذعرهم علىّ).
3ـ كرامات الأولياء: جو
بارد ماطر شديد الريح , "كأنما يمشى في حمام".
4ـ لطف النبي صلى الله
عليه وسلم مع حذيفة؛ فشمله بكسائه الذي يصلى فيه
ليدفئه بعد الرجوع , ثم أيقظه بلطف
وخفه ودعابة , قائلا: "قم يا نومان".
دعابة تقطر حلاوة وتفيض بالحنان وتسيل
رقة! نعم القائد ونعم المربى.
5ـ سرعة البديهة لدى حذيفة
الصحابي الكريم , عندما قال أبو سفيان: " ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه",
قال حذيفة: فضربت بيدي على يد الذي عن يميني فقلت
من أنت؟ قال: معاوية, ثم ضربت بيدي
على الذي عن شمالي, فقلت: من أنت؟ قال عمرو , وهكذا بادرهم بالمسألة حتى لا يتيح
لهم فرصة ليسألوه.
رحم الله حذيفة, وصلى الله على نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم!