بين الأمثال و الواقع

  • 601

تمهيد: الأمثال

المَثَل: جملةٌ سائِرةٌ بينَ الناس، تُحفَظ وتَدور على الألسنة، ويُتَمَثَّل بِها، أو تُستَخدَم في مواقف جديدةٍ مُماثِلة للِموقف الأولَ الذى استُخدمت فيه.
 
وقد أكثر العرب من استعمال الأمثال وتفوقوا فيه على سائر الأمم  لولعهم بالبلاغة والتي تعني عندهم الإيجاز.
 
وأكثرُ الأمثالِ العربيةِ لَها قصصٌ تُرْوَى في كتب الأمثال، وتُنسَب إلى بعض الشخصيات المعروفة أو المجهولة، كأن تلك الشخصيات هي التي حدثت معها القصةُ أولَ مرة، وفي ذلك السياق نطقت بتلك الأمثال لأول مرة، هذا ما يبدو في الظاهر، لكنَ بعض الباحثين يرون: أن كثيراً من قصص الأمثال هي قصصٌ شارحة، أُلّفت ووضِعَت بعد وِلادةِ المثل بزمن، لتوضيحه وشرحِه، ووضعِه في سياقٍ قصصي يكشفُ عن معناه بنوعٍ من التشويق والصياغة القصصية التي تنطوي على الإمتاع والحيويّة  بدليل أن معظمها قصص رمزية.
 
 
توظيف المثال في واقعة لا تنطبق عليه
 
وعلى قدر أهمية الأمثال في توضيح الصورة وحل المعضلات، فإنها توظف في بعض الأحيان لتمرير تصورات خاطئة، وذلك حينما يكون هناك فروق جوهرية بين المثل وبين القضية موضوع البحث، فيهرب البعض إلى المثل ثم يغلط أو يغالط في تطبيق المثل على واقع آخر.
 
ومن أشهر الأمثلة التي يتوارى وراءها البعض ليمنع نفسه أو يمنع أتباعه من إعادة تقييم مواقفه؛ المثل القائل: "أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثَّورُ الأَبيَض"، وهو مثل يكثر البعض من التمثل به على لسان الدعوة السلفية وحزب النور فيما يتعلق بعزل د.مرسي. ونبدأ أولا بذكر قصة المثل ثم ببيان مدى انطباقه على هذه الحالة:
 
قصة مثل "أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثَّورُ الأَبيَض"
كانت ثلاثة ثيران تعيش في غابة، ثورٌ أبيضٌ، وآخرُ أسود وثالثٌ أحمر، وفي الغابَة مع الثيران الثلاثَة أسَد لا يستطيع الاهتداء على واِحد منها ?نها كانت مجتَمِعة مُتَّحِدَة، فبدأ يُفكِّرُ في خَديعَتِها وتَفريقها كي تَضْعُف، ويَتَمَكَّن منها واحِداً وراءَ الآخَر، وهَكذا تَقَرَّبَ من الثَّور الأسود والثور الأحمَر، وقال لهما: إن الثور الأبيض بلونه البارِز يدل الناس علينا، ويُشَكِّلُ خطراً على أمننا، فلونه مشهور ولوني من لونِكُما، فَلَو تَرَكتُماني آكُلُه، لصفا لَنا الجو، وخلا لَنا المَكان. ويَبدو أنّهما صدَّقا كلامَه، وانطَلَت عليهِما خدعتُه، فقالا له: دونَكَ الثورُ الأبيض فكُلْه. وبَعدَ زَمَن انفَرَدَ الأسد بالثور الأحمَر، وقال له: لوني على لَونِك، فَدَعني آكل الأسْوَد، لتَصفُوَ لنا الغابَة، فقال: دونَكَ الثورَ الأسود فكُلْه. فأكَلَه ولم يَبقَ في الغابة إلاَّ الأسدُ والثورُ الأحمر. ثم إن الأسد انفرَدَ بالثورِ المتبقّي، وقال له: لابدَّ آكلُك... فقال: دَعني أنادي ثلاثاً، فقال: افعَل، فنادى: ألا إنِّي أُكلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيَض. وردَّدَها ثلاثاً.
وقَد ظلَّت هذه الحِكمَة مثلا يضرب، فيمَن يَسْمَح للعدو أن ينفردَ بأخيه فيضعفُ نفسَه، لأنَّ في الاتِّحادِ قوَّةً، وفي التفرُّق ضعفٌ... والأَسَد كَما هو واضِح رَمزٌ لكلِّ قوةٍ مستبِدَّة مُخادِعة، تفرِّق الإخوَةَ المتَّحِدِين كَي تَسُودَ اعتِماداً على تفرقِهِم وتَمَزُّقِهم وليس على قوّتِها هي فَحَسب...
 
هل ينطبق هذا المثل على موقف الدعوة السلفية و حزب النور من عزل د.مرسي؟
 
يحلو لكثير من المتابعين لا سيما من أتباع جماعة الإخوان أو المتعاطفين معها أن يعلق على كل هجمة تتعرض لها الدعوة السلفية أو حزب النور باستحضار المثل القائل "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، ومقصودهم أن لو كانت الدعوة السلفية وحزب النور قد انضما إلى اعتصام رابعة أو إلى ما سمي فيما بعد بتحالف دعم الشرعية؛ لما أكل الإخوان و لما تفرغ المهاجمون بعد ذلك للدعوة السلفية وحزب النور.
 
بل بلغ الأمر أن البعض يكرر هذا المثل مع كل هجمة على ثوابت الإسلام، كتلك التي شنها جابر عصفور، والتي تصدى لها الأزهر ذاته بالإضافة إلى الدعوة السلفية وحزب النور.
وكزيارة كريمة إلى إيران، زاعمين أن الدعوة لم تعد قادرة على رفع صوتها بالانكار كما كانت عليه في عهد د.مرسي، رغم أن هذا تصرف فردي من هذا الرجل ولسيت سياسة دولة، وأنه أحيل للتحقيق في الأزهر بسببها حتى أنه فضل تقديم استقالته، وأنه على الرغم من ذلك كله كان للدعوة السلفية موقف منه؛ جعله يصور الخصومة أنها بينه و بين الدعوة السلفية أكثر منها بينه وبين الأزهر، ولكن البعض يحرم نفسه من المراجعات بالكلية، أو يحرم نفسه من المراجعات في زمن تمكن فيه المراجعة، رافعا شعار "أضاعوني و أي فتى أضاعوا".. فإذا تعرض الآخرون لأي أذى طبيعي وربما يكون ثمرة من ثمرات أفعاله؛ تطوع أن يقول على لسانهم: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
 
ومن تأمل في المثل الأصلي سوف يجد الثور الأبيض بريئا تمام البراءة، جنى عليه مكر أعدائه و خيانة رفاقه و ذهب مظلوما عاجزا عن الدفع عن نفسه، ثم إن الثور البني كرر حماقته و باع الثور الأسود الذي ذهب هو الآخر مظلوما.
و الثور البني في كل هذا لا يدرك أنه يضعف نفسه و يقربها من حتفها، حتى إذا أدركه الافتراس أرسل هذا التحذير لمن وراءه حتى لا يكرر أحد خطأه.
ولكن هل يصدق هذا المثل على من تورط في صراع لا يحسنه، و من تفنن في صناعة الأعداء، حتى زاد العدو في عداوته و انقلب الصديق عدوا؟ فلما راجعه رفاقه صاح: "أنا عذيقها المرجب، وجذيلها المحكك" (وهو مثل لمن يقول أنا لها، أو نحن رجال هذه المرحلة و ما شابه ذلك) فليس إمامكم إلا اتباعي، فمنهم من سار خلفه وهو يعلم أنه يسوقهم إلى حتفهم، و لكن أرهبهم قوة الصوت وجلبته ورأوا شدة ثقة ذلك المتزعم فظنوا أن وراء الأكمة ما وراءها، فلم ينتبهوا إلا بعد أن أدركهم الغرق في بحر النزاعات فلجأوا إلى قوارب أخذتهم إلى العمق بدلا من الشاطئ، ولم يحسنوا نفخها و لم يحكموا وكاءها فاستحقوا أن يقال لهم  "يداك أوكتا و فوك نفخ" (وهو مثل ضرب لرجل استعمل قربة لينجو بها من الغرق و لكنه لم يحكم وكاءها؛ فغرقت به، فاستغاث؛ فقيل له ذلك).
 
أو يقال لهم  "على أهلها جنت براقش" (وهو مثل يضرب لكلبة نبحت على الأعداء ظنا منها أن قومها يريدون منها أن تدلهم عليهم، بينما قومها مختبئون من العدو لعلمهم بقوتهم، فدلت الأعداء على قومها، فقالوا: على نفسها جنت براقش، كما قالوا على أهلها جنت براقش. ويروى للمثل قصص أخرى هذه أشهرها).
ومع هذا فإن من نصحوه لم يتمتموا بمثل هذه الأمثال، بل ظلوا يدعونه إلى التعقل والتريث ومراجعة الأخطاء، فيقذفهم بالحجارة و يرميهم بالعمالة ويأبى عليهم كل عمل إلا اللحاق بزورقه الآخذ في الغرق! وبينما هو يصارع ما جنتاه يداه، اختلف الأعداء الأصليون منهم، والذين استعداهم في شأن باقي رفاقه فمنهم من رفع شعار "كلهم سواء" ومنهم من أظهر عداوة ومنهم من أضمرها ومنهم ومنهم...
 
كل هذا والثور الأبيض ما زال على زورقه الآخذ في الغرق و مع هذا يقول من باب الإصرار و المكابرة و المعاندة على لسان الآخرين "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
 
و مع هذا فما زالنا ننتظر أن يقفز الثور الأبيض إلى قوارب النجاة الحقيقية،
و هي هنا شاطئ الدعوة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة،
و شاطئ الصبر على أذى الناس،
و شاطئ نحمل الخير لمصر،
و لعل إصرارنا على الدعوة إلى المراجعات و المصالحات و البحث عن المصالح العليا لبلادنا يجعلنا غرضا لهجمات من يريدونه  صداما لا ينتهى.
 
و أما نحن فنظل ندعو الجميع إلى الرجوع إلى تحكيم الشرع و الى تعظيم حرمة الدماء و إلى الدعوة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة، و إن شكك هؤلاء في ديننا و شكك الآخرون في حبنا لهذا الوطن، ونحن نسأل الله أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب العمل الذى يقربنا لحبه، وأن يجعل بلدا آمنا مطمئنا وقلبا نابضا للأمة الاسلامية.
 
توظيف الآيات و الأحاديث في سب الخصوم أخطر من توظيف الأمثال
 
حكى عشماوي قائد التنظيم الخاص في عهد الأستاذ سيد قطب رحمه الله و الذي اتهم من قبل قادة الجماعة أنه أول من اعترف في التحقيقات و أجبرهم جميعا بناء على هذا على الاعتراف، حكى في مذكراته ذكرياته مع الإخوان بعدما اجتمع معهم في السجن هو نقل ننقله بتمامه على عهدة قائله من جهة، و لأننا نرى بعض ما يحكيه واقعا من جهة أخرى. قال علي عشماوى في مذكراته:
 
"يسبوننى بالقرآن والحديث:
 
والحقيقى التي لا أنكرها أن الأيام التي قضيتها مع هؤلاء الإخوة كانت طيبة، ولم يكونوا يوجهون إلي أي أذى، وكانوا عوناً لي في الفترة التي بدأ "الإخوان" يؤذونني فيها. وكان إيذاؤهم شديدًا، فقد كانوا يسبونني بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية. كنت أينما أسير أسمع من يوجه إلى الشتائم وكان هذا شيئًا غريباً ومازلت أستغربه حتى الآن، فكيف يمكن أن تستعمل آيات الله وأحاديث الرسول في السب؟ كنت إذا مررت أمام أحد منهم أسمعه يتلو: "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث" وتسمع آخر يقول: "وذلك مثال المنافقين". وكان هذا أسلوباً ممجوجًا، ولا أظنه عملاً إسلاميا ولم يكن أمامي إلا احتمال المواقف، و لم أحاول أن أناقش أحداً في أمر، ولا أسعى إلى التخفيف من حدة موقفه، وكان كل ما يقال عني أنني كنت قد اعترفت عليهم. وهي دعوى باطلة ومرفوضة، ومما يثبت ذلك بالإضافة إلى اعترافهم هم أنفسهم أنه قد جاءني الأخ "عباس السيسي" ونحن في عنبر التأديب في ليمان طرة، وسألنى سؤالا مباشراً: "هل تنوى أن تؤيد الحكومة؟ دعنا مما سبق فكلنا اعترفنا، كلنا لم يخف شيئاً، وأنت معذور بالتعذيب الذي حدث. لكننا نود أن نتأكد من نقطة واحدة وهي هل تنوي الاعتراف بالحكومة وتأييدها في محاولة للخروج من السجن؟!".
وكان ردي: أنني أرفض الشروط، ولو كانت الحكومة سوف تشترط  لتحل القضية أن أؤيدها، فأنتم الآن تشترطون لكي نعود إلى صفوف الجماعة ألا نؤيد الحكومة. فهؤلاء اشترطوا، وأنتم اشترطم، وهنا تساويتم معاً في وسائل الضغط، وأنا لا أقبل الضغط، وهذا الأمر متروك لي في المستقبل وسوف أفكر فيه، وأتخذ قراري. ولا أستطيع أن التزم من الآن بأننى لن أفعل.
ثم قال لي: "إننى أعدك إن وعدتنى ألا تؤيد الحكومة أن نعتبر ما حدث كأن لم يكن، وأن تعود إلى صفوفنا مرة أخرى وتأخذ مكانتك"، ولكن رفضت هذا الأسلوب لأنني أساساً كنت قد ضقت ذرعاً بالأمر كله، وأحسست بخطأ العمل الذي اشتركت فيه، وأحسست بمدى ضعف القادة الذين سلمنا أمورنا إليهم.
 
كان رفضي للعرض الذي أشار به الأخ عباس وكان مندوبًا عن الإخوان ويحدثني باسمهم سببًا في اشتداد عمليات الإيذاء، بل إن الأمر قد وصل إلى حد تقنين الإيذاء. وأعني بالتقنين أنه بدأت عمليات الفتوى، وقد صدرت فتوتان: أولاهما: أنني كافر وخارج على الجماعة، وأنه ينبغي التعامل معي على هذا الأساس، وترتب على ذلك أنهم اعتبروا زواجي باطلاً، وأن زوجتي لابد أن تطلق.
 
والفتوى الثانية: إجبار الجميع على أن يقاطعوني، وكان ذلك أحد الأسلحة التي يشهرها الإخوان دائماً في وجه من يعارضهم أو يخالفهم رأيًا"
 
ثم يناقش علي عشماوى ما سمعه من الإخوان من شبهات استندوا إليها في هاتين الفتوتين تجاهه، إلى أن قال:
 
"زوجتي تطلب الطلاق:
كان نتيجة تلك الفتوى أن فوجئت بأن زوجتي التي كنت قد تزوجتها قبل أن أدخل السجن بفترة وهى شقيقة الأخ أحمد عبدالمجيد جاءت تطلب الطلاق، ولم يؤلمني هذا الأمر، فقد كنت أتوقعه. جاءت بالمأذون معها، وجلست عند مأمور السجن، وتم الطلاق في هدوء، وإمعاناً في الإيذاء والإيلام فإنهم كانوا يقولون لي أنها لم تطلق لمجرد أنك محبوس. وقد زوجوها بالفعل من أحد الإخوان الموجودين في السجن، وعقدوا العقد وهو مسجون. وكأنهم بهذا يقولون لي إننا طلقناها لموقفك من الجماعة.
ومع هذا فإنني ظللت كما أنا لم أسب أحدًا منهم، ولم أتحدث في شأنه، ولم أطعنه من الخلف، وكنت أرى أنني سوف أقول الكلمة الأخيرة إن شاء الله".
 
ونحن نجد صدى لما يحكيه العشماوي في السلوك الممنهج الذي يتبعه كثير من شباب الإخوان مع من يقابلوه من رموز الدعوة السلفية، مرددين آيات يتوهمون أنها تنطبق على موقف الدعوة السلفية، من نوعية: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا".. مع أنهم لا يدخلون في معنى الركون للذين ظلموا.
 
مع أنهم لا يُدخلون في معنى الذين ظلموا: ثناء الأستاذ حسن البنا على الملك، ولا تأييد الإخوان لحكومة إسماعيل صدقي (الذي كان إنجليزي الهوى)، ولا غير ذلك مما "اجتهد" الإخوان فيه في عصر المؤسس، فضلا عن ما جاء بعد ذلك من مواقف أشرنا إليها في مقالات أخرى، ولا يلتفتون إلى أن الإخوان المعاصرين في تونس فعلوا ما نصحْنا به إخوان مصر وزيادة (وهذه الزيادة تشمل تنازلات منهجية لا نقرها ولا نرضاها)، وأن اخوان اليمن لم يواجهوا الحوثيين حتى لا يتورطوا في حرب أهلية مع أن الواقع اليمني مختلف تماما، وإذا كان يمكن أن تترك السلطة في اليمن لقبيلة تمثل أقلية عرقية ومذهبية هروبا من حرب أهلية في مجتمع كل القبائل فيه مسلحة ومن المشروع في عرفها أن تقاوم، وغيرها من الأحوال التي تقتضي أن يكون قياس الأولى في مصر؛ هو القبول بالانتخابات الرئاسية المبكرة، ثم إذ لم يتم هذا فالقبول بإعلان 3-7 بدلا من رفع شعار "اللي يرشنا بالميه نرشه بالدم".
 
ومع هذا كله سوف يظل الكثيرون يعتبرون أن تصرف إخوان تونس صحيح، وتصرف إخوان اليمن صحيح، وتصرف اخوان مصر (المناقض لهذين التصرفين) صحيح! ومن خالف في أي حالة من الثلاثة فإنه متهور متشدد في شأن تونس واليمن وإما يكون من الذين ركنوا إلى الذين ظلموا في حالة مصر!
 
المشكلة أن الذي يتعمد إلقاء كلمته بعدما يتجاوزك بجسده ثم يمشي منتشيا وكأنه فتح الفتوح ومصّر الأمصار، هو في واقع الأمر شخص يمارس أقصى درجات الانغلاق والتحوصل ورفض الحوار ويحصن نفسه حتى من مجرد التفكير في المراجعة، أو في حتى حل مشكلة التناقض في مواقفه.
 
وهناك من يفضل أن يقول "حسبنا الله ونعم الوكيل" وهي على كل حال أكثر أدبا مع الله، و مع من تقال له، لكونها ترجع الأمر لله، وهو أعلم بذات الصدور، رغم أن قائلها يتعمد أن يلقيها بلهجة فيها معنى التهمة. وياليت من يقولها يستحضر معناها فيجعل الله حسبه ممن ظلمه و ممن أعان على ظلمه (و لو بحسب وهمه)، كما يجعل الله حسبه من نفسه بحيث يلهمها رشدها و يردها عن غيها، ولو كان هذا الغي قد دخلها من باب إرادة الخير، وكم من باغ للخير ليس يبلغه.
 
ولكنها في النهاية ليست إلا حيلة دفاعية ليبقى داخل عالمه الخاص و تصوراته الخاصة و حتى لا تأتي اللحظة التي يقول فيها "قل هو من عند أنفسكم".