بين الظواهري والبغدادي - داعش وجنون العظمة

  • 358

من معالم منهج أهل السنة والجماعة النصيحة لكل مسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ الله الميثاق على أهل العلم بالكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
والانحراف عن منهج أهل السنة أمر لا يمكن قبوله بذريعة مصلحة عملية متوهمة، بل لابد من البيان والنصح والبراءة من كل ما يخالف الإسلام ولو كان من العاملين للإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منكرا على خالد بن الوليد رضي الله عنه قتل من لا يستحق القتل: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".
 هذا البيان هو الضامن الأساسي لنقاء المنهج واستمرار مسيرة العمل لنصرة الدين على منهاج الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين من أئمة الدين.
 
لما احتد الخلاف السياسي العملي بين د.أيمن الظواهري (أمير القاعدة) وأبي بكر البغدادي (أمير داعش) ـ وقتئذ ـ عند دخولهم سوريا سنة 2013، قام الظواهري بإرسال نصائح وتوجيهات علنية لداعش تتضمن إنكارا لبعض مخالفاتهم.
جاء في هذه النصائح: "الامتناع عن قتل وقتال الأهالي غير المحاربين، حتى ولو كانوا أهالي من يقاتلنا ما استطعنا لذلك سبيلًا"،
"الامتناع عن إيذاء المسلمين بتفجير أو قتل أو خطف أو إتلاف مال أو ممتلكات"،
"الامتناع عن استهداف الأعداء في المساجد والأسواق والتجمعات التي يختلطون فيها بالمسلمين أو بمن لا يقاتلنا"،
"الحرص على احترام العلماء والدفاع عنهم لأنهم ورثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقادة الأمة"...
والسؤال الآن: بعد سكوت الظواهري طوال الفترة منذ نشأة الدولة الإسلامية في العراق عن بيان حالها ومخالفاتها، سواء في أبواب السياسة الشرعية أو فقه الجهاد أو مسائل التكفير*؛ هل سيستجيب أحد لهذه التوجيهات التي لم تظهر إلا عند حدوث الخلاف؟ أم أنه سيصير مرجئا متميعا عند القوم؟
 
هل نتعلّم نحن من هذه المفارقة أن قضايا المنهج لابد أن يستفيض بها البلاغ وأن يعم بها البيان!
وأن الأمر بالمعروف يكون للموافق والمخالف!
وأنه لا يصح تأخير البيان عن وقت الحاجة بزعم أن المنصوح في محنة أو أن الأعداء تكالبوا عليه!
وأن التهاون بهذه المسائل يكتوي به أولا من تهاون ببيانها!
نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل!
___________________
* كثير من هذه المخالفات مشتركة بين القاعدة وداعش لكن الأخيرة بلغت فيها حدا لم تتحمّله حتى الأولى!
 
 
 
 
 

داعش وجنون العظمة
 
إن الانحرافات النفسية أمر يرد على جميع البشر، ومنهم من ظاهره الالتزام - نسأل الله العافية -. وهذه الانحرافات لا يلزم أن تظهر بالصورة القصوى للمرض أو الانحراف، بل ربما يكون عند شخص بعض سمات المرض.. بل لا يكاد يخلو كثير من الناس من سمات بعض الشخصيات المرضية (الشخصية الفصامية أو النرجسية أو السيكوباتية أو الهستيرية أو الاعتمادية أو الوسواسية أو السادية أو غيرها) مع تفاوت درجاتهم في ذلك.
 
وانحراف داعش في الحقيقة ليس انحرافا منهجيا علميا فقط بل يحمل في طياته مظاهر انحراف عقلي ونفسي واضح، ربما كان هو أحد أسباب الانحراف المنهجي.
فعندما تكون مجرد جماعة من الجماعات المقاتلة في دولة محتلة مثل العراق؛ ثم تسمي نفسك بـ (الدولة الإسلامية في العراق) فهذا انحراف نفسي واضح! وتضخم في رؤية الذات وسوء تقدير للواقع ينمّ عن ضعف في العقل.
وفوق هذا ينشأ عنه انحراف شرعي وهو مطالبة جميع المسلمين في العراق ببيعة (جماعة الأشباح) التي لا يُعرف لها مكان، والخضوع لعصابة من عصابات حرب الشوارع.. وبالمناسبة هذا الوصف (العصابات) لا يعيب في قتال الكافر المحتل، فهذا هو المقدور عليه في قتالهم ، لكن العيب كل العيب ألا تدرك حجمك وواقعك وتظن نفسك دولة وأنت مجرد فصيل مسلّح.
 
ثم أن يتطوّر الأمر وترى نفسك (دولة خلافة) وأنت ما زلت بعدُ على حالك (مجرد فصيل مسلّح) ضمن عدة فصائل مقاتلة فهذا تطوّر خطير للمرض.. فبعد أن كنت ترى أنك (دولة) تفرض سيطرتها على العراق صرت ترى نفسك (دولة خلافة) تفرض سيطرتها على العالم الإسلامي كله!
 
ينشأ عن هذا التطوّر تطوّر أخطر على الصعيد الشرعي.. فكونك خليفة المسلمين يعني لزوم بيعتك في أعناق جميع المسلمين في العالم.. وأن من يرفض هذه الجملة من الأمراض النفسية فهو معادٍ للإسلام، كاره لقيام الحكم الإسلامي، عميل للغرب، منافق، مرتد.. في تسلسل لا يمكن التصريح به نظرياً ولكنه مطبّق ومشاهد عملياً.
 
ولو أتعبت نفسك قليلا في تتبع تعليقات الدواعش على ذبح بعض مجاهدي الفصائل الجهادية الأخرى أو في مشاهدة جنود داعش أثناء استمتاعهم بعملية ذبح بعض (المرتدين) (الخائنين) (الرافضين) لدولة الخلافة العظمى (!!) لرأيت مثالا لا تخطئه عين لجملة من السمات النفسية المرضية.
نسأل الله الهداية والعافية لنا وللمسلمين.